خلقت تجمعات المهجرين حياة جديدة في إدلب التي باتت “سوريا مصغرة”، وصاروا يتشاركون أفراحهم وأتراحهم، ويتخذون أماكن مخصصة لدفن موتاهم.
وفي حين لا توجد عقبات أمام المجهرين لدفن موتاهم في المقابر العامة التي تنتشر في القرى والبلدات، تنشط فرق تطوعية وجمعيات خيرية بتأمين تكاليف تجهيز الميت من تغسيل وتكفين وحفر للقبور.
ويحاول معظم المهجرين والنازحين من مناطق عدة إلى الشمال السوري السكن في تجمعات قريبة من بعضها، يشكلون فيها بيئة تلبي أبسط احتياجاتهم من مدرسة ومسجد ومحال تجارية (بقاليات).
مبادرات للدفن
يعمل عيسى قزاح، وهو مهجر من مدينة سراقب ضمن مركز متخصص بدفن الموتى مدعوم من تبرعات “أهل الخير”، وهو عبارة عن مغسلين شرقي إدلب، يقع الأول في سرمين والثاني على طريق بنّش، في كل منهما قسم مخصص للنساء.
ويوفر المغسل سيارة لنقل الميت إلى أرض تبرع بها أحد الأشخاص وتقع على طريق بلدة تفتناز، شرقي إدلب.
قال عيسى لعنب بلدي، إن المركز أُنشئ منذ عامين تقريبًا مع ضيق المساحة في مقابر المدن والبلدات التي توافد إليها النازحون، وأوضح أن المركز يتكفل بدفن أموات المهجرين من كل المناطق، ويقدم خدماته بشكل مجاني كامل من النقل والكفن وتجهيز القبر، ولفت إلى أن الأرض منحها أحد الأشخاص لأجل ذلك.
وبحسب عيسى، فإن الأرض التي أنشئت المقبرة عليها غير محددة بمساحة، وقد وهبها صاحبها تبرعًا لدفن وفيات المهجرين حتى عودة الأهالي لديارهم، كما يتكفل الفريق الذي يعمل معه عيسى بنشر “نعوات” المتوفى عبر مجموعات “واتساب”، وتبليغ أقربائه وأصدقائه بموعد ومكان الدفن وإقامة العزاء.
جمعيات خيرية
إبراهيم محمد سليم، عضو جمعية “البر الخيرية” في إدلب، قال لعنب بلدي، إن تجهيز مكتب لدفن الموتى في مدينة إدلب يحتاج إلى ترخيص من حكومة “الإنقاذ” العاملة في المنطقة.
وأوضح أن هناك إجراءات يجب التقيد بها عند اختيار الأرض التي تستخدم للدفن، وبالتنسيق مع الوزارة المسؤولة، يمكن اختيار أرض مشاع لتكون مقبرة، أو تتكفل الجمعية عن طريق جمع التبرعات لشراء أرض تكون بعيدة عن المناطق السكنية وبمواصفات تحددها الوزارة، وفق سليم.
تواصلت عنب بلدي مع وزارة الأوقاف في حكومة “الإنقاذ” لمعرفة إجراءات ترخيص مكاتب الدفن والمقابر، إلا أنها لم تتلقَ ردًا حتى إعداد هذا التقرير.
ولفت سليم إلى أن الجمعية منشأة عام 1996 لمساعدة الفقراء في مدينة إدلب، توفر مكتبًا لدفن الموتى، ويعمل على حفر القبور والنقل وتجهيز الأكفان لكل سكان الشمال بلا استثناء، بين مهجرين أو مقيمين.
وقال سليم، إن ذوي المتوفى يدفعون تكلفة الكفن ولوازمه وأجرة العمال، بينما تقدم قطعة الأرض التي يتم حفرها كقبر بشكل مجاني، وتتكفل الجمعية بدفن شهداء القصف أو الكوارث كضحايا الزلزال والفقراء الذين لا طاقة لهم على تحمل تكاليف الدفن التي تتراوح بين 50 و60 دولارًا أمريكيًا.
مقابر لوفيات المهجرين
رغم تشكيلهم تجمعات ورغبتهم بالبقاء قرب بعضهم، فرضت بعض الظروف على الأقارب المهجرين إلى الشمال الابتعاد عن بعضهم، لذلك يتواصلون بشكل دائم عبر مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتشاركون فيها الأفراح والأتراح ويناقشون مشكلاتهم.
وبالنسبة لمعظم إجراءات الدفن، فإن المهجرين يعاملون معاملة أهالي المحافظة، حيث تفتح المقابر أمامهم ومراكز التجمعات وإقامة المناسبات.
مظهر عبار، مختار مهجري داريا في الشمال السوري، قال لعنب بلدي إن وفيات المهجرين يعاملون كأهل المنطقة التي يقيمون بها، ففي القرى والبلدات لا توجد تكاليف لأراضي القبور، ويمكن استخدامها مقابل تأمين تكاليف الحفر وتجهيز القبر فقط.
بينما هناك مناطق لا توجد فيها مقابر عامة، ويجب دفع ثمن القبر، لافتًا إلى أن تجمعات بعض المهجرين اعتمدوا على شراء أراضٍ خاصة بهم وتحويلها لمقبرة لأهل مدينتهم، كما لا يمانعون من دفن الموتى من مهجري القرى الأخرى.
من جانبه، قال عضو لجنة مهجري دير الزور في إدلب، مؤمن أبو عبد الله، إن المهجرين يدفنون موتاهم في المقابر العامة المنتشرة في البلدات التي يقيمون فيها، لافتًا إلى عدم وجود أي مشكلات لإيجاد مقبرة خاصة.
وذكر أن تكاليف القبر هي ذات التكاليف التي يدفعها الأهالي المقيمون والمتمثلة بتأمين الكفن وأجرة النقل وحفر القبر، كما تسهم لجان المهجرين في مساعدة ذوي المتوفين الفقراء في تأمين هذه التكاليف.
الأتراح مشتركة
عمدت مجموعات من المهجرين لتجهيز أماكن خاصة لأبناء مدينتهم لدفن موتاهم وإقامة العزاء، حيث يتكفل ميسورو الحال بمساعدة العائلات الفقيرة، كما تشترك العائلات بتأمين تكاليف هذه الأماكن التي تختص بأبناء المدينة وتتاح للعامة أيضًا.
الصحفي كنانة هنداوي، المقيم في إدلب قال لعنب بلدي، إن المهجرين لا سيما من أرياف إدلب عمدوا لشراء أراضٍ خاصة بهم لدفن موتاهم، للمحافظة على تجمعاتهم ضمن أماكن محددة من الشمال، لافتًا إلى أن العشيرة أو العوائل الكبيرة أيضًا جهزت أراضي كمقابر خاصة بها، وأمنت تكاليف شراء الأرض من جميع أفراد العائلة أو القرية.
وأضاف أن الاشتراك الحزن هو ظاهرة توحد الأهالي وهو ما يُعرف عن السوريين، ولذلك لا توجد عوائق أو عقبات في مسألة إيجاد القبور، وغالبًا ما تتاح المقبرة لأصحابها وللغرباء، كما يسهم الأفراد في تجهيز القبور لذوي الفقيد كأحد أشكال المواساة والتضامن.
–