نصف عام على انتفاضة السويداء.. ما مستقبل حراك الشارع؟
عنب بلدي – حسام المحمود
تواصل محافظة السويداء، جنوبي سوريا، منذ أشهر، احتجاجاتها الأهلية السلمية المطالبة بالتغيير السياسي وإسقاط النظام السوري، في وقت بدت فيه مستبعدة عودة الحراك المدني وحالة المظاهرات إلى الشوارع السورية التي عاشت على اختلاف المناطق والمحافظات حياة المظاهرات، قبل المتغيرات السياسية والعسكرية التي أتاحت استعادة النظام بعض الجغرافيا، مع ترسيخ أكبر للتراجع الاقتصادي والمعيشي، دون تحسينات ملموسة في الواقع الأمني، أو بما يرتبط بمطالب الشارع التي نادى بها السوريون منذ عام 2011.
لا تعتبر السويداء حديثة عهد بالاحتجاجات، إذ شهدت المحافظة عدة موجات منها على سنوات متفرقة خلال العقد الأخير، لكن ما يميز المشهد حاليًا حالة الالتفاف الاجتماعي، المتمثلة بمناصرة أوسع لأبناء المحافظة من نقابيين وفنانين وحرفيين وغيرهم للحراك، إلى جانب مباركة المرجعية الدينية أيضًا، ما يعطي لصوت الشارع صدى أكبر، وجرأة أعلى دفعت بالناس من قرى وأرياف المحافظة للتجمع كل يوم جمعة في “ساحة الكرامة”، مجددين تأكيدهم على المطالب ذاتها.
حراك السويداء المتواصل منذ نحو نصف عام، وتحديدًا بعد رفع أسعار المحروقات في آب 2023، وما رافقه من حالة تململ بدت جريئة على المستوى الفردي في الساحل في السوري، ومدروسة على المستوى الجمعي في السويداء، كان محط أنظار سياسيين ودبلوماسيين غربيين (السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، ومبعوثو ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إلى سوريا) قرؤوا في المشهد خروجًا عن “أسطوانة النظام السوري” التي تؤطر الحراك في مذهب أو طائفة أو مكون اجتماعي محدد، مع الإشادة بشجاعة أهالي السويداء ومشروعية تطلعاتهم إلى العدالة والحرية وإطلاق سراح المعتقلين.
عوامل مؤثرة
رغم أن الملف السوري عاش حالة من التنشيط السياسي في أعقاب زلزال 6 من شباط 2023، فتحت الباب أمام النظام السوري نحو علاقات عربية لم ترسخها ممارساته، فإن حالة التنشيط هذه سرعان ما عادت إلى سالف عهدها مع عدم تجاوب النظام بشكل فعال مع الطروحات العربية للحل السياسي في سوريا، وهو ما عنى بالضرورة عودة الملف إلى حالته السابقة، لا سيما مع ظهور ملفات أشد سخونة على المستوى الإقليمي، وأبرزها أحداث غزة المتواصلة منذ 7 من تشرين الأول 2023، ما شكّل تراجع اهتمام بالحراك في السويداء، مقابل تركيز أكبر على ما يجري في غزة.
إرادة الشعب التي يكتبها أهالي السويداء أسبوعيًا على لافتات يرفعونها في مظاهراتهم، قابلها النظام بحالة من التجاهل المتواصل على أكثر من مستوى.
وبعد وقوفه إلى جانب الاحتجاجات ودعوته لتعزيزها، وحديثه إلى الشارع المنتفض لأكثر من مرة، تلقى الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين، الشيخ حكمت الهجري، زيارة من محافظ السويداء، بسام بارسيك، الذي جاء من دمشق في آب 2023، في وساطة، طلبًا للتهدئة، مع عرض لمجموعة حلول، وفق ما نقلته شبكة” الراصد“.
ووفق مصادر نقلت عنها الشبكة، فالشيخ الهجري أوضح أن المسألة لا تحتاج إلى وساطات ولا اتصالات، مؤكدًا أن مطالب الشارع معروفة، ولا داعي لشرحها، وأنه لن يكون هناك تواصل مع أي أحد قبل تحقيق مطالب الشارع.
وكان الهجري أصدر، في 19 من آب، بيانًا، أكد فيه حق الناس بالمطالبة بالعيش الكريم، وعدم الرضا بالحد الأدنى، وأشار فيه إلى غياب الجهات الأمنية عن السويداء “إلا لقمع الكلمة وتوجيه أزلامها البعثيين وفق أوامرها ضد أهلهم”، كما نزل في وقت لاحق إلى “ساحة الكرامة” والتقى بالشارع المنتفض، وهي خطوة اتبعها أيضًا شيخ عقل الطائفة، حمود الحناوي، الذي دعم مطالب الناس، وأثنى على وقفتهم.
لا آذان صاغية
في 24 من آب 2023، أصدر شيخا عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز، حمود الحناوي، ويوسف جربوع، بيانًا مشتركًا، طالب “القيادة” بتغيير حكومي وتشكيل حكومة جديدة قادرة على إدارة الأزمة وتحسين الواقع وإيجاد الحلول وعدم ترحيل المسؤوليات.
وطالب أيضًا بالتراجع عن القرارات الاقتصادية الأخيرة والعمل على تحسين الواقع المعيشي للمواطنين، ومحاربة الفساد والضرب على أيدي المفسدين وتقديمهم للعدالة، وأن تكون مؤسسة الأمن والشرطة عونًا للمواطن لا عليه.
ومن المطالب التي تضمنها البيان، إعادة دراسة تشغيل معبر حدودي لمحافظة السويداء لإنعاشها اقتصاديًا.
من جانبه، تجاهل النظام هذه المطالب جملة وتفصيلًا، إذ لم يتحقق أي منها على الأرض، بينما أكد وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، في 22 من كانون الأول 2023، أن الأردن يفضّل التعامل مع جهات رسمية، كون المعابر تحتاج إلى جهات رسمية أمنية، للرقابة على البضائع والجمارك، وغيرها من الإجراءات.
ورغم تعهد الجهات المحلية في السويداء بضبط مسألة تهريب المخدرات التي تشكل عامل أرق، وحربًا حدودية بالنسبة لعمان، يسقط لأجلها قتلى ومصابون على الحدود، فإن تجاوبًا عمليًا لم يحدث.
وفي 9 من شباط الحالي، أتلفت حركة “رجال الكرامة” نحو 200 ألف حبة “كبتاجون” مخدر، ضبطتها خلال محاولة تهريبها إلى الخليج العربي.
حاجة للتنظيم
ليث البلعوس، نجل مؤسس حركة “رجال الكرامة” الشيخ وحيد البلعوس، وقائد ما يعرف محليًا بـ”مضافة الكرامة” قال لعنب بلدي، في آب 2023، إن هناك محاولات تنسيق بين القوى العسكرية والسياسية في السويداء لخلق “مجلس سياسي” يعطي وجهًا جديدًا للمحافظة، مشيرًا إلى أن المشروع مطروح مع القوى السياسية، بهدف توحيد الجهود تحت مجلس ورأي وحد.
وفي منتصف أيلول من العام نفسه، أدلت “الهيئة السياسية للعمل الوطني” ببيانها الأول من “ساحة الكرامة”، بالتنسيق مع الشيخ حكمت الهجري.
وأُطلق البيان بدءًا من “المعاناة التي يعيشها الشعب السوري من هيمنة نظام استبدادي فاسد استأثر بالسلطة، وحكم بأدوات القمع والعنف”، وتطرق إلى الوضع الاقتصادي والأمني التي وصل إليه السوريون منذ سنوات، معتبرًا أن انتفاضة السويداء جزء من حلم السوريين بحياة “حرة كريمة تحت راية وطن موحد، فرقته أيادي تجار الأوطان والمخدرات”.
وجاء البيان امتدادًا لحديث سابق عن نية فعاليات السويداء تشكيل جسم سياسي موحد يتحدث باسم المحافظة، على خلفية الاحتجاجات الحاصلة فيها.
الحراك إلى أين؟
الناشط الحقوقي ورئيس فرع السويداء لـ”المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سوريا”، سليمان الكفيري، أوضح لعنب بلدي أن حراك السويداء أعلى مجددًا صوت السوريين المطالب بالتغيير الديمقراطي السلمي وتطبيق القرارات الدولية حيال سوريا، وأبرزها قرار مجلس الأمن “2254”، ومنح الثورة بعدًا وطنيًا إضافيًا، مسقطًا دعاية النظام التي تتمحور حول “محاربة الإرهاب” و”حماية الأقليات”.
الكفيري يرى أن تراجع الاهتمام الدولي بالحراك وتوجيه الأنظار نحو قضايا أخرى لم يضعف الشارع الذي يواصل احتجاجه السلمي، ومواصلة الحراك بوابة لتحقيق انتصار على المستوى السياسي، كونه ليس فئويًا أو طائفيًا أو دينيًا، ولا ضيقًا محدودًا، وهو بعيد عن كل الهويات الإثنية.
وبالنسبة لتفاوت الإقبال على التظاهر والاحتجاجات في “ساحة الكرامة” ميدان التظاهر الرئيس لأبناء المحافظة، أوضح الكفيري أن الحراك يواجه ظروفًا معقدة ومتشابكة، منها ما هو ذاتي، ومنها ما هو موضوعي، بالإضافة إلى حالة الطقس وصعوبة التنقل بين البلدات والقرى، وهو ما أثر نسبيًا في أعداد المتظاهرين، دون تغيير في الموقف السياسي، كون التراجع غير ممكن، ولا بد من المواصلة لتحقيق الهدف، وفق الكفيري.
من جانبه، أوضح الباحث السياسي جمال الشوفي، المقيم في السويداء، أن التظاهر حالة يومية في السويداء، لكن الحشد الأكبر يحصل يوم الجمعة، مبيّنًا أن أسباب التراجع في أعداد المتظاهرين مردها الانشغال بالحياة اليومية، وحالة الطقس القاسية، من برد ومطر، إلى جانب الإرهاق العام بسبب التظاهر المتواصل منذ نحو نصف عام، بينما هناك من يبرر الحالة بالتباينات السياسية حول استحقاقات المرحلة.
وقال الشوفي إن من غير الممكن أن تؤدي السويداء مهمة وطنية كاملة الأبعاد دون مشاركة السوريين بها، لإعادة إحياء سلمية الثورة التي تآكلت مع حالة العسكرة، بصرف النظر عن أسبابها.
“المظاهرات في السويداء لا تعني خرقًا مستقبليًا على المستوى السياسي، لكنها إعادة استحقاق للملف السوري الذي استنقع منذ سنوات بعد سيطرة روسية- إيرانية على مناطق واسعة من سوريا، والمظاهرات أعادت الملف للتداول السياسي مع التأكيد على استحالة الحل دون تغيير سياسي”.
الباحث السياسي جمال الشوفي
وبالحديث عن مستقبل الحراك في السويداء، يرى الشوفي أن النظام لا يتجاهل ما يجري في السويداء، لكنه غير قادر على اتباع السيناريو الذي اتبعه في بقية المحافظات مع السويداء، واتهامها بـ”الإرهاب”، ما يعني اتهام المحافظة بـ”الانفصالية”، وهو ما تنفيه السويداء عمليًا.
النظام السوري يراهن على تعب الناس وضجرهم، وعلى الخلافات الداخلية وبث الإشاعات وتأليب أصوات إعلامية ضد الحراك، لكن مستقبل الحراك مرتبط بقدرة السوريين على مواجهة استحقاقات المرحلة الحالية وطنيًا تحت شعار “التغيير السياسي مصلحة للسوريين ودول الجوار والعمق العربي لقطع يد تجار المخدرات وتبدد الميليشيات الطائفية الإيرانية، والمتطرفة الإرهابية”، وفق الشوفي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :