عنب بلدي – عبد الكريم الثلجي
تتكرر المحاولات لإيجاد لباس مدرسي موحد لطلبة المدارس شمال غربي سوريا، وتبقى في إطار مبادرات خجولة، ولكن استحسان المبادرة من قبل جهات في الإدارة التعليمية قابله نقد لرداءة نوع اللباس أو ألوانه، أو حتى أثره النفسي، ومخاوف من أن تتسبب الخطوة لاحقًا بأعباء على الأهالي في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة.
ويشهد القطاع التعليمي معاناة ونقصًا في الاحتياجات التي تخص الطالب والمعلم وحتى المرافق التعليمية في مدارس ريفي حلب الشمالي والشرقي، حيث تسيطر “الحكومة السورية المؤقتة”، وفي مناطق إدلب وريف حلب الغربي حيث تسيطر حكومة “الإنقاذ”.
6000 قطعة في جرابلس
على مدار الأشهر الأربعة الماضية، أعلن المجلس المحلي في مدينة جرابلس شمال شرقي حلب عن توزيع لباس مدرسي موحد لعدد من المدارس الموجودة في المنطقة، ما أثار جدلًا لدى الأوساط الشعبية، بسبب الجودة المنخفضة للقماش، والتصميم الذي اعتبره البعض شبيهًا بزي “طلائع البعث”.
وقال مدير التربية في جرابلس، مسلم إبراهيم، لعنب بلدي، إن المديرية قررت أن يكون اللباس الموزع لكل مدرسة بلون معين وليس لباسًا موحدًا لكل المدارس.
وذكر أن الغاية من اللباس الموحد معرفة المدرسة التي ينتمي لها الطالب، موضحًا أن الكمية التي وُزعت هي 6000 قطعة، فيما يوجد في منطقة جرابلس نحو 37 ألف طالب.
وأضاف إبراهيم أن 20 سيدة يعملن في المشغل الشعبي التابع لمجلس جرابلس المحلي، هن من قمن بحياكة اللباس، وبأجور زهيدة، وأن القماش هو تبرع من “فاعلي خير” على حد قوله، مشيرًا إلى أن العمل جارٍ لتوزيع أكبر كمية ممكنة.
وأوضح أن القماش الذي صنع منه اللباس مؤلف من عدة أنواع وبتسعة ألوان، منوهًا إلى أن أحد الألوان لم يعجب البعض، لكنه في النهاية مقدم من “فاعلي خير”، واستمر العمل من السيدات على مدار ثلاثة أشهر بمعدل تسع ساعات يوميًا.
خطوة بإمكانيات متواضعة
اعتبر إبراهيم أن اللباس الموحد خطوة بالاتجاه الصحيح، وأن المشروع هو خاص بالتربية لا يتبع لأي منظمة أو جهة، ويجري العمل حسب إمكانية توفر القماش، مشيرًا إلى أن المشروع مكلف جدًا، وتعجز عنه جهات حكومية إذا ما أرادت أن تقدم لباسًا بجودة عالية، لأن الكميات المطلوبة كبيرة والإمكانيات متواضعة، على حد قوله.
فيما يرى حسن هوشو، وهو عضو في “نقابة المعلمين الأحرار” شمالي حلب، أن اللباس الموحد أمر جيد، لكن الأفضل أن يتم توزيع لباس يعطي مظهرًا حضاريًا عن العملية التعليمية، لافتًا إلى أن الواقع التعليمي ليس جيدًا، ولا توجد جهة ترعى وتدعم التعليم بشكل مناسب في الشمال السوري.
وأشار هوشو إلى أن مشروع توحيد اللباس يجب أن يكون من خلال جهة رسمية من قبل “الحكومة السورية المؤقتة” على سبيل المثال، إلا أنه يحتاج إلى إمكانيات كبيرة، ومعظم القماش المقدّم ليس له قيمة في السوق وتم التبرع به، لذلك جودته سيئة ولم يعجب الكثيرين، وهناك من قال إن من الأفضل ألا يتم توزيعه على الطلاب.
إذابة فروقات طبقية
قال رئيس المكتب التعليمي في مجلس مدينة الباب المحلي، عبد اللطيف العيسى، لعنب بلدي، إنه لا توجد خطة عامة أو قرار بتوحيد اللباس المدرسي في مدارس شمالي حلب، وربما ما قام به مجلس جرابلس هو اجتهاد شخصي، مشيرًا إلى أن هذا الأمر مطروح في المنطقة منذ سنتين، وهناك رؤية لتنفيذه مستقبلًا.
وأضاف العيسى أن الغاية من هذا الأمر أن يكون هناك زي رسمي لطلاب المدارس، وإذابة الفروقات الطبقية داخلها، موضحًا أن ابن الغني يختلف لباسه عن ابن الفقير، وهذا غالبًا ما يترك أثرًا نفسيًا سلبيًا في نفس الطفل الفقير.
ومن وجهة نظر العيسى، فإن من الضروري توحيد الزي المدرسي، ومراعاة أن يكون الزي أو اللون مناسبًا ومحببًا للطلاب، لما للون من تأثير كبير على النفس.
إيجابياته وسلبياته
الخبير في مجال التعليم الدكتور قتيبة البشير، اعتبر أن اللباس الموحد جيد بالنسبة للطلاب، ويعني الالتزام بقواعد التعليم، ويساعد الطلاب على زيادة تركيزهم على الدراسة والدروس بدلًا من الانشغال بشكلهم ومظهرهم في المدرسة أمام زملائهم.
وقال البشير لعنب بلدي، إن اللباس الموحد يقلل الفوارق الطبقية بين الطلاب، ويقلل التنمر الذي يواجهه الطلاب الفقراء من أقرانهم نتيجة اختلاف اللباس، وقد يساعد ارتداء الأطفال زيًا مدرسيًا موحدًا على الشعور بالانتماء تجاه مدرستهم، فالتشابه والتقارب الذي يجمعهم قد يجعلهم يشعرون بالمسؤولية الاجتماعية تجاه المدرسة والأفراد، وبالتالي تزداد الثقة والاحترام والاهتمام بين أفراد هذا المجتمع.
وللباس الموحد بعض السلبيات بحسب البشير، فهو لا يعطي فرصة للطالب للتعبير الذاتي عن شخصيته وشعوره بالاختلاف والتميز، وقد يؤدي اللباس الموحد إلى انشغال الإدارة والمعلم بمتابعة التقيد باللباس، وقد يمثل شراء الزي المدرسي بندًا من البنود التي تتطلب مزيدًا من التكاليف، خاصة في المدارس الخاصة.
وأضاف البشير أن المدارس العامة في كل من إدلب وشمالي حلب لا تفرض لباسًا موحدًا، إلا أن غالبية المدارس ورياض الأطفال تفرض لباسًا خاصًا فيها، ويتم أخذ ثمنه كاشتراك من الطلاب، وهو ما أكده عبد القادر حميدي، الذي دفع مبلغ 20 دولارًا أمريكيًا لولديه اللذين يدرسان في روضة بإحدى مدارس إدلب كثمن للباس المدرسي، إضافة إلى الأقساط السنوية التي تصل إلى 375 دولارًا أمريكيًا (الدولار 30.2 ليرة تركية).
وفي عام 2022، أقرت وزارة التربية والتعليم في حكومة “الإنقاذ” بإدلب زيًا مدرسيًا موحدًا للطلاب، ما أثار جدلًا واسعًا بين أهالي وناشطي المنطقة، الذين اعتبروه مستنسخًا عن اللباس المفروض على الطلاب سابقًا من قبل حكومة النظام السوري، لتتراجع “الإنقاذ” عن قرارها قائلة، إن نموذج اللباس المدرسي الذي انتشر على منصات التواصل الاجتماعي غير معتمد من قبلها.
واقع تعليمي متردٍ
يعاني قطاع التعليم في الشمال السوري على مستوى البنية التحتية والخدمات المقدمة للطلاب، ورواتب المعلمين الذين يطالبون عبر وقفات احتجاجية متكررة بزيادتها، في وقت لا يهدأ فيه القصف خاصة بمناطق إدلب رغم وجود اتفاقيات لوقف إطلاق النار.
وتستهدف قوات النظام وروسيا المؤسسات التعليمية بقصف ممنهج تزداد وتيرته خصوصًا خلال الدوام المدرسي، ما يخلف ضحايا من الطلبة والمعلمين، إذ استهدفت أربع مدارس منذ بداية العام الحالي، و30 مدرسة خلال عام 2023.
وفي تشرين الثاني 2023، قال مدير التربية والتعليم في مدينة إدلب، أحمد الحسن، لعنب بلدي، إن مدارس المنطقة تشهد نقصًا بالكتب المدرسية، وإن 500 ألف طالب يحتاجون إلى الكتب.
وأرجع الحسن أسباب النقص إلى انتهاء مذكرات التفاهم مع جهات مانحة لتقديم الكتب في السنوات السابقة، إذ انتهت أواخر عام 2022.
وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، أن التصعيد العسكري في مناطق شمال غربي سوريا أثّر بشكل كبير على إمكانية الوصول إلى خدمات التعليم لـ2.2 مليون طفل في سن المدرسة.
وأضاف أن 2.2 مليون طفل في سن المدرسة يقيمون شمال غربي سوريا، منهم مليون واحد على الأقل خارج المدرسة، لافتًا إلى أن الوضع مأساوي بشكل خاص في مخيمات النزوح.