ما سيناريوهات التصعيد بين إيران وأمريكا في سوريا والعراق
سجل التصعيد الأمريكي- الإيراني خطوة جديدة، عندما أعلنت واشنطن عن ضرب مراكز القيادة والسيطرة ومنشآت المخابرات ومرافق تخزين أسلحة، استخدمتها ميليشيات مدعومة من إيران لمهاجمة القوات الأمريكية وقوات التحالف.
وعبر سلسلة من الهجمات، استهدفت أمريكا 85 موقعًا في سوريا والعراق، ردًا على مقتل جنود لها بقصف اتُهمت إيران بالضلوع فيه.
الغارات الأمريكية لم تظهر تأثيرًا كبيرًا في تقويض قدرة الميليشيات المدعومة من إيران على تنفيذ عمليات ضدها في البلدين المتجاورين، إذ تبع سلسلة الغارات استهدافات صاروخية، وأخرى بطائرات مسيّرة طالت قواعد عسكرية تتمركز فيها قوات أمريكية شرقي سوريا، وشمالي العراق.
وفي الوقت نفسه، لا يمكن الجزم حول أثر هذه الغارات، إذ استمرت عمليات الميليشيات المدعومة من إيران، لكن الولايات المتحدة قالت من جانبها إنها لم تنه عمليتها الانتقامية لمقتل جنودها في سوريا.
وقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جيك سوليفان، خلال مقابلة مع شبكة “NBC NEWS” الأمريكية، مساء الأحد 4 من شباط، إن الولايات المتحدة ستنفذ المزيد من الهجمات العسكرية ضد الجماعات المدعومة من إيران، معتبرًا أن الهجمات التي شنتها نهاية الأسبوع الماضي “ليست نهائية”.
على حافة الهاوية
مساء أمس، الاثنين 5 من شباط، اجتمع مجلس الأمن بشكل طارئ بدعوة من روسيا، للنظر في الهجمات الأمريكية الانتقامية في سوريا والعراق، سجل حينها سجال روسي- أمريكي حول شرعية هذه الضربات.
وافتتحت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، روزماري ديكارلو، الاجتماع بمطالبتها لأطراف الصراع القائم في الشرق الأوسط بـ”الابتعاد عن حافة الهاوية”.
وخلص باحثون في تقرير موسع أعدته عنب بلدي سابقًا، إلى أن الاستراتيجية الإيرانية في حد ذاتها هي شكل من أشكال “سياسة حافة الهاوية” التي يمكن أن تؤدي إلى صراعات عرضية وغير مخطط لها، ما يجعلها لعبة عالية المخاطر لجميع المشاركين فيها.
الاسترتيجية الإيرانية المتبعة تترافق مع نفي رسمي لأي مسؤولية عن استهداف مصالح أو قواعد عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، وسبق لسفير طهران ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إرافاني، أن قال، إن بلاده لم تشارك قط في أي عمل أو هجوم ضد القوات الأمريكية في سوريا والعراق.
وجاءت تصريحات إرافاني ردًا على رسالة كتبتها الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن، تتهم فيها إيران بالعمل ضد قواتها في سوريا والعراق، بحسب ما نقلته وكالة “مهر” الإيرانية حينها.
إرافاني وجه رسالة للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، جاء فيها أن الولايات المتحدة تحاول “إضفاء الشرعية على أعمالها العسكرية غير القانونية في سوريا”، وأن الادعاءات بأن إيران تشارك بهجمات على قواعد أمريكية في سوريا والعراق لا أساس لها من الصحة، وتهدف لـ”تبرير انتهاك الولايات المتحدة المستمر للقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة في سوريا”.
وسبق أن نفى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أن تكون طهران مسؤولة عن هذه الهجمات.
استغلال إيراني لأحداث غزة
مع ارتفاع وتيرة الاستهدافات للقواعد الأمريكية في المنطقة، خرج السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، بات رايدر، متهمًا وكلاء إيران باستغلال “الحرب” الدائرة في غزة لدفع أمريكا نحو الانسحاب من سوريا والعراق.
وأضاف في مؤتمر صحفي مسجل نشره “البنتاجون”، في 27 من تشرين الثاني 2023، أن وكلاء إيرانيين يحاولون الاستفادة من الحرب في غزة لتحقيق أهدافهم الخاصة.
وفي حالة العراق وسوريا، تطمح هذه الجماعات منذ فترة طويلة لرؤية القوات الأمريكية تغادر، بحسب رايدر، مشيرًا إلى أن وجود قوات بلاده في العراق جاء بدعوة من الحكومة العراقية، ويركز فقط على هزيمة تنظيم “الدولة”، دون الإشارة إلى مبررات انتشارها في سوريا.
رايدر اعتبر أن الحرب الدائرة في فلسطين تم احتواؤها، لكن وكلاء إيران مستمرون بمحاولات استغلال الموقف.
الباحث في الشأن السوري بمركز “Century International” آرون لوند، قال لعنب بلدي، إنه من المؤكد أن كلا الجانبين يريد خروج الآخر من سوريا، ولكن بعد عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس) ضد إسرائيل، ظهرت قضايا أخرى على المحك.
وأضاف أن إيران وحلفاءها، بمن فيهم النظام السوري والميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من طهران، يحاولون الضغط على الولايات المتحدة لإجبارها على كبح جماح إسرائيل في غزة، إذ لا يتعلق التصعيد الحالي في المقام الأول بطرد الولايات المتحدة من سوريا، على الرغم من أن ذلك قد يكون النتيجة من الناحية النظرية.
من جانبه يرى الباحث في مؤسسة “القرن الدولية للبحوث والسياسات الدولية”، المتخصص بالشأن السوري سام هيلر، إنه ليس من الواضح مدى جدية إيران في العمل لدفع الولايات المتحدة نحو الانسحاب من سوريا.
وأضاف أنه من الواضح حرص إيران على تجنب الصراع المباشر مع الولايات المتحدة، علمًا أن الوضع الراهن ربما يكون أفضل فرصة لإيران وحلفائها لإخراج الولايات المتحدة من العراق وسوريا، عبر “الحوار الاستراتيجي” الذي بدأ مؤخرًا بين بغداد وواشنطن.
هيلر يرى أن مغادرة القوات الأمريكية للعراق، سيحول الوجود الأمريكي في سوريا إلى أمر غير ممكن، نظرًا لكون الانتشار في العراق يشكل عاملًا لوجستيًا للانتشار في سوريا.
هل تقوض أمريكا النفوذ الإيراني
حل الانتشار الإيراني في سوريا على جدول أولويات إسرائيل، الحليف الأقرب للولايات المتحدة في المنطقة، على مدار السنوات الماضية، إذ كررت تل أبيب الهجمات بشكل متواتر على مصالح إيرانية في سوريا، أحدثها كان استهدافات قتلت “مستشارين” في “الحرس الثوري الإيراني” بالعاصمة السورية دمشق.
ارتباط الاستهدافات الإسرائيلية لـ”المستشارين الإيرانيين” ظهر في 20 من كانون الثاني الماضي، عندما قتلت إسرائيل خمسة أفراد من “الحرس الثوري الإيراني” في سوريا، بحسب ما أعلنت عنه إيران.
واتضح لاحقًا أن أحد القتلى يلقب بـ”الحاج صادق” الذي ورد اسمه في تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في حزيران 2023، على أنه كان مكلفًا بزيادة الهجمات ضد القواعد الأمريكية في سوريا.
وذكرت إحدى الوثائق التي تحدثت عنها الصحيفة ، أن “الحاج صادق” حدد على وجه الخصوص عربات أمريكية من نوع “هامفي” و”كوغار” كأهداف معينة، مشيرة إلى أنه أرسل أفرادًا للاستطلاع، والتقاط بعض الصور للطرق التي تستخدمها القوات الأمريكية في سوريا.
وأشار تقرير “واشنطن بوست” إلى أن استراتيجية إيران التي كان يديرها “الحاج صادق”، تقوم على بناء وتدريب قوات على استخدام قنابل خارقة للدروع، تزرع على الطرق خصيصًا لاستهداف المركبات العسكرية الأمريكية وقتل الأفراد الأمريكيين.
الخبير في الشأن الإيراني، مروان فرزات، قال لعنب بلدي، إن إسرائيل أو الولايات المتحدة غير مهتمتين بالوجود الإيراني في سوريا بشكل عام، ويقتصر النشاط الإيراني أمام محاربة نفوذ إيران على مناطق الجنوب السوري بشكل رئيس.
وتهدف الضربات الإسرائيلية المتكررة على المصالح الإيرانية، إلى تقليل تدفق الأسلحة نحو “حزب الله” اللبناني لا أكثر، وتقويض نفوذ إيران في الجنوب السوري فقط، بمحاذاة الجولان السوري المحتل، بحسب فرزات.
من جانبه، يرى الباحث سام هيلر، أن إدارة بايدن لا تسعى بجدية إلى الانسحاب الكامل لإيران من سوريا، كما حاولت إدارة ترامب سابقًا.
وأضاف أنه في هذه المرحلة، لا يبدو طرد إيران من سوريا معقولًا، لكن يمكن القول إن إدارة بايدن ساعدت في تقييد الوجود الإيراني في سوريا، من خلال الحد من حرية حركة إيران مع استمرار الوجود الأمريكي في على الحدود السورية- العراقية، ومن خلال توفير غطاء للهجمات الإسرائيلية على أهداف مرتبطة بإيران.
مع الغموض الذي لطالما أحاط بالضربات الإسرائيلية في سوريا، وعدم تبني معظمها من قبل أي جهة، تبدو إسرائيل قلقة من الوجود الإيراني، وعبرت عن ذلك في فترات سابقة، إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في حفل تخرج طيارين جدد في سلاح الجو الإسرائيلي في كانون الأول 2018، “لن نتسامح مع الترسيخ الإيراني في سوريا”.
هل ينخفض حجم الوجود الإيراني في سوريا؟
مطلع شباط الحالي، نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر لم تسمها، أن “الحرس الثوري الإيراني” سحب ضباطه من سوريا بعد الضربات الإسرائيلية، بينما نفت طهران نية الانسحاب.
وبحسب ما نقلته الوكالة عن خمسة مصادر مطلعة، فإن “الحرس الثوري” قلّص انتشار كبار ضباطه في سوريا بسبب موجة الضربات الإسرائيلية، وسيعتمد أكثر على فصائل شيعية متحالفة معه للحفاظ على نفوذه هناك.
وبينما قالت المصادر إن إيران ليست لديها نية الانسحاب من سوريا، وهي جزء رئيس من مجال نفوذ طهران، لم تذكر المصادر عدد الإيرانيين الذين غادروا، في الوقت الذي لم تحصل فيه الوكالة على على رد من وزارة الإعلام في حكومة النظام السوري، ولم تتمكن من الوصول إلى “الحرس الثوري” للتعليق.
وبحسب مصدر آخر، فإن من بقي في سوريا من الضباط الإيرانيين، تركوا مكاتبهم وتواروا عن الأنظار، مشددًا على أن الإيرانيين لن يتخلوا عن سوريا، لكنهم قلصوا وجودهم وتحركاتهم إلى أقصى حد.
مصادر إضافية أوضحت لـ”رويترز” أن “الحرس الثوري” أثار مخاوفه مع السلطات السورية، من أن تسرب المعلومات من داخل القوات الأمنية السورية لعب دورًا في الضربات الأخيرة، وأن المخاوف من حدوث “خرق استخباراتي” دفعت “الحرس الثوري” إلى نقل مواقع العمليات ومساكن الضباط.
الباحث بمركز “Century International”، آرون لوند، قال لعنب بلدي، إنه من الواضح أن إيران لا تنوي الانسحاب من سوريا، ولا أحد يستطيع إجبارها فعليًا على المغادرة، في ظل الوضع الحالي.
وأضاف أن النظام السوري يرغب باستمرار الوجود الإيراني لحمايته، وتأمين أشكال أخرى من الدعم من إيران.
وفي الوقت نفسه، يرى لوند، أنه يمكن توقع سيناريوهات يطلب فيها الأسد من الإيرانيين تقليص وجودهم أو احترام خطوط حمراء معينة، كجزء من الاتفاقات مع الدول العربية أو تفاهمات إقليمية أخرى، لكن هذا افتراضي في هذه المرحلة، مشيرًا إلى أن الحرب الدائرة في غزة لا تشجع مثل هذه الاتجاهات حاليًا.
ماذا عن الوجود الأمريكي
في 25 من كانون الثاني الماضي، نقلت وسائل إعلام غربية عن مسؤولين أمريكيين أن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بالانتشار العسكري في سوريا والعراق، وقد تنسحب من المنطقة مستقبلًا، خصوصًا مع تنامي المطالب العراقية بانسحاب قوات التحالف الدولي.
ونقلت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية حينها، عن أربعة مصادر داخل وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين (لم تسمّهم)، أن البيت الأبيض لم يعد مهتمًا بمواصلة المهمة التي يرى أنها “غير ضرورية” في سوريا، وتجري الآن مناقشات داخلية نشطة لتحديد كيف ومتى يمكن أن يتم الانسحاب.
من جانبه، نقل موقع “المونيتور” الأمريكي عن مصادر مطلعة على مناقشات لتحديد آلية وتوقيت الانسحاب من سوريا (لم تسمّها)، أن “البنتاجون” طرح خطة لحلفائه السوريين (قوات سوريا الديمقراطية) ، للدخول في الحملة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” بالشراكة مع النظام السوري.
وفي الجارة العراق، تصاعدت الأصوات المطالبة بالانسحاب الأمريكي من الأراضي العراقية، على خلفية التوتر الحاصل بين ميليشيات إيرانية، والولايات المتحدة في المنطقة، في حين نقل موقع “CNN” عن مسؤولين أمريكيين أن العراق سيجري مناقشات مع مسؤولين أميركيين، بهدف وضع خطة لسحب قوات التحالف الدولي من المنطقة.
يرى الباحث المتخصص بالشأن السوري سام هيلر، أن الانسحاب الأمريكي في نهاية المطاف من سوريا أمر محتمل، ربما خلال فترة ولاية الرئيس المقبل، بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، لكنه لم يتوقع رؤية انسحاب أمريكي في أي وقت قريب.
وأضاف أن الانسحاب العسكري الأمريكي من سوريا قد يكون فوضويًا ومحرجًا سياسيًا، وهو ما يدفع إدارة بايدن لتجنب الإقدام على خطوة من هذا النوع على الأقل خلال فترة ولايته الحالية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :