أمام برودة الشتاء وصعوبة الوصول إلى موارد التدفئة يبحث سكان الشمال السوري عن بدائل لوسائل التدفئة التقليدية لتجاوز الفصل الذي يمر بقسوة وبطء على السكان بالتزامن مع حالة اقتصادية ومعيشية لا تمنح الشخص ترفًا في البحث عن البدائل.
شاهر رزوق مهجر من ريف حلب، يعمل في تطوير المدافئ معتمدًا على أسس علمية تلقاها في الجامعة، وتطبيق بعض ما تعلمه في كلية الهندسة، إلى جانب خبرته في صناعة المدافئ، لابتكار مدافئ متعددة الاستخدامات تساعد في حل أكثر من مشكلة في وقت واحد، إلى جانب التدفئة.
يلجأ السكان في إدلب، شمال غربي سوريا إلى وسائل تدفئة غير تقليدية لمواجهة أعباء الشتاء والبرد القارس نتيجة ارتفاع أسعار مواد التدفئة من جهة، والواقع المعيشي الذي يصعب معه توفير متطلبات الحياة اليومية.
أوضح شاهر، وهو مهندس مدني، وصاحب شركة صناعة مدافئ، لعنب بلدي، أن ارتفاع أسعار المدافئ المستوردة من دول الجوار، وأسعار مواد التدفئة، عوامل دفعته لتأسيس شركة لصناعة وتطوير المدافئ، حسب الإمكانات المتوفرة.
عمل شاهر بداية في إنتاج مدافئ قشور الفستق التي انتشرت في إدلب على مدار السنوات الماضية، لكن ارتفاع أسعار قشور الفستق التي تستخدم كبديل عن وقود التدفئة، وبحث الناس بشكل دائم عن مدافئ يمكنها إنجاز مهام أخرى، كالطهي وتسخين المياه، شجعت الرجل على ابتكار مدافئ غير تقليدية تعمل بعدة أنواع من الوقود وتحقق عدة أغراض أو مهام للمستخدم.
صاحب الشركة لفت إلى أن دراسة الهندسة ساعدته في مسائل تقنية طبقها على المدافئ، كالاحتراق الكامل وسحب الهواء وتصريفه أثناء الاحتراق وكمية الهواء اللازم لإتمام عملية الاحتراق على أكمل وجه.
عشرة أعوام
خلال فصل الشتاء، توثق فرق “الدفاع المدني السوري” بشكل مستمر، حالات احتراق متفاوتة الشدة، بسبب المدافئ، إذ أصيب في 23 من كانون الثاني الماضي، رجل مسن، بحروق من الدرجة الثانية، بسبب اندلاع حريق سببته مدفأة، ضمن مخيم “الأرض الطيبة” في بلدة صلوة، شمالي إدلب.
وبحسب شاهر، فإن شركته طورت قبل نحو عام، مدفئة تعمل بالوقود والحطب وقشر الفستق، إلى جانب وظائف جانبية، منها تسخين المياه والطهي والشواء، كونها تضم فرنًا داخليًا.
جرى ذلك بعد تطوير عدة أنواع من المدافئ، وتقديم نوعيات جديدة تتلافى بعض الجوانب التي شكلت عامل أرق للمستخدمين، من خلال تصغير الشكل الخارجي، وتصميم عبوة الوقود بشكل مخفي، لتحسين مظهر المدفأة التي تزن 80 كيلوجرامًا، وسعرها 275 دولار أمريكي، وهو سعر مقارب لأسعار المدافئ المستوردة، كما أن عمرها الافتراضي عشرة أعوام.
صعوبات الاستيراد تعرقل الإنتاج
نجم الدين نجم (30 عامًا) يعمل في تطوير المدافئ قال لعنب بلدي، “كنا نصمم مدافئ تعمل بقشر الفستق في منطقة خان شيخون بسبب وفرة هذه المواد في تلك المناطق وبعد التهجير وارتفاع أسعار قشر الفستق جراء تراجع الإنتاج المحلي عملنا على تطوير مدافئ تعمل بعدة أنواع من وقود التدفئة”.
وتتفاوت أسعار مواد التدفئة بين عام وآخر، ما يجبر الأهالي على التبديل بين هذه المواد، إذ بلغ سعر طن واحد من قشور الفستق لعام 2024، 175 دولار أمريكي، أي أقل بـ50 دولارًا عن العام الماضي، بينما ارتفع سعر الحطب والبيرين بمعدل 50- 75 دولارًا عن الشتاء الماضي، ليبلغ سعر الطن منه نحو 240 دولارًا أمريكيًا.
وبحسب نجم الدين، فهذه المدافئ تشهد إقبالًا لأسباب تتعلق بنوعية المعدن المستخدمة في التصنيع، والتي توفر كميات من مواد التدفئة بسبب تخزين الحرارة ونشرها، إلى جانب ارتفاع مستوى الأمان في المدافئ الحديثة مقارنة بمدافئ قشر الفستق التي تتطلب مراقبة مستمرة حتى لا تصل النار للمجرى الذي يمرر مواد التدفئة باتجاه مكان الاحتراق، وهي مسألة تسبب حرائق في المنازل.
يواجه العاملون في تصنيع المدافئ صعوبة في استيراد المواد الأولية، ما حال دون قدرة المعمل على تغطية الطلب، كما أن أكثر من نصف الإنتاج في المستودعات بحاجة لتجميع بسبب نقص المواد الأولية، كالزجاج الحراري وبخ “التيفال الحراري” الذي يستعمل لطلاء المدفئة.
يستغرق استيراد هذه المواد نحو شهرين ونصف، وهو ما يعرقل العملية الإنتاجية، إلى جانب ارتفاع أسعار هذه المواد، ما ينعكس على أسعار المدافئ التي ينتجها نجم الدين، وتتراوح بين 100 و300 دولار أمريكي.
مئات الحرائق
وثق “الدفاع المدني السوري” خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2023، 621 حريقًا، في 188 مدينة وبلدة وقرية، شمال غربي سوريا، أسفرت عن وفاة امرأة وطفل وإصابة 31 مدنيًا، بينهم سبع أطفال وثلاثة نساء، وفق إحصائية حصلت عليها عنب بلدي من المنظمة.
وخلال الثلاث الأسابيع الأولى من كانون الثاني الماضي، أخمدت فرق “الدفاع المدني” 105 حرائق، منها 41 حريقًا في منازل المدنيين و17 حريقًا في المخيمات، أسفرت عن إصابة 17 مدنيًا بحالات حروق واختناق.