سوريون مفقودون في تركيا بعد عام على الزلزال

  • 2024/02/06
  • 3:30 م
مقبرة جماعية لمجهولي الهوية من ضحايا الزلزال في ولاية أديمان جنوبي تركيا - 10 من شباط 2023 (Halktv)

مقبرة جماعية لمجهولي الهوية من ضحايا الزلزال في ولاية أديمان جنوبي تركيا - 10 من شباط 2023 (Halktv)

بعد مرور عام على ذكرى وقوع الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وأربع محافظات سورية في شباط 2023، ما زال مصير عائلات سورية مجهولًا، فيما يحاول ذووها الوصول إلى جثامين أقاربهم دون جدوى، ما ترك خلفه أثارًا نتائجها واضحة حتى اليوم، في ظل غياب الإحصائيات الرسمية عن أعدادهم.

وبلغ إجمالي عدد اللاجئين السوريين في تركيا في شباط 2023 حوالي 3.5 مليون لاجئًا، كان يقيم ما يقارب نحو مليون و750 ألف شخص منهم في مدن الجنوب التركي الذي ضربها الزلزال بنسبة وصلت إلى 47% من مجمل اللاجئين، الخاضعين لنظام “الحماية المؤقتة“.

وفي الساعات الأولى من 6 من شباط، ضرب زلزال بشدة 7.7 درجة ولاية كهرمان مرعش، تبعه في ظهيرة اليوم نفسه زلزال آخر بشدة 7.6 درجة في الولاية ذاتها، وآلاف الهزات الارتدادية، ما أودى بحياة الآلاف من الأشخاص.

فرصة التمسك بأمل العثور على المفقودين تختلف من عائلة لأخرى، لكن الرغبة برؤيتهم والمحاولات العديدة كانت مشتركة بين العائلات، فالمصير المجهول “يقتل ما بداخلهم مع مرور الوقت”.

لا إحصائية واضحة

تثبت شهادات لسوريين قابلتهم عنب بلدي أنهم لم يصلوا إلى قبور أو جثث أفراد من أسرهم، وتنتشر المئات من القبور دون شواهد توضح أسماء أصحابها، بل تحظى بشواهد خشبية سجلت عليها أرقام فقط.

واختلفت الأرقام والإحصائيات عن أعداد اللاجئين السوريين المتوفين في تركيا في الزلزال، إذ أشارت أحدث إحصائية صادرة عن وزير الداخلية التركي السابق، سليمان صويلو، في 4 من آذار 2023، إلى وفاة 4267 سوريًا إثر الزلزال، بينما قالت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تقريرها في 28 من آذار 2023، إن 5439 لاجئًا سوريًا توفي في تركيا إثر الزلزال، و4191 في مناطق المعارضة بشمال غربي سوريا، بينما توفي 394 شخصًا في مناطق سيطرة النظام السوري.

وقال مدير المكتب الإعلامي في معبر باب الهوى، مازن علوش، لعنب بلدي، إن سيارات وزارة الصحة التركية أوصلت 1600 جثة للسوريين الذين قتلوا في تركيا إثر الزلزال إلى المعبر، بهدف تسليم جثامينهم لذويهم المقيمين في الشمال السوري.

ونشرت وكالة “الأناضول” التركية، اليوم الثلاثاء في 6 من شباط، خلال إحياء الذكرى السنوية الأولى من الزلزال، أرقام تفيد بوفاة 53 ألفًا و537 شخصًا، لم تحدد عدد السوريين منهم، بينما أصيب 107 آلاف و213 آخرون.

كارثة الزلزال وكثرة عمليات البحث عن المفقودين، أدت إلى إنشاء مجموعات “واتساب” من قبل شباب سوريين، لمساعدة الأهالي في العثور على المفقودين في مناطق الزلزال، عبر جمع المعلومات والبيانات ومشاركتها مع فرق البحث والإنقاذ العاملة على الأرض، وطلب المساعدة لإخراج العائلات من تحت الأنقاض.

ويقيم في تركيا ثلاثة ملايين و181 ألفًا و222 لاجئًا سوريًا خاضعًا لنظام “الحماية المؤقتة”، وفق أحدث إحصائية صادرة عن رئاسة الهجرة التركية.

هروب من الواقع

ميرال خليل، لاجئة سورية كانت تقيم في مدينة أنطاكيا بهاتاي، قالت لعنب بلدي، إنها فقدت والدتها وزوجها وطفلاه الاثنين بعد وقوع الزلزال، إذ سقط المبنى بهم، بينما استطاعت النجاة مع طفلتها (ثمانية أعوام) وابنة زوجها (12 عامًا) بعد ساعات قليلة، عبر إزالتها الأنقاض والأحجار من فوق أجسادهم التي أصبحت قريبة من الأرض ليخرجوا من فتحة صغيرة.

بناء ميرال لم يتعرض للسقوط فقط، بل اشتعلت النيران داخل البناء إثر حريق لم يعرف سببه، ما أدى إلى تشوه أجساد من أتت عليه النيران، وباتت معرفة الضحايا من أسرتها والعثور عليهم أمرًا صعبًا لغياب الملامح أو تحول الأجساد لرماد شبه كامل رسمت آثاره على أماكن نوم الأشخاص، وفق وصفها.

حاولت ميرال، المنحدرة من منطقة الشيخ ضاهر باللاذقية، بعد الخروج من تحت الأنقاض إحضار فرق الإنقاذ لزوجها الذي كانت تسمع نداءه، لكنها لم تفلح وفقدت جثته بعد وفاته، لتعثر على قبره بعد ستة أشهر عبر تطابق نتيجة تحليل الحمض النووي (DNA) أجرته طفلة زوجها في شهر الكارثة، مع جثة دفنت بمقبرة بمنطقة نارلجا في مدينة أنطاكيا.

الحمض النووي (DNA) المتعلق بالتكوين الجيني للفرد، يمكن أخذه من أي خلية موجودة في جسم الإنسان، تحمل الصفات الوراثية، سواء من “قشاطة جلدية” أو من الشعر أو من العضلة أو من الظفر.

أفادت ميرال خليل، عنب بلدي، أنها بعد عامٍ كامل لم تعثر على جثة والدتها التي كانت تقيم معها في نفس المنزل، رغم إجرائها التحليل المطلوب منها في مستشفيات مدينة أنطاكيا، ومراجعتها إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، عدة مرات كان آخرها قبل نحو ثلاثة أشهر قبل مغادرتها تركيا.

قرار مغادرتها مع ابنتها من تركيا إلى النرويج، جاء بعد ما شاهدته وعاشته من أحداث خلال الزلزال، وخاصة عدم وصولها لخبر أو معلومة تؤكد وفاة والدتها أو بقائها على قيد الحياة، ليكون قرار “الهروب من الواقع” لمكان خارج تركيا خالي من الذكريات التي تلاحقها أفضل خيار، حسب حديثها.

وكانت رئاسة “إدارة الكوارث والطوارئ” قد أصدرت بعد أيام من الزلزال، بيانًا يضم إجراءات تحديد الهوية ودفن ضحايا الزلزال، وهي تنفيذ إجراءات فحص الميت أمام البنايات حيث توجد الجثث، دون إرسالها إلى المناطق المجاورة وتسلميها لمأمور الصحة أو الضبط القضائي، مصحوبًا بتقرير يضمن نقلها إلى المستشفى.

أما في الحالات التي يتعذر فيها تحديد هوية الشخص المتوفى من قبل أقاربه أو معارفه، بعد تعذر تحديد الهوية عبر إجراء فحص الطب الشرعي مثل الحمض النووي وعينة الدم وغيرها، خلال الأيام الخمسة الأولى من إخراج الجثة من تحت الأنقاض، تدفن الجثة ويسجل التقرير المشترك بين النيابة العامة والسلطة الإدارية المدنية مكان القبر في تقرير الوفاة.

البحث مستمر

فاطمة محمد، شابة سورية من سكان مدينة أنطاكيا في ولاية هاتاي، كانت في مدينة قونيا مع شقيقتها في 6 من شباط 2023، ليحدث الزلزال وتفقد إثره زوجها الذي أكدت وجوده في المنزل وتواصلهما عبر مكالمة هاتفية في ساعات الليل بنفس يوم وقوع الزلزال.

حاولت فاطمة، عند وصولها إلى مدينة هاتاي التركية، بعد أربعة أيام من الزلزال البحث عن زوجها حسام بين الأنقاض والشوارع والجثث المنتشرة حول الأبنية المدمرة، دون الوصول لمعلومة واحدة تأخذ بها لمكان وجوده إن كان حيًا أو متوفيًا، رغم الاستعانة بعائلته وفرق الإنقاذ في المنطقة لموقع البناء.

هول المشهد والأعداد الكبيرة من العالقين تحت الأنقاض، أجبرت فرق البحث على محاولة مساعدة من تسمع أصواتهم، لأن فرصة نجاتهم أقوى ولا وقت للبحث في الأبنية الصامتة إلا لفترات قصيرة للانتقال للأبنية الأخرى واستكمال عمليات البحث.

وكانت آخر محاولة للبحث عن جثث أو ناجين من بناء زوج فاطمة بعد نحو عشرة أيام، وفق ما ذكرته لعنب بلدي.

تواصلت الشرطة التركية مع فاطمة المنحدرة من حمص، عدة مرات بعد تقديمها عظامًا لشخص متوفى أخرجتها من البناء لتظهر النتائج بتبعيتها لشخص آخر إثر فحص الحمض النووي الذي أجرته والدة زوجها للتأكد وزيادة فرصة الوصول لقبره بين المدفونين في المقابر الجماعية لمجهولي الهوية أو العثور عليه في مستشفيات تركيا.

ختمت فاطمة حديثها لعنب بلدي، بأنها لن تفقد الأمل، وما زالت مستمرة بالبحث عن زوجها الذي صنفته السلطات بين المتوفين، رغم عدم العثور على جثته بين القبور الجماعية لمجهولي الهوية.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع