نساء “سوروبيات”!

  • 2024/02/04
  • 10:54 ص
غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

مهلًا لا تتعجل، ليس ثمة خطأ كتابي أو إملائي أو طباعي في العنوان كما افترضت، بل هي عبارة يقصد بها الدمج في الصفة والانتماء بين السوريات والأوروبيات، أردتها مدخلًا للحديث عن مضمون هذا المقال.

ما يلفت النظر حقًا ويدعو للدهشة، أن نسبة كبيرة من الفتيات السوريات، وخاصة ممن وصلن إلى أوروبا وأصبن بالصدمة الحضارية كما يقال أو باللوثة الحضارية لا فرق، يسعين لبناء حياتهن وفق متطلبات سوريتهن بداية دون أن يفوتن الفرصة على الإفادة من أوضاعهن الجديدة، أو لنقل أوروبيتهن.

فهن في الزواج يردن مهرًا وذهبًا وحفلة تضج بها ثرثرات النساء على وسائل التواصل الاجتماعي، وبيتًا لائقًا وسيارة مناسبة، وكل ذلك دون أن يكلفن أنفسهن أي عبء من تلك الأعباء باعتبارها من مسؤولية الرجل، وهذا ما تعارف عليه المجتمع السوري عمومًا.

بالمقابل يردن، أو يفرض عليهن الواقع القانوني، توثيق زواجهن وفق القوانين الأوروبية، التي تتيح لهن اقتسام أموال الزوج المكتسبة بعد الزواج مناصفة معه عند الانفصال، وحتى لو لم يسهمن في نماء هذا المال.

بداية، من المفهوم أن النساء في بلادنا عانين من التمييز والاضطهاد وانتهاك الحقوق، وكن عاجزات عن كسر هذا المثلث، لا لضعف فيهن، ولكن لأن ثمة كمًا هائلًا من المفاهيم والتقاليد المتوارثة والمستأسدة بالشريعة والفقه أضعفت لديهن أي قدرة على مقاومتها، خصوصًا أن البنية القانونية التي يفترض أن تمثل ملاذًا لكل مضطهد يتحصن فيها لم تكن تستجيب لها بالقدر الذي خضعت فيه للمنظومة التقاليد والفقه الديني، وبالتالي فمن الطبيعي جدًا أن تشعر هؤلاء النسوة بالفجوة بين واقعهن الذي غادرنه والواقع الجديد الذي يواجهنه، والذي يقوم أصلًا على فكرة المساواة في الحقوق والالتزامات وعلى مبدأ الاستقلال وحرية الاختيار، وهذا كله لا يعيبهن، فاسترداد المكانة والحقوق وممارستها في إطار القانون ليس شيئًا مشينًا، باعتبار أن الحرية هدف مشروع لكل كائن بشري.

في الموازين القانونية، لا حقوق بلا التزامات، وعلى من يبحث عن حقوقه ويسعى لممارستها والاحتماء بها أن يعرف بالمقابل أن ثمة التزامات يتعين عليه أداؤها، ليأتي القانون، وهو الحامي لتلك الحقوق، لينظم ممارستها وليراقب مدى التزام الأفراد بأداء ما يتعين عليهم من التزامات.

يعاني اللاجئون في الدول الأوروبية، أو حتى في تركيا التي تتبنى قانونًا للزواج قريبًا جدًا من القوانين الأوروبية، من إشكالية الأعباء التي يلقيها أهالي الفتيات على عاتق الشبان من الراغبين بالزواج، فيغالون في طلب المهور، فضلًا عن الأعباء والالتزامات الأخرى المتعلقة بمتممات الزواج، وهي أعباء بالمناسبة قد تلقي بظلالها على الفتيات أنفسهن إذا ما عزف هؤلاء الشبان عن الزواج لهذا السبب، على الرغم من أن الزواج سيتم وفق القوانين المعمول بها في تلك الدول، والتي تجعل من الزوجة شريكًا مساويًا للزوج في الأموال المكتسبة بعد هذا الزواج، وتكون الأفضلية لها أيضًا في الاحتفاظ بمنزل الزوجية ورعاية الأولاد وإلزام الأب بالنفقة عليهم، فهل من المنطقي والمنصف أن يترتب على الشاب أن يؤدي التزاماته المالية مرتين، مرة وفق عادات وتقاليد مجتمع المنشأ، ومرة أخرى وفق ما تقتضيه قوانين دول الإقامة التي يتم إبرام وتوثيق الزواج فيها؟

لا يمكنك سيدتي أن تكوني سورية وأوروبية في مقام وواقعة قانونية واحدة، ويتعين عليك الاختيار بين اتباع العادات والتقاليد وتتزوجين وفق قانون الشريعة المعتمد في بلدك الأصلي فتحصلين على مهرك كاملًا عند الزواج، لكن عليك القبول بألا تكوني شريكة في أموال زوجك المكتسبة بعد الزواج، أو تختاري أن تكوني أوروبية وتتزوجي بلا مهر ولا تكلف مبالغ فيه وتكوني شريكًا فيما يجنيه زوجك من أموال بعد ذلك، أما أن تجعلي نفسك “سوروبية” وتحصلين على المزايا والمكاسب من الواقعتين فهذا ما لا يقبله عقل ولا منطق قويم.

لذلك من المهم أن يدرك الأزواج (شبانًا وشابات) هذه الحقيقة، ويتصرفوا في ضوئها، لا سيما أنهم مضطرون لتوثيق زواجهم في بلدهم الأم حتى يكتسب أولادهم جنسية بلد آبائهم، وكذلك يتعين عليهم أيضًا توثيق زواجهم لدى المؤسسات الحكومية في بلد اللجوء حتى تستقيم أوضاعهم القانونية فيه، وتكون لديهم مرجعية قانونية وقضائية يلجؤون إليها إذا ما حصل نزاع مرتبط أو متأتٍ عن الرابطة الزوجية في تلك الدول، فضلًا عن أهمية ذلك لتوثيق نسب الأطفال واكتسابهم لجنسية بلد الإقامة.

ويبقى المخرج الوحيد لهذه الازدواجية هو تبني نهج وخيار واحد للأمر، فإن تم الزواج وفق العادات والشريعة وأدى الشاب التزاماته المتفق عليها المتعلقة بالمهر فعليه وزوجته أن يبرما اتفاقًا ماليًا قبل الزواج القانوني في بلد الإقامة، يقتضي باحتفاظ كل منهما بأمواله المكتسبة بعد الزواج دون أن تنازعه فيها زوجته أو ينازعها هو في أموالها، أو أن يتبنيا معًا نهج الشراكة المالية والزوجية والإنفاقية وفق مقتضيات قوانين الزواج في بلد الإقامة، ويتحلل في تلك الحالة من عبء المهر والالتزام المنفرد بالإنفاق.

إن الشراكة الحقيقية تقوم وتستقيم عندما يعرف كل شريك حدود حقوقه والتزاماته دون جموح أو جنوح، فكثير من الشبان اليوم صاروا بحاجة للحماية من جائحة “السوروبيات”!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي