بعد مكابرة روسية.. انهيار مسار التقارب بين تركيا والنظام السوري
عنب بلدي – حسام المحمود
رغم تراجع ملموس في زخم مسار التقارب التركي مع النظام السوري على مدار الأشهر الماضية، فإن أحدًا من أطراف “الرباعية” الفاعلة في المسار (تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري) لم يعلن تعثرًا رسميًا للمسار، حتى جاء ذلك على لسان المبعوث الخاص للرئيس الروسي، ألكسندر لافرنتييف، في 29 من كانون الثاني الماضي.
وحينها، أعلن لافرنتييف أن مسألة تطبيع العلاقات السياسية بين النظام السوري وتركيا انهارت نهاية عام 2023، موضحًا أن المسار توقف إلى حد ما نهاية الخريف الماضي، لأن الجانب السوري شعر أن من الضروري الحصول على ضمانات من الجانب التركي بأن القوات العسكرية الموجودة في سوريا ستنسحب “على المدى الطويل”.
ووفق ما نقلته وكالة “تاس” عن المسؤول الروسي، فإنه “لا أحد يقول إن هذه القوات العسكرية سيجري سحبها في الوقت القريب”، ومع ذلك فهذا غير مقبول لأنقرة، لأسباب معينة.
لافرنتييف بيّن أن أنقرة لا تريد جعل هذا المسار رسميًا، ما يشكل عقبة كبيرة أمام دمشق، لأن الشعب لن يفهم تصرفات حكومته (أي الشعب السوري) التي ستتفاوض مع دولة “تحتل” جزءًا من الأراضي السورية بضعف مساحة لبنان تقريبًا.
كما شدد على أن مسألة تطبيع العلاقات التركية مع دمشق لا تزال في طليعة النهج الروسي تجاه سوريا، مع الاعتقاد أن هذه القضية مهمة، وتحتاج إلى إحراز تقدم.
بالنظر إلى طبيعة التحركات في هذا المسار، وحالة الاندفاع والتراجع التي تخللته، والرسائل السياسية المتبادلة بين طرفيه الرئيسين، لا تبدو النتيجة التي بلغها مفاجئة، باستثناء خروج موسكو، راعية المسار ومستضيفة مباحثاته، من حالة المكابرة، والإصرار على المواصلة والمتابعة، وعقد لقاءات بلا نتائج ملموسة تتخللها شروط متبادلة وثابتة لم تتزحزح، إلى حالة الاعتراف بتوقف المسار.
كما أن فترة توقف المسار في الخريف الماضي، تبعتها، في 28 من تموز 2023، تصريحات روسية مفادها أن اجتماعًا لوزراء خارجية “الرباعية” قيد المناقشة، لكن جدول أعمالهم يجب أن يتزامن، وأن عملية التقارب مستمرة ومسألة اللقاء قيد النقاش، بالإضافة إلى إعلان نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، في أيلول 2023، أن موسكو تعمل على تحسين خارطة طريق بشأن العلاقات بين أنقرة ودمشق.
وبيّن بوغدانوف حينها، أن موسكو تدعو إلى عقد اجتماع رباعي حول تطبيع علاقات الطرفين في أقرب وقت، دون تحديده، مع الإشارة إلى أنه “ليس لدينا وقت لنضيعه، وعلينا أن نتحرك في أسرع وقت ممكن، والمضي قدمًا في ذلك”، وفق قوله.
رسائل سياسية
منذ انطلاق المسار رسميًا بلقاء لوزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام، في 28 من كانون الأول 2022، وما تبعه من تطفل إيراني على مسار المباحثات حولها إلى رباعية، انعقدت كل لقاءات المسار في العاصمة الروسية، موسكو، باستثناء اللقاء الأخير، الذي جرى في أستانة، بالتزامن مع الجولة الـ20 من الاجتماع الدولي بصيغة “أستانة” بشأن سوريا، في 20 و21 من حزيران 2023.
ولم تشهد الجولة الـ21 من مسار “أستانة”، في 24 و25 من كانون الثاني الماضي، لقاء مماثلًا اتبع سنّة ما قبله، لتقتصر المسألة على لقاءات ثنائية سبقت المباحثات الموسعة، دون أن تجمع الوفد التركي بوفد النظام السوري، إذ اجتمع نائب وزير الخارجية التركي، أحمد يلدز، بوفد المعارضة السورية فقط.
وفي 10 من تشرين الثاني 2023، شارك بشار الأسد في القمة العربية الإسلامية حول غزة، في الرياض، وهي القمة الوحيدة التي جمعته بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تحت قبة قاعة واحدة، منذ بداية الثورة في سوريا، عام 2011، لكن كاميرات الصحافة لم تسجل أي مصافحة علنية بين الجانبين، رغم وقوف أردوغان على مقربة من الأسد لتبادل حديث قصير مع الرئيس المصري، قبل أن يعود إلى مكانه بين الرئيسين الفلسطيني والإيراني.
وفي الوقت الذي ألقى به الأسد كلمته، غادر أردوغان القاعة، ليتابع التمثيل الدبلوماسي التركي وزير الخارجية، هاكان فيدان، الذي نزع سماعات الترجمة، وانشغل بهاتفه المحمول، تعبيرًا عن عدم الاكتراث.
وعند سؤاله عن أهداف العملية العسكرية في العراق وسوريا، خلال مقابلة مع موقع “الجزيرة نت“، في كانون الثاني الماضي، قال وزير الدفاع التركي، يشار غولار، إن موقف أنقرة واضح بشأن مكافحة “التنظيمات الإرهابية”.
وأضاف، “عندما تنتهي التهديدات والمخاطر التي تتعرض لها بلادنا من شمالي سوريا والعراق، وعند إرساء بيئة سلام وأمان، سنفعل ما هو ضروري مثل أي طرف آخر، عندما تتوفر الظروف اللازمة”.
وتخوض تركيا صراعًا مستمرًا منذ سنوات ضد جماعات وتشكيلات في العراق وسوريا تصنفها أنقرة على قوائم “الإرهاب”، ومنها حزب “العمال الكردستاني” في العراق، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) و”وحدات حماية الشعب” في شمال شرقي سوريا، وترى في التشكيل الأول أساسًا وأصلًا للتشكيلين الآخرين.
شروط متبادلة
منذ بداية المسار، طرح النظام السوري شروطًا وصفها الأسد بـ”الثوابت” في آذار 2023، وتتجلى بالانسحاب التركي من الأراضي السورية، للوصول إلى نتيجة تفرزها المفاوضات بين الطرفين.
شروط النظام قوبلت بشروط من أنقرة، وجاءت أول مرة في صحيفة “يني شفق” في 26 من حزيران 2023، أي بعد آخر لقاءات المسار بأيام.
وقالت الصحيفة حينها، إن هناك أربعة شروط تركية لتطبيع العلاقات مع دمشق، تتمثل بالتوصل إلى تعديل دستوري، وانتخابات نزيهة في سوريا، وعودة مشرّفة وآمنة للاجئين السوريين، والتعاون في مسألة مكافحة “الإرهاب”، وتحديدًا فيما يتعلق بـ”العمال الكردستاني” (ترى أنقرة أن “قوات سوريا الديمقراطية” تشكل امتداده الأيديولوجي والعسكري في شمال شرقي سوريا).
وفي أيلول من العام نفسه، أكد وزير الدفاع التركي ضرورة إنشاء دستور جديد، وإجراء انتخابات ديمقراطية، وتشكيل حكومة تحتضن جميع السوريين، مضيفًا، “إذا تحققت هذه الشروط سنغادر سوريا بكل سرور”.
كما وعد، في كانون الأول 2023، بإنهاء الوجود العسكري لجيش بلاده في سوريا بمجرد “استعادة الأمن في الدولة المجاورة”، مشيرًا إلى أن القوات ستعود إلى ديارها إذا اتفق النظام والمعارضة على دستور جديد وإجراء انتخابات لضمان الاستقرار.
هذه الشروط التركية التي ظهرت كلها بعد الانتخابات الرئاسية التركية، التي خيّبت آمال الأسد بتغيير سياسي في تركيا يحرّك عجلة التقارب، لم تقابل برد أو تعليق رسمي من النظام الذي بقي متوقفًا عند المربع الأول في المباحثات الرباعية (مسألة الانسحاب).
حالة جمود.. حاجة مشتركة
الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أوضح لعنب بلدي أن مسار التقارب بين أنقرة ودمشق وصل إلى حالة جمود لا يمكن اعتبارها انهيارًا تامًا، كونه يشكل حاجة لجميع الأطراف، لا سيما بعد وصوله إلى نقطة حساسة وهي التوافق على خارطة طريق، فهذا يعني ضرورة التوافق على النقاط السياسية الأساسية بين الطرفين، ما يعني أن الجمود في هذه الحالة طبيعي، دون ما يثبت توقف الجهود الروسية بهذا الصدد خلف الكواليس.
وبيّن علوش أنه حين أحدثت تركيا انعطافًا في موقفها من النظام فهدفها كان التعاون الأمني مع النظام وحلفائه في مكافحة “وحدات حماية الشعب” (الكردية) وتمهيد الأرضية لعودة اللاجئين، ودفع مسار التسوية السياسية، وقبل تحقيق هذه الأهداف من المستبعد الوصول إلى انسحاب تركي من سوريا، ومناقشة هذا البند حاليًا لا يخدم الحوار بين الطرفين.
“الكل يدرك أن تركيا لن تنسحب قبل تحقيق الأهداف من وجودها في سوريا، لا سيما أن هذا الوجود ورقة ضغط أساسية على دمشق وحلفائها لمراعاة مصالحها في سوريا”.
محمود علوش
باحث في العلاقات الدولية
وبحسب الباحث، فإن هناك قناعة متزايدة لدى دمشق وموسكو وطهران بأن انسحابًا قريبًا لتركيا من سوريا أمر مستبعد، والجميع يدرك أن المسألة غير مطروحة على المدى المنظور، مع الإشارة إلى دور طهران وموسكو في دفع مسار التقارب وتوفير ظروف مناسبة للتفاوض.
كما أن مسار الحوار حاجة لجميع الأطراف، وهو مرتبط نسبيًا بمسار “أستانة”، إلى جانب الأهداف المشتركة لأطراف “الرباعية”، رغم التعقيدات التي تواجه التقارب، ولا يجب رفع سقف الرهانات، فغاية أنقرة ليست إصلاح العلاقات مع النظام مقدار ما هي حاجة لتوفير بيئة مناسبة لمعالجة الصراع السوري، ولهذا ترفع تركيا سقف شروطها بوجه النظام، فهي بوضع أفضل مقارنة بفترة الانتخابات الرئاسية وما قبلها، والمحفزات لتقديم تنازلات للنظام السوري بمسار التقارب لم تعد كما كانت من قبل لدى أنقرة.
وبعد زيارة الرئيس الإيراني إلى تركيا، في 24 من كانون الثاني الماضي، التي لم تفرز تصريحات معلنة تحمل أي جديد للملف السوري، من المقرر أن يجري الرئيس الروسي زيارة إلى تركيا في الفترة المقبلة أيضًا للقاء نظيره التركي، قبل لقاء سيجمع القادة الثلاثة في موسكو هذا العام، ضمن قمة ثلاثية بصيغة “أستانة”.
صحيفة “تركيا” (أُسست عام 1970)، وفي تقرير لها نشرته في 22 من كانون الثاني الماضي، ذكرت أن تركيا تريد تغيير وضع حلب، وتغيير شروط إعادة إعمار المدينة، وعودة المدنيين، لتخفيف ضغط اللاجئين، وإعادة حلب إلى هويتها الأصلية بعد تحويلها إلى مدينة شيعية، مع استقدام أكثر من 50 ألف شيعي إلى المدينة منذ عام 2016، وهذا سيكون بندًا رئيسًا على جدول محادثات الرئيسين التركي والروسي، إذ ستطلب أنقرة إنهاء الغزو السكاني والثقافي والديني، وضمان عودة أهالي حلب إلى ديارهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :