الوثائق الإيرانية المسربة

  • 2024/02/04
  • 12:28 م
لمى قنوت

لمى قنوت

لمى قنوت

دخل إطباق الإحكام الإيراني على سوريا مرحلة الذروة بعد توقيع مذكرة التفاهم لخطة التعاون الشامل الاستراتيجي طويل الأمد بين الجمهوريتين في 3 من أيار 2023، خلال زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لدمشق، التي كانت مقررة يومي 27 و28 من كانون الأول 2022، لكنها أُرجئت آنذاك بسبب رفض بشار الأسد التوقيع على مسودات اتفاق تقضي بمعاملة الإيرانيين في سوريا معاملة السوريين، وذلك حسب وثائق مسربة من مؤسسة الرئاسة الإيرانية، وترجمتها مجلة “المجلة” في ثلاثة أجزاء.

تضمنت المذكرة 27 بندًا شملت جميع المجالات تقريبًا، كقضايا الأمن وإعادة الإعمار والطاقة والتجارة والزراعة والنقل والتعاون في المجال المصرفي والجامعي والعلمي والصحي والبرلماني والقانوني والزراعي، وفي قطاعات الإعلام والتراث والسياحة والرياضة وقطاعات الاستخبارات والأمن والدفاع، وفي مكافحة الإرهاب، والتعاون أيضًا في قطاعات القضاء والقانون والمرأة والأسرة. كما تضمنت الوثاق المسربة تقريرًا حول المحاور المقترحة للمفاوضات، وموقف إيران منها.

فيما يلي بعض الملاحظات على ما ورد في الوثائق المسربة:

تُلغي إيران صفة اللجوء عن اللاجئين السوريين، نساء ورجالًا، وتطلق عليهم مهاجرين، في فقرة معنونة بـ”أوضاع النازحين السوريين”، ويرد في مقدمة الفقرة عن انقسام “النازحين السوريين” إلى قسمين: 1- الذين هاجروا إلى خارج سوريا، 2- النازحون في الداخل، وتصر على وضعهم القانوني كمهاجرين حتى حين تورد إحصائية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين البالغة 6.76 مليون مواطن سوري هاجروا من سوريا إلى دول أخرى. ثم، وفي متن الفقرة، تطلق عليهم صفة “نازحين” حين أوردت أعداد اللاجئين في 13 دولة، وتذكر على أن “الحكومة السورية” تتحمل أعباء النازحين داخل سوريا، لكن “الإعلام الغربي– العربي” يركز على “النازحين” خارج سوريا، وينسجم مدلول ذلك مع عدم رغبة النظام السوري بعودة اللاجئين الطوعية والكريمة، وخاصة الموجودين منهم في الأردن ولبنان، فعلى سبيل المثال في لبنان، يقوم النظام بابتزاز المعادين قسرًا، وتحتجز بعضهم “الفرقة الرابعة”، أو يكون بانتظارهم القمع والمعتقلات أو التجنيد القسري، أما في نص البيان الصحفي المشترك لإبراهيم رئيسي وبشار الأسد الوارد في الوثائق المسربة، فقد تم استخدام كلمتي اللاجئين والنازحين.

ترغب إيران في البند “19” المخصص للتعاون في “قطاعات الاستخبارات والأمن والدفاع” من خطة التعاون الاستراتيجي طويل الأمد، في إدراج تعزيز التعاون الدفاعي، وبشكل خاص في قطاع التعليم والأبحاث وتبادل التجارب العسكرية…”، وهو ديدن الأنظمة والجماعات الدينية في التحكم وإخضاع المجتمع لترسيخ سلطتها من جهة، وعسكرة إضافية له عبر التعليم من جهة أخرى.

في القطاع الاقتصادي، تدرك إيران أن الحصول على ديونها “أمر صعب للغاية وغير ممكن بالظروف الاقتصادية الصعبة في سوريا” حتى مع توقيع البلدين على اتفاقية تحديد مستوى الديون المستحقة على سوريا لإيران في أكتوبر (تشرين الأول) 2022. وبالرغم من عدم تسديد خط الائتمان الأول، والبالغ قيمته مليار دولار، تم دفع 270 مليون دولار من خط الائتمان الثاني البالغة قيمته مليار دولار أيضًا، وتشير الوثيقة إلى أن نقص السيولة في المصرف المركزي هو السبب الرئيس المعلن آنذاك لعدم دفع ما تبقى منه.

وقد صدر خطا الائتمان عن المجلس الأعلى للأمن القومي، وهو وفق المادة “176” من الدستور الإيراني “مكلف بتأمين المصالح الوطنية، وحماية الثورة، ووحدة أراضي البلاد والسيادة الوطنية” ومن مهامه، 1- تعيين السياسات الدفاعية والأمنية في إطار السياسات العامة التي يحددها القائد،2 – تنسيق النشاطات السياسية، والأمنية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية ذات العلاقة بالخطط الدفاعية والأمنية العامة”، وهو أمر له دلالاته حول أهمية سوريا والهيمنة عليها بالنسبة للمركزية الإيرانية في المنطقة وأهدافها.

وأشارت مسودة التفاهم لخطة التعاون الشامل إلى اتفاقية التعاون الاقتصادي المشترك الموقعة في عام 2015 بهدف “تسوية جزء من ديون سوريا”، والصفقات التي حصلت عليها آنذاك، كحصول إيران على منجم الفوسفات في حمص، واتفاقية كشف واستخراج النفط من حقلي 21 و12، ومشروع المشغل الثالث لاتصالات المحمول، والحصول على 30% من إيرادات ميناء اللاذقية، والحصول على أراضٍ في حلب ودير الزور، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل حول الثمن الذي سيدفعه السوريون والسوريات لقاء هيمنتها على سوريا وحمايتها للنظام السوري، وتخطيطها لمرحلة إعادة الإعمار.

تطالب إيران بضرورة إكمال وثائق الهوية للإيرانيين الموجودين في سوريا الذين يتراوح عددهم بين 8 آلاف و10 آلاف مواطن، ويعود تاريخ إقامتهم فيها إلى 200 سنة، على حد زعمهم، أي قبل قيام الدولة السورية، وأن الأجيال الثانية والثالثة منهم ولدوا في سوريا، وقلة منهم يتمتعون بظروف معيشية جيدة، والباقي لا يتمتعون بذلك. وقد تناولت الوثيقة تفاصيل التحديات التي تواجههم، منها البطالة، وركزت على تبعات معاملتهم كسائر الرعايا الأجانب المقيمين في سوريا، ومنها عدم قبولهم في المستشفيات الحكومية، وعدم إعطائهم “البطاقة الذكية” الخاصة بالوقود والخبز وغيرهما من المواد، ومشكلات تتعلق بالملكية والإرث وعدم قدرة الورثة على تسجيل العقارات بأسمائهم باعتبارهم أجانب، وعدم صدور شريحة هاتفية باسم الإيرانيين، وإن صدرت فعليهم مراجعة الدائرة المعنية للتمديد، وعدم قدرتهم المالية على دفع تكاليف الخدمات القنصلية للحصول على جواز سفر، وعدم قدرتهم على إعادة إعمار منازلهم التي شردوا منها، وعدم قبولهم في الجامعات الحكومية، خارج عدد المنح الممنوحة للإيرانيين، وأخيرًا شكوى على حصة الوقود والغاز المسال التي تكفيهم. وقد أشارت مسودة التفاهم للتعاون الاستراتيجي إلى عزم إيران على “حلحلة المشكلات” التي يعانيها الإيرانيون في سوريا.

أما التقرير الوارد في محور الأمور الدينية والمذهبية في سوريا، فقد أشار إلى أن الهدف من إنشاء المجلس الفقهي العلمي المتزامن مع إنشاء جامعة بلاد الشام للعلوم الشرعية هو سيطرة “الحكومة السورية” على الأمور والتعاليم الدينية. وركز التقرير على وزير الأوقاف، محمد عبد الستار السيد، وبأنه ووزارة الأوقاف يتمتعان بدور ونفوذ كبير في الشؤون المذهبية والدينية، ويستدل التقرير أيضًا على أهمية دور الوزير، من دور الوزارة في إعداد نصوص الكلمات الدينية التي يلقيها بشار الأسد. ثم يكرر التقرير مزاعم الوزير عن أجداده الذين يرجع نسبهم إلى السادات الحسيني، لكنهم أخفوا نسبهم ولم يرتدوا العمامة السوداء خوفًا من العثمانيين أيام حكمهم للشام. ولم يغفل التقرير في فقرة المحاور المقترحة خلال لقاء الرئيس الإيراني مع علماء الدين السوريين توصياته لهم، من ضمنها حرصهم “على تقديم الصورة الحقيقية لمحور المقاومة ومواجهة أكاذيب الأعداء الإعلامية، وتقديم وتنفيذ برامج لهذا الغرض”، فأعداؤهم مشتركون ويحاولون زعزعة الاستقرار في البلدين، وشن حرب شاملة “من خلال استخدام القوة الناعمة، في وسائل الإعلام والفضاء المجازي، بالتركيز على المرأة والعائلات”.

وعن مبادرة “خطوة مقابل خطوة”، تعتبر إيران أن استمرار مسار “أستانة” هو الآلية الوحيدة الناجحة “لحلحلة” القضايا السورية بشكل سلمي، وخاصة أنها طلبت من المبعوث الأممي أن يقدم لها تفاصيل أكثر عن مبادرته “خطوة مقابل خطوة”، التي لم ترفضها أو تؤيدها، لكنه لم ينجح بتلبية هذا المطلب.

تذكرنا هذه الوثائق المسربة بما ورد في مذكرات القائد السابق لـ”فيلق القدس”، حسين همداني، “رسائل الأسماك“، الذي أُرسل إلى سوريا في 3 من كانون الثاني 2012 وقُتل فيها، فبعد أن طلب منه قاسم سليماني الحصول على موافقة حسن نصر الله على الخطة الإيرانية المراد تنفيذها في سوريا، والتي كانت تتضمن في جوانبها قضايا ثقافية واقتصادية وعسكرية، استبعد الأخير كل شيء منها وأبقى على القضايا الأمنية والعسكرية قائلًا: “القضية العسكرية والأمنية الأولوية الوحيدة، يجب إخراج بشار الأسد والنظام السوري من هذا المستنقع. بعد ذلك نقوم بتنظيفهم وإلباسهم، وإطعامهم، ونعطيهم دروسًا في العبادة. الآن، الاستراتيجية يجب أن تكون سحبهم من هذا المستنقع”.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي