قاضيان سوريان في محكمة العدل الدولية

  • 2024/02/04
  • 1:28 م
الكاتب السوري إبراهيم العلوش

الكاتب السوري إبراهيم العلوش

إبراهيم العلوش

مع رفع جنوب إفريقيا دعوى ضد إسرائيل وصدور التوصيات الاحترازية من قبل محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة، صدر كتاب البروفسور السوري محمد أمين الميداني بعنوان “قاضيان سوريان في محكمة العدل الدولية”.

اتجهت الأنظار خلال الأسابيع الماضية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، عندما تقدمت دولة جنوب إفريقيا بدعوى قضائية ضد إسرائيل، تتهمها بارتكاب أعمال الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، وبثت وسائل الإعلام العالمية مرافعات جنوب إفريقيا الاحترافية والمشهود لها، حتى من قبل وسائط “الميديا” المعادية للشعب الفلسطيني والمؤيدة للمحرقة العلنية في قطاع غزة، وقد خطفت المحكمة الأضواء وجعلت اسم إسرائيل في زاوية الاتهام من قبل إحدى أكبر المحاكم الدولية التابعة للأمم المتحدة.

وحسب كتاب الدكتور الميداني، فإن محكمة العدل الدولية أُسست عام 1922 مع إنشاء عصبة الأمم، وتم العمل على استمرارها في لاهاي العاصمة الهولندية بعد فشل عصبة الأمم وتأسيس الأمم المتحدة بشكلها الحالي، وقد عُدّل اسمها من محكمة العدل الدولية الدائمة إلى اسمها الحالي.

يوجد في المحكمة الآن ثلاثة قضاة عرب، وقد شغل 11 قاضيًا عربيًا مناصب متعددة في المحكمة منذ تأسيسها، بمن فيهم القاضيان السوريان الدكتور صلاح الدين ترزي (1976-1980) والدكتور عبد الله الخاني (1981-1985)، وهما من جيل الأكاديميين الذي أسسته الدولة الوطنية السورية قبل أن تجتاحها جحافل المظليين وخريجي بعض جامعات روسيا ورومانيا وأرمينيا وغيرها من دول المعسكر الشرقي، التي كانت توزع الشهادات باستخفاف، وتعمدت تخريب مستوى التعليم بتوزيع كثير من الشهادات التي لا تعبر عن حجم التأهيل.

يتطرق الكتاب إلى حياة ونشاط الدكتور صلاح الدين ترزي (1917-1980)، الذي درس الحقوق في جامعة “دمشق”، والدراسات العليا كانت في جامعة “ليون” الفرنسية، وعمل في السلك الدبلوماسي عبر العالم، وشارك في النشاطات الدولية والأممية، منها عضويته في لجنة دراسة إنشاء محكمة جنائية دولية 1951، وكان مقررًا في اللجنة الخاصة بموضوع تعريف العدوان 1953، وعضوًا في اللجنة الخاصة لدراسة قانون العاملين في الأمم المتحدة، وله نشاطات على مستوى الجامعة العربية، وتم انتخابه في العام 1976 قاضيًا في محكمة العدل الدولية، واتسم بالشخصية القوية والإبداع القانوني في القضايا التي درسها عند وجوده في المحكمة، وقابله الكاتب في جامعة “دمشق” عندما قدمه الدكتور جاك الحكيم لطلاب الحقوق كأحد أعلام القانون الدوليين.

وقد أبدى القاضي ترزي حنكته القضائية في قضيتين، هما النزاع حول الجرف القاري بين اليونان وتركيا 1976، وقام بإضافة قانونية في البرهان على رأيه في النزاع بإدخال الاستشهاد بالشريعة الإسلامية وبقاعدة “العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ أو المباني”، بالإضافة إلى استشهاده بالقانون الفرنسي في اجتهاداته.

أما القضية الثانية التي شارك فيها فهي قضية الرهائن بالسفارة الأمريكية في طهران 1980، ولكن الولايات المتحدة تجاوزت المحكمة عبر الاحتجاج بالتدابير المؤقتة لتحرير رهائنها بالقوة، وقد فشلت عمليتها آنذاك وتسببت بهزيمة الرئيس جيمي كارتر في الحملة الانتخابية، ومجيء الرئيس رونالد ريغان الذي يشبه في تصرفاته الرئيس دونالد ترامب. وقد توفي القاضي ترزي بحادث مؤسف في لاهاي 1980 ونعته المحكمة كأحد أعلام القانون الدولي.

القاضي الثاني هو الدكتور عبد الله الخاني (1925-2020)، وهو أيضًا خريج جامعة “دمشق” والجامعة الأمريكية في بيروت، وعمل في السلك الدبلوماسي، وفي وزارة السياحة، وفي المنظمات الدولية، وتم انتخابه بعد وفاة القاضي صلاح الدين ترزي لاستكمال فترته الانتخابية التي تمتد تسع سنوات، قضى منها الراحل أقل من خمس سنوات. وقد اعتمدته المحكمة للمشاركة في رأي استشاري حول قانون العاملين في الأمم المتحدة ودراسة قضية تقدم بها أحد موظفي الأمم المتحدة، وقضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا 1984، والقضية المتعلقة بالجرف القاري بين ليبيا ومالطا 1984. وعلى عكس الدكتور ترزي الذي لم يترك الكثير من المؤلفات القانونية، فإن للقاضي عبد الله الخاني العديد من المؤلفات التي يذكرها المؤلف بالتفصيل.

يستعرض الكاتب الكثير من التفاصيل المشوقة عن تاريخ القضاء الدولي، وعن حياة القاضيين وعن نشاطاتهما القانونية، ويترجم إلى اللغة العربية مقتطفات واسعة من قانون محكمة العدل الدولية، وقد نوّه الكاتب في مقال له بصحيفة “الجريدة” الكويتية إلى أن محكمة العدل الدولية تصدر أحكامها باللغتين الإنجليزية والفرنسية، ولا تترجم تلك الأحكام إلى العربية إلا مرتين في السنة لضعف دعم اللغة العربية من قبل الدول الممولة للمحكمة، وهذا يقلل من اعتماد اللغة العربية في المحافل الدولية رغم أن أكثر من أربعمئة مليون يتكلمون العربية، بالإضافة إلى ملايين المسلمين الذين يتعلمون الكثير أو القليل من اللغة العربية بسبب الطقوس الدينية وارتباطها باللغة العربية.

القانونيون السوريون أسهموا في المحافل الدولية وكانت لهم أدوار مهمة، ولعل من أقدمها مشاركة المحامي فارس الخوري في تأسيس الأمم المتحدة، ودوره المهم في تلك المفاوضات والتفاهمات بما فيها إجراءات محكمة العدل الدولية.

ولكننا نجد اليوم سوريا التي أنجبت هؤلاء تفتقر إلى سلطة القانون، ويحكمها نظام متوحش يعتمد التعذيب، والقتل الجماعي، ويأخذ الدولة السورية رهينة من أجل استمرار عائلة الأسد، التي ترعى هذا الدمار وهذه الفوضى، والتي أفقدت سوريا استقلالها وحوّلتها إلى سجن كبير، وإلى متجر لـ”الكبتاجون” والمواد المخدرة.

صدر كتاب “قاضيان سوريان في محكمة العدل الدولية” عن دار “المؤسسة الحديثة للكتاب” لبنان. المؤلف الدكتور محمد أمين الميداني، دكتوراة دولة في الحقوق، متخصص في حقوق الإنسان ومدرس في الجامعات الفرنسية، وعمل أستاذًا زائرًا في ولاية جورجيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وله العديد من المؤلفات باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي