تعا تفرج
ثقافة الصد والرد والردح
خطيب بدلة
لم يحدد لنا الإخوة العربان، والمسلمون، حتى الآن، السن القانونية للشخص الذي يريد طرح بعض الأفكار المتعلقة بالسياسة والشأن العام. لا شك أن تركهم هذا الأمر مبهمًا يساعدهم على التصدي لأي رجل مسن يطرح أفكارًا لا تروق لهم، فما إن ينهي كلامه، حتى ينفلتون عليه: اتق الله يا رجل، اعمل لآخرتك، ولا تنسَ أنك ستنزل في القبر، ويأتيك الثعبان “الشجاع الأقرع”.
بغض النظر عن أن موضوع عذاب القبر مختلف عليه بين أصحاب الفتاوى، أقول إن التسمية خاطئة أصلًا، فنحن نقول “غراب أبيض”، لكي نميزه عن الغربان السوداء، وأما وصف الثعبان بأنه شجاع، وأقرع، فيوحي بأن غالبية الثعابين جبانة، وشعرها طويل وكثيف! ثم إن لغة العقل تقتضي أن ننظر إلى الفكرة المطروحة ذاتها، نفكر فيها، ونناقشها، ونستفيد منها، أو نرفضها، دون الاكتراث لتاريخ ميلاد قائلها.
إن تقدم صاحب الفكرة بالسن، يصبح مهمًا عندما يأتي ليخطب عمتك الأرملة، أو خالتك، ووقتها يجب عليك أن تحذرها من هذه الزيجة، وتوضح لها بأنها ستبتلى به، فمن المرجح أن يكون مريضًا، يسعل ويضرط، وأنها ستمضي بقية عمرها وهي تخدمه، وتساعده على شرب الأدوية، وضرب الإبر.
تحدثتُ، قبل مدة، عن المفكر السعودي عبد الله القصيمي، الذي كان وهابيًا متشددًا، ثم أصبح لادينيًا، متمردًا، وقلت إنه ألف، في سنة 1977، كتابًا مهمًا، عنوانه “العرب ظاهرة صوتية”، يصف فيه حال أمتنا بدقة، جاء فيه أن الأمم الأخرى كلها عرّضت تاريخها للنقد، ونزعت القداسة عن تراثها، وتبنت فكرة الدين لله والوطن للجميع، وأنجزت الفصل التام بين الدين السياسة، إلا بني يعرب، وقال إن الشعوب الأخرى تلد أجيالًا جديدة، وأما نحن فنلد آباءنا وأجدادنا، ونحارب المفكرين الأذكياء، ونمتدح الدراويش والبُله.. وكان من الطبيعي أن يتعرض، خلال حياته، وتشرده في البلاد العربية، لثلاث محاولات اغتيال.. ولكن، كم هو ظريف، ومسلٍّ، أن يتجاهل الإخوة العربان (الصوتيون) كل هذه الأفكار الخطيرة، ويركز بعضهم على العذاب الذي سيلقاه القصيمي في الدار الآخرة، بسبب تركه التدين، وأن يركز بعضهم الآخر على أنه ليس سعوديًا، ولا قصيميًا، بل مصري من الصعيد!
هذا يأخذنا إلى سجال آخر، دار حول المفكرة المصرية الشجاعة الدكتورة نوال السعداوي، التي أمضت عمرها وهي تدافع عن الإنسان العربي، والمرأة العربية، والطفل العربي. لخصت السعداوي حال أهلنا، بأن وعيهم تعرض للتزييف، على مدى قرون، ولذلك، عندما يرون أمامهم إنسانًا حقيقيًا، غير مزيف، يهمون بقتله، أو يقتلونه فعلًا.
لم يناقش أحد هذه الفكرة الخطيرة، بل جاءت ردود فعلهم لتثبت لنا أن عبارتها صحيحة تمامًا، وأحدهم لم يكتفِ بالتنمر على شكلها الخارجي، واتهامها بالغباء، وبقلة القيمة الفكرية، بل أرسل إلي، على الخاص، فيديو قصيرًا، تجيب فيه السعداوي عن سؤال حول المثلية الجنسية، قائلة: أنا امرأة طبيعية، أحب الرجل فقط، وأما المثليون، فأنا أحترم حقهم في الحياة.
وسألني الرجل: ما رأيك؟ قلت: وأنا، كذلك، رجل طبيعي، أحب النساء فقط، وأما المثليون، فأحترم حقهم في الحياة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :