سوريون يروون فواجعهم بفقد أبنائهم على السواحل الليبية

  • 2024/02/04
  • 11:39 ص
أحذية المهاجرين على الشاطئ في قصر الخيار ليبيا، بعد انقلاب قاربهم- في 15من  شباط 2023 (رويترز)

أحذية المهاجرين على الشاطئ في قصر الخيار ليبيا، بعد انقلاب قاربهم- في 15من  شباط 2023 (رويترز)

عنب بلدي – فاطمة المحمد

ينطلق عشرات الآلاف من المهاجرين سنويًا من السواحل الليبية، عبر قوارب غير مناسبة للإبحار ومزدحمة بأعداد كبيرة من الشباب الحالمين بالوصول إلى أوروبا.

ووسط بلد منقسم لأكثر من حكومة وسلطة أمر واقع، فُقد آلاف المهاجرين على أيدي تجار البشر في رحلات هجرة غير شرعية عبر البحر المتوسط، تاركين خلفهم عائلات مفجوعة تفتش عن المصير الذي لحق بأبنائها.

وعبر صفحات البحث عن المفقودين في منصة “فيس بوك”، ومجموعات المحادثة عبر منصة “واتساب”، تنشر عائلات سورية صور أبنائها مزودة بمعلوماتهم الشخصية، وتفاصيل رحلتهم، وآخر ميناء فقدوا فيه، لمعرفة مصيرهم.

رحلة بحث طويلة

محمد شاب في الـ20 من عمره من مدينة درعا جنوبي سوريا، خرج إلى ليبيا أملًا بأن يصل إلى أوروبا، لينال فرصة عيش حياة كريمة في بلد خالٍ من الحروب ومعافى اقتصاديًا.

وفي طريق الهجرة عبر البحر المتوسط، المصنف كأخطر طريق هجرة في العالم، انطلق قارب محمد المحمل بـ33 مهاجرًا من مدينة درعا، في 31 من تشرين الأول 2023، من ميناء “الخمس” شرق مدينة طرابلس الليبية، لتكون هذه المعلومة هي الأخيرة التي تلقتها عائلة محمد عنه.

قال أحمد والد محمد، لعنب بلدي، إن ابنه مفقود منذ قرابة ثلاثة أشهر، وإنه لم يترك طريقة للبحث عنه هو وعائلات المفقودين الآخرين، من مواجهة الأطراف المتهمة بالتهريب إلى نشر صور المفقودين ومعلومات عنهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات المحادثة في “واتساب”، دون أن يصل لأي معلومة تُذكر عن مصير ابنه.

 

 “لم أعلم إلى أي حكومة في ليبيا يجب أن أتوجه للسؤال عن مكان ابني محمد، فلا توجد سلطة واضحة تستطيع الاعتماد عليها في البحث للعثور على المفقودين”.

أحمد – والد أحد الشبان السوريين المفقودين في طريق الهجرة عبر المتوسط

 

وتوجه أحمد بطلبات للمنظمات الحقوقية في ليبيا وللهلال الأحمر في كل من المغرب ولبنان والأردن والنمسا، للمساعدة في العثور على ابنه، وحتى الآن ينتظر على أمل أن يصل خبر يطمئن قلبه.

وينشط سماسرة البشر في ليبيا عبر صفحات “فيس بوك “، وداخل المحادثات الجماعية في “واتساب”، مروجين لأنشطتهم من تهريب البشر وإخراج المحتجزين والعثور على المفقودين، مقابل مبالغ عالية من العملة الأجنبية.

ويسهل عمل السماسرة انتشار المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي حول المفقودين، ليستخدموها كطعم لأخذ مبالغ من عائلاتهم.

عقب مشاركة أحمد معلومات عن ابنه المفقود محمد سعيًا للعثور عليه، تدفقت عشرات الرسائل من سماسرة سوريين وليبيين ومصريين وسودانيين، ادّعوا أن ابنه في أحد مراكز الاحتجاز الليبية، ومن آخرين ادّعوا أنه في سجن يعود للميليشيات الليبية في طرابلس، وطلبوا منه آلاف الدولارات مقابل إخراجه.

ووسط تعدد الروايات، طلب أحمد من عدة سماسرة ومهربين تواصلوا معه مقطع فيديو أو مقطعًا صوتيًا مدته 30 ثانية ليدفع لهم المبلغ المطلوب، وفور طلبه الإثباتات بدأ السماسرة بالتملص والتهرب.

 ازدياد حالات الهجرة

في كانون الأول من عام 2023، أعلنت الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود والسواحل (فرونتكس) عن ارتفاع بنسبة 17% في عدد حالات عبور الحدود غير النظامية في الأشهر الـ11 الأولى من نفس العام، إذ وصل العدد إلى أكثر من 355300 شخص.

وتجاوز العدد المجموع الإجمالي لعام 2022، وكان أعلى قيمة مسجلة منذ عام 2016، بحسب “فرونتكس“.

وكان طريق وسط البحر الأبيض المتوسط الأكثر ارتيادًا في عام 2023، وشكّل السوريون أكبر مجموعة من طالبي اللجوء طوال أشهر السنة، بحسب المركز الإحصائي للاتحاد الأوروبي (يوروستات).

وبلغ عدد الموتى والمفقودين في البحر الأبيض المتوسط خلال العام الماضي 3760 شخصًا، بحسب بوابة البيانات التشغيلية التابعة للمفوضية السامية للأمم المتحدة.

في أحدث احصائية لها، في 29 من كانون الثاني الماضي، قالت منظمة الدولية للهجرة، إن ما يقارب 100 مهاجر توفوا أو فقدوا في وسط وشرق البحر المتوسط في كانون الثاني من عام 2024.

وأضافت المنظمة عبر موقعها الرسمي، أن الرقم كان أعلى من الضعف في نفس الإطار الزمني من العام الماضي.

“فقده كسر ضهري”

آثار نفسية وجسدية حادة سببها فقد محمد لعائلته داخل سوريا، وقال والد محمد، إن زوجته (والدة محمد) أصيبت بجلطة دماغية تسببت بشللها بشكل كامل وتعد الآن بين الأموات، بعد أن وصلها خبر فقد قارب ابنها.

وتابع أنه أسعف للمستشفى ثلاث مرات بسبب أزمات قلبية، قائلًا، “ربيت ابني كل شبر بندر، وكبر بين يدي، لو علمت بأن محمدًا سيمر بذلك لما سمحت له أبدًا بالهجرة”.

وعاشت عائلة السيدة أبرار، من مدينة درعا، قصة مشابهة، إذ قرر ابنها الأكبر أحمد (19 عامًا) الهجرة ليضمن له ولعائلته مستقبلًا جيدًا، فالوضع المادي للعائلة صعب ووالده يعاني إعاقة في يده، جعلته غير قادر على استخدامها.

توجه أحمد إلى ليبيا عبر طيران “أجنحة الشام” من دمشق، بعد أن اتفق مع سماسرة سوريين وليبيين ضمنوا له رحلة آمنة إلى إيطاليا.

في 29 من تشرين الثاني 2023، أخبر أحمد عائلته أن قاربه سينطلق مساء تلك الليلة وجلّ من يرافقه في الرحلة هم سوريون من مدينة درعا وعددهم 42 بينهم نساء وأطفال وامرأة حامل.

قالت أبرار والدة أحمد، لعنب بلدي، إن أحمد أراد أن يبني لنفسه مستقبلًا ويتزوج من الفتاة التي يحبها فاقترض كامل المبلغ وسافر إلى ليبيا، ومنذ أن انطلق القارب وحتى لحظة نشر هذا التقرير وعائلة أحمد عاجزة عن الحصول على أي معلومة تفيد بمصير ابنها.

قالت الأم، “سألت عديدًا من السوريين الذين سافروا إلى ليبيا بهدف الهجرة عن ابني أحمد لعلهم يحملون خبرًا يريح قلبي، أريد فقط أن أسمع صوته، فحال العائلة منذ فقده لا يوصف، جميعنا نبكيه يوميًا، والده يقول لي إن فقد أحمد كسر ظهره”.

شاركت أبرار صور أحمد ومعلومات عنه في مختلف منصات التواصل الاجتماعي لعلها تصل إلى خبر يطمئن قلبها، وتقدمت بطلب للعثور على ابنها لـ”الصليب الأحمر السوري”، الذي بدوره أعطاها رقم دور تاريخه يعود لبعد شهر كامل، حسب قولها.

ولا يزال الشابان، محمد وأحمد، مفقودين حتى تاريخ نشر هذا التقرير.

وتشارك الصحف ووكالة الأنباء الليبية أخبار انتشال جثث مجهولة الهوية تعود لمهاجرين من السواحل في شرق وغرب ليبيا.

وفي التقرير الشهري للمنظمة الليبية الحقوقية “رصد“، الصادر في 1 من شباط الحالي، قالت إنه في الشهر الأول من العام الحالي عُثر على جثتين متحللتين لمهاجرين غير شرعيين، إحداهما قرب مدينة الخمس، والأخرى كانت جثة لامرأة في العقد الثالث من عمرها مع أوراق ثبوتية تفيد بأنها سورية عثر عليها قرب مدينة البريقة جنوبي البحر الأبيض المتوسط.

“الفقدان الغامض”

قالت الاختصاصية النفسية في مركز “أوسوم” نور المحمد، لعنب بلدي، إن الوضع الذي يعانيه أهالي المفقودين يسمى “الفقدان الغامض”.

ويشير هذا المصطلح إلى حالة عدم وجود معلومات محددة أو مؤكدة حول مصير الشخص المفقود، ويكون هذا النوع من الفقدان مؤلمًا وصعبًا على الأسر والأحباء، الذين يشعرون بأن المفقود غائب جسديًا وحاضر في ‏الذهن والذاكرة.

وأضافت أنهم لا يستطيعون أن يسلموا بفقدانهم ليأخذ الحزن والألم مجراهما الطبيعي، كما لا يستطيعون نفيه.

ويعاني الأفراد بسبب “الفقدان الغامض” لوعة معلقة، وحدادًا معقدًا مستمرًا، وصراعًا دائمًا بين الأمل والألم.

استمرار هذا النوع من الفقدان لفترات طويلة دون أي مؤشرات واضحة عن مصير المفقود يزيد من صعوبة التعامل مع الوضع.

ويترك “الفقدان الغامض” تأثيرات نفسية وعاطفية قوية على أفراد الأسرة والمجتمعات المتأثرة، وقد يستلزم التعامل معه بدعم نفسي متخصص، ودعم اجتماعي لمواجهة التحديات الناجمة عن هذا الوضع الصعب، بحسب الاختصاصية.

يتسبب “الفقدان الغامض” بظهور عدة اضطرابات نفسية لدى الأشخاص المتأثرين به، منها الاكتئاب، والقلق، ومشكلات في النوم نتيجة الضغط النفسي والقلق المستمر، إلى جانب اضطرابات الهضم والتغذية.

تلك الاضطرابات قد تظهر بشكل مختلف من شخص لآخر، ويمكن أن تتطور مع مرور الوقت في حال عدم التعامل الفعال مع الوضع وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي المناسب.

أهمية الدعم النفسي

قالت المحمد، إنه للمساعدة في تخفيف حدة الأزمة النفسية لأهل المفقودين، يجب أن يتبع المجتمع المحيط بعض الإجراءات الداعمة، مثل تقديم الدعم العاطفي من الأفراد المحيطين لأهالي المفقودين والتعاطف معهم، والاستماع إلى مشاعرهم دون الحكم أو الانتقاد.

إلى جانب توفير المعلومات والدعم القانوني عبر توفير المساعدة في البحث عن معلومات حول مصير المفقودين، بالإضافة إلى توجيههم إلى مصادر دعم قانونية إذا لزم الأمر، وتوجيه أهالي المفقودين إلى خدمات الدعم النفسي، والاستشارات النفسية المتاحة مثل مراكز الصحة النفسية.

وفي حال وجود ضيق مادي لدى العائلة، يمكن تقديم الدعم المادي والمعنوي للتخفيف من الضغط النفسي على الأهالي، أو الدعم في التعامل مع الأمور اليومية.

وأضافت الاختصاصية النفسية نور المحمد أن تقديم هذا الدعم والمساعدة يمكن أن يكون له تأثير إيجابي في تخفيف حدة الأزمة النفسية التي يمر بها أهل المفقودين، ويساعدهم على التعامل مع هذا الوضع الصعب.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع