ارتفاعات مستمرة
مرضى يكتوون بنار أسعار الأدوية في سوريا
اللاذقية – ليندا علي
لجأت عفاف (33 عامًا) لبيع قطعة حلي من الذهب، لدفع تكاليف علاج طفلها الصغير الذي يعاني منذ بداية الشتاء من إنفلونزا (كريب) مستمرة، تطورت إلى التهاب مزمن، بأعراض مزعجة.
وقالت السيدة التي تعمل في مؤسسة حكومية بمحافظة اللاذقية، إن رحلة العلاج كلفتها نحو 225 ألف ليرة، ما بين معاينة طبيب 35 ألفًا وثمن دواء، فأقل علبة يصل ثمنها إلى 13500 ليرة لمسكن الألم، وهناك علبة المضاد الحيوي بـ34 ألفًا واحتاجت إلى اثنتين، والفيتامينات بـ25 ألف ليرة، إضافة إلى 45 ألف ليرة لموسع القصبات واحتاجت منه علبتين أيضًا.
لم تجد السيدة حلًا سوى ببيع قطعة الذهب الصغيرة التي حصلت عليها كهدية من عائلتها حين ولادة طفلها قبل سبع سنوات، فإلى جانب العلاج كان الصغير يحتاج إلى نوع غذاء معين، مضيفة، “رفع سعر الدوا دبحنا، معقول ندفع 225 ألف لنتعالج من الكريب، دفعت راتبي كامل بس لعالج ابني، كيف مناكل ومنشرب لآخر الشهر؟ راتب زوجي لا يكفينا”.
وبلغ الحد الأدنى للرواتب الحكومية 186 ألف ليرة تقريبًا (نحو 12.5 دولار أمريكي)، بعد زيادتها 100% منتصف آب الماضي، في حين شهدت أسعار الأدوية ثلاث زيادات خلال عام 2023، بنسبة تراوحت بين 70 و100%.
أما ياسر (43 عامًا) يعمل سائق سيارة أجرة (تاكسي) في اللاذقية، فقد تعرض طفله، بداية العام الحالي، لمغص شديد يرافقه إسهال وقيء، شك الوالد أنها مجرد نزلة برد، لذا قرر توفير أجرة معاينة الطبيب وإطلاع الصيدلاني على الأعراض، ليصف له نوعي دواء، الأول مضاد تشنج والثاني مضاد قيء بلغ ثمنهما 43 ألف ليرة.
إلى جانب تكاليف الدواء، كان يجب على الطفل الصغير أن يخضع لحمية تتضمن اللبن والبطاطا المسلوقة والموز، وبلغت فاتورة المشتريات التي دفعها الوالد 35 ألف ليرة لقاء كيلوغرام من كل نوع.
وقال ياسر، إنه لم يكن يتخيل أنه سيدفع يومًا أكثر من 75 ألف ليرة للعلاج من نزلة برد عابرة، وأضاف “الله يعينا نحن الفقراء، منموت عالساكت وما حدا بيسمع فينا”.
ارتفاع مستمر
باتت تكاليف العلاج تكوي المرضى، نتيجة الرفع المستمر لسعر الأدوية، كان أحدثها في كانون الأول 2023، ومهما كان المرض بسيطًا، فإن فاتورة أدويته تبدو كبيرة بالنسبة للغالبية، جراء تدهور القدرة الشرائية لمعظم السوريين.
توفيق (52 عامًا)، وهو موظف حكومي يعيش في مدينة جبلة، صبر على آلام مبرحة في خاصرته لعدة أشهر، وفي النهاية لجأ إلى زيارة الطبيب نتيجة عدم توقف الألم، ليخبره أنه يعاني من بداية تضخم في البروستات مع وجود تكلس بسيط، وطلب منه أن يبدأ العلاج فورًا قبل أن تتفاقم الحالة لديه.
وضع الطبيب للمريض خطة علاج لمدة شهر واحد قبل أن يعاد تقييم الحالة، ووفقًا لتوفيق فإنه اليوم في الأسبوع الثالث للعلاج، الذي كلّفه حتى الآن 57 ألف ليرة ثمن خمس علب دواء، ثلاث من نوع “تيليف”، واثنتان من نوع “كاردوسير”، إضافة إلى معاينة الطبيب 75 ألف ليرة كونها شملت تصوير “إيكو”.
يأمل الرجل الخمسيني أن تنتهي مشكلته الصحية خلال الأيام المقبلة، ليس طمعًا بالصحة، بل ليرتاح من الدفع، وقال إنه لن يتمكن من متابعة العلاج في حال احتاج إلى مزيد من الدواء، فبالكاد تمكن من تأمين التكاليف الحالية.
ورفعت وزارة الصحة سعر الأدوية للمرة الثالثة خلال عام 2023، أحدثها في كانون الأول العام نفسه، بنسبة تراوحت بين 70 و100%، وفق ما ذكره نقيب الصيادلة في دمشق، حسن ديروان، لصحيفة “تشرين”.
وقال ديروان حينها، إن أسعار الحبوب والكبسولات والأشربة ارتفعت 70%، بينما ارتفعت المراهم والكريمات والبخاخات القصبية 100%.
ومثل بقية الملفات الأخرى، فشلت حكومة النظام في سوريا بإدارة ملف الأدوية، وبقيت وزارة الصحة تحت رحمة معامل وشركات الأدوية، التي تلجأ في كل مرة يتم رفض طلبها رفع سعر الدواء إلى قطعه من الأسواق والتوقف عن إنتاجه وتوزيعه، ريثما تخضع وزارة الصحة لمطالبها، في ظاهرة تكررت عدة مرات سابقًا.
وبات شراء الدواء يقتصر على طبقة الأغنياء والميسورين، وأما الفقراء فلا يملكون سوى المكابرة على ألمهم، دون أن تفلح وعود حكومة النظام بمنحهم جرعة دواء لأمراضهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :