“أطلس اللاعنف”.. نظريات الكفاح السلمي وسط بحور الدم
شاب يداه مخضبتان بدماء صديق في ساحة تظاهر، ينزله عن كتفه أمام مستشفى ميداني، أصوات رصاص ومعارك واتهامات وانقسامات، صورة متكررة على الشاشات العربية وعناوين الصحف، مذ انطلقت ثورات الربيع العربي في أواخر 2010 من تونس، ومرت على مصر وليبيا وسوريا واليمن، وشهدت البحرين ولبنان والأردن والمغرب احتجاجات شعبية.
منذ ذلك العام وحتى 2024، سقط آلاف الضحايا نتيجة اتباع الأنظمة الدكتاتورية، العسكرية منها والمدنية، الحلول الأمنية وتجاهل مطالب المتظاهرين، إلا باستثناءات نادرة، وفي خضم الأحداث أطلقت إسرائيل عملية “السيوف الحديدية” ضد قطاع غزة في تشرين الأول 2023، وباتت صور الضحايا المدنيين تملأ الشاشات.
وسط بحور الدم التي تحاصر المنطقة، وسوريا تحديدًا، أصدر السياسي السوري هيثم مناع كتابه “أطلس اللاعنف” في 2022، ويبدو توقيت صدوره، للوهلة الأولى، غريبًا ولا يتوقع أن يكون له صدى أمام صوت البنادق والمدافع والطائرات.
لكن الكتاب الذي يحمل عنوانًا يدل على مضمونه بشكل مباشر، يأتي كحل معاكس لما تروّج له أجندات دولية وداعمون للحلول القائمة على العنف، بأن الرصاص وحده كفيل بحل كل الأزمات، وهو أمر ليس صحيحًا بالضرورة.
ويشرح مناع في كتابه، الصادر عن دار “نوفل”، أهمية فكرة “اللاعنف” كطريقة لمحاربة الدكتاتوريات وتفعيل عمل المجتمع المدني.
تضمن الكتاب مقارنة بين العنف واللاعنف، مع سير مختصرة لأهم رموز الكفاح السلمي حول العالم، والمفاهيم والأفكار التي اعتمدوها في كفاحهم، المهاتما غاندي، ومارتن لوثر كينغ، ونيلسون مانديلا، وغيرهم.
الفكرة الأساسية للكتاب، باعتباره “أطلسًا”، هي جمع وشرح جميع المفاهيم التي تؤكد وتشرح قوة المقاومة السلمية لتحصيل الحقوق، وتشريح بنية العنف وأسبابه ونتائجه أيضًا، والأخيرة يمكن ببساطة رؤيتها بالعين المجردة بالوقت الحالي في سوريا تحديدًا.
منهج المقاومة السلمية ليس وليد الحضارة الحديثة والتطور البشري المرتبط بالثورة الصناعية، أو الفلسفة التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، بل هو مفهوم يرتبط بنشوء الإنسان نفسه منذ فترة ظهور الأديان.
النظرية التي يضعها الكتاب، المكوّن من 176 صفحة من القطع الكبير، تقول إن صراع العنف واللاعنف، كمنهج، أمر مستمر منذ نشوء البشرية، وسيستمر لفترة طويلة جدًا أيضًا، ومن هذا المنطلق يمكن قراءة نتائج كلا المنهجين.
يبدو مستغربًا للوهلة الأولى أن ينشر كتاب يتحدث عن المقاومة اللاعنفية في حين تحاصر المنطقة العربية الحروب والصراعات، ولكن إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية أخرى، نجد أن هذا التوقيت هو الأهم لإعادة منهج اللاعنف مجددًا إلى الواجهة واتباعه، لربما يحصل المجتمع على نتائج أخرى، إن لم يكن اليوم ففي المستقبل القريب.
هذه الفكرة أشار إليها الكتاب بالفعل، ويقول مناع، “المقاومة المدنية أصبحت من حيث المبدأ أصعب، وفي إعادة تكوين خنادقها وجبهات نضالها أعقد”، ورغم أن هذه الجمل وردت في سياق تاريخي ضمن الكتاب، يمكن اعتمادها في الوقت الحالي أيضًا، على اعتبار أن شرعنة العنف ستدفع كل الأطراف لممارسته تحت أسهل الحجج، وهو ما يعني نتائج أكثر تعقيدًا، وبعيدة عن بناء مجتمع صحي من ناحية الحقوق والواجبات وتقبل الآخر أيضًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :