نساء عاملات يواجهن “دوامة تحديات” في الشمال السوري

  • 2024/03/08
  • 10:30 ص
نساء تعملن في مجال تحويض أشجار الزيتون شمالي سوريا – 28 من كانون الأول 2021 (منظمة شفق)

نساء تعملن في مجال تحويض أشجار الزيتون شمالي سوريا – 28 من كانون الأول 2021 (منظمة شفق)

ألقت ظروف الحرب في سوريا بثقلها على حياة السوريين بشكل عام، وكانت المرأة من ضحاياها، ودفعت ثمنًا وواجهت صعوبات من تعرض للقصف ونزوح وفقدان للمعيل.

واضطرت نساء كثر للعمل من أجل تأمين متطلبات عائلاتهن، وحملن على عاتقهن مسؤولية ذلك، وواجهن صعوبات، خاصة بالتوفيق والموازنة بين احتياجات المنزل ومتطلبات والتزامات العمل.

التقت عنب بلدي عددًا من النساء العاملات في المنظمات غير الحكومية شمال غربي سوريا، وتعرفت على كيفية عملهن ومعاناتهن في العمل، وكيف يوفقن بين متطلبات العمل واحتياجات العائلة والمنزل .

تحديات العمل

المهندسة الزراعية هدى الديري، مهجرة من درعا إلى مدينة عفرين شمال غربي حلب، تعمل في مشروع زراعي في منظمة “تكافل الشام” في منطقة عفرين، قالت لعنب بلدي، إن المنظمة لا تميّز بين النساء والرجال فيما يخص الرواتب، إلا أن العمل الذي تقوم به يجهدها، وهي بعمر يقارب الـ45 عامًا، لافتة إلى أنها تعمل بجهد كبير مثلها مثل الرجال، وتمشي مسافات طويلة في أثناء العمل.

وأضافت الديري وهي المعيلة لأهلها، أن معاناة المرأة مضاعفة في الأعمال التي تتطلب جهدًا، لافتة إلى أنها قد تكون وحدها أو مع إحدى زميلاتها ومعهما سائق سيارة، ويقطعون مسافات طويلة بين جبال وأودية عفرين، وهذا يسبب لهم خوفًا دائمًا خلال جولاتهم الميدانية، كذلك خلال الزيارات الحقلية في الصيف تتعرضن لحالات وجود أفاعي أو حيوانات شرسة، وهن نساء لا يستطعن الدفاع عن أنفسهن مثل الرجال، حسب قولها.

وتابعت الديري، “أحيانًا يكون لدينا توزيع مساعدات إنسانية في المخيمات ونتعرض لمضايقات من المستفيدين، أو اعتداءات وشتائم وأحيانًا اطلاق نار، فليس لدينا القدرة على الرد، وخاصة أنه في المنظمات الإنسانية يمنع رد الإساءة بإساءة، وحتى لو تعرضت للشتم، يجب أن تحافظ على هدوءك وكيانك”.

وذكرت المهندسة الزراعية أن المنظمة تراعي وضع النساء، فهناك إجازات أمومة، لكنها تختلف بحسب مدة العقد للموظفة، فإذا كان لها أكثر من سنة في المنظمة يحق لها أن تأخذ إجازة مأجورة تصل لـ15 يومًا، إضافة إلى عدم وجود تمييز بالمهام الوظيفية ما بين النساء والرجال، إنما يقوم الجنسان بنفس المهام والأعمال.

ومؤخرًا، بدأت المنظمات تتوجه لضرورة وجود عنصر نسائي ضمن أي فريق ميداني، خاصة في مشاريع الاستجابة الطارئة، نظرًا لوجود حالات خاصة، كوجود أرملة لوحدها في المنزل أو امرأة في “العدة”، وذلك في إطار عملية تحقق من هوية المستفيد، وفق ما قالت الديري.

جلسة توعوية من سرطان الثدي في مناطق شمال غربي سوريا – 9 من تشرين الأول 2022 (منظمة شفق)

من جهتها، قالت المحامية هدى سرجاوي، وهي مستشارة قانونية في منظمة “شفق” تعمل في منطقة اعزاز، إن العمل مرهق في المخيمات، إذ تجري مهامًا تدريبية ورفع وعي قانوني للنساء في المخيمات في مختلف الأحوال الجوية، إضافة للمسافات الكبيرة التي يقطعها الفريق الميداني في الوصول للمخيمات، لافتة إلى أنها تخرج باكرًا للعمل، ولا تعود للمنزل إلا وقد بدأت الشمس بالمغيب، ولديها عائلة لها متطلبات واحتياجات مستمرة.

وأضافت سرجاوي، في حديثها لعنب بلدي، أن المعاناة والتعب كبير في العمل، إذ تقضي معظم اليوم في العمل الميداني وجولات بين المخيمات وجلسات تدريبية، وفي المساء تعد التقارير وترفع التوثيقات التي تأخذ منها مزيدًا من الوقت والجهد، عدا عن الاجتماعات المسائية، مضيفة أنها تنام أحيانًا من شدة الإرهاق ولم تنتهِ من رفع البيانات اللازمة، لتعود في الصباح الباكر لاستدراك العمل.

وأشارت سرجاوي إلى أنها تبدأ بتجهيز الطعام بعد نهاية الدوام، ما يأخذ منها جهدًا مضاعفًا، لأنها تصل إلى البيت قبل وصول ابنتها من الجامعة، وبعدها تُجهز ملفات العمل وترسلها لمشرف المشروع، على حد قولها.

جلسة توعوية من سرطان الثدي في مناطق شمال غربي سوريا – 15 من تشرين الأول 2022 (الدفاع المدني السوري)

من العتمة إلى العتمة

حليمة خالد، وهي عاملة في إحدى المنظمات الدولية بريف إدلب، قالت لعنب بلدي، إن سكنها في الدانا بريف إدلب الشمالي، فتخرج في الصباح الباكر قبل شروق الشمس، إلى عملها في مدينة حارم شمال غربي إدلب، ونقضي أكثر من ساعة لتصل المكتب، وبعدها تنطلق للعمل الميداني في اختيار المستفيدين، والتحقق منهم قبل توزيع المساعدات الإنسانية.

وأضافت الخالد أن عملها ينتهي وتصل منزلها مع أذان المغرب، وسط حالة إرهاق الشديد، ولا تستعيد نشاطها إلا بعد عدة ساعات، إضافة لعدم وجود إجازات كثيرة في العمل، لافتة إلى أنها أخذت مؤخرًا إجازة خاصة لأجل زيارة ابنتها التي أنجبت.

الموازنة بين المنزل والعمل

لا تنصح حليمة النساء اللواتي يقدمن على وظائف للعمل، إذا كان على حساب صحتها وإهمال أولادها واحتياجات ومتطلبات المنزل، وتستدرك بقولها، “لكن النساء مضطرات للعمل رغم كل الظروف، لتأمين مورد للمنزل بسبب ارتفاع متطلبات وتكاليف الحياة، وغلاء الأسعار الذي تشهده المنطقة”.

تعمل إيمان العيد مشرفة تعليمة في إحدى المنظمات الانسانية المعنية بالمجال التعليمي، وهي تسكن وحدها في مدينة الدانا شمالي إدلب مع أربعة من أولادها، أكبرهم في الصف الثاني الابتدائي، وزوجها ذهب إلى تركيا مع ولدها المريض في رحلة علاج لأكثر من سنتين ولم تنتهِ.

قالت إيمان لعنب بلدي، إنها تعمل لثلاثة أيام فقط في الأسبوع، وبراتب رمزي لتأمين متطلبات عائلتها، فزوجها لا يعمل في تركيا إنما يتابع علاج ابنه، فهو مصاب بمرض وراثي نادر، مضيفة أنها حصلت مؤخرًا على فرصة براتب أفضل لكنها رفضت، بسبب طول ساعات وأيام العمل، وقالت إن الالتزام بالعمل الجديد سيكون على حساب إهمال أطفالها وتأمين متطلباتهم ومتابعتهم الدراسية.

وأشارت إلى أن لديها جارة تساعدها في متابعة أطفالها عندما تذهب للعمل، وهذا ما شجعها على الاستمرار، رغم الظروف الصعبة التي تعيشها، حسب قولها.

مريم الأسعد متطوعة في “الدفاع المدني السوري” بفرق المسح غير التقني بمراكز إزالة مخلفات الحرب (الدفاع المدني السوري)

معاناة الحواجز

ناديا زيدان، وهي مسؤولة تواصل في منظمة “مسار”، قالت إن أكثر ما يؤرقها في العمل هو بُعد المسافات خلال الجولات، وخاصة عند العبور من إدلب إلى جنديرس بريف عفرين، لافتة إلى أنها تبقى أحيانًا أكثر من ساعة على الحواجز، ما يجعل الفريق يتأخر على التزاماته.

وذكرت أنه لا يوجد مراعاة للعاملين في المجال الانساني في مسألة عبورهم من الحواجز، خاصة النساء لا يمكنهن أن يتأخرن كثيرًا عن المنزل.

وتوجد حواجز عسكرية بين منطقتي سيطرة “الحكومة المؤقتة” بريف حلب و”الإنقاذ” بإدلب، ويربط بينهما معبران داخليان، هما معبر “دارة عزة- الغزاوية” والمعروف أيضًا بـ”طريق دارة عزة”، والمعبر الثاني هو “دير بلوط- أطمة”.

وأضافت زيدان، أن المرأة تتحمل جهدًا مضاعفًا في ضغط العمل بسبب بنيتها الضعيفة، لكنها مضطرة للتحمل، كما أنه لا يوجد بطاقات خاصة للموظفين في المنظمات الإنسانية من أجل تسهيل عملهم في الدوائر أو عند المرور من الحواجز، مشيرة إلى أن وقتهن ضيق فهن يحاولن دائمًا تنفيذ مهامهن الوظيفية بالسرعة والجودة المناسبة.

دوامة صعوبات

يعزز الواقع الاقتصادي والمعيشي المتردي الحالي شمال غرب سوريا الحاجة إلى مشاركة المرأة في العمل ودعم الأسرة، وهو أحد الحلول التي تسعى النساء من خلالها إلى تحسين واقع أسرتها ومجتمعها في مواجهة الظروف، وفق دراسة لـ”الدفاع المدني السوري“.

وتواجه النساء الراغبات في العمل معوقات أبرزها الافتقار إلى التعليم والخبرة وقلة فرص العمل المتاحة، فضلاً عن صعوبة الموازنة بين رعاية الأسرة والعمل، وعدم توفر وسائل النقل إلى أماكن العمل وعدم وجود شهادة علمية، وفق الدراسة.

استندت الدراسة إلى مقابلات مع 1746 امرأة ضمن 160 قرية في 32 ناحية في محافظتي إدلب وحلب في كانون الثاني 2022، وأفادت 9% فقط من النساء أنهن تعرضن للمضايقات خلال العمل، وكانت الأرامل والمطلقات أكثر عرضة للمضايقات.

وأشارت السيدات المشاركات في الدراسة إلى أن عدم تقبل المجتمع لفكرة عمل المرأة هو من أبرز أشكال المضايقات التي عانت منها النساء العاملات، وبنسبة 45 %، بينما احتلت مشاعر عدم الثقة بإمكانيات المرأة العاملة وكفاءتها المرتبة الثانية بنسبة 32 %.

واعتبرت السيدات الإهمال المتعمد من قبل أصحاب العمل والزملاء من أشكال المضايقات وبنسبة 27%، بينما احتلت حالات التحرش المرتبة الأخيرة من عوامل المضايقات للمرأة العاملة وبنسبة اقتصرت على 7% من المستجيبات.

وفق الدراسة، فإن النساء العاملات غالبًا ما يعملن بعقود مؤقتة، 70% في المجالات المهنية بما في ذلك العمل داخل المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، وكذلك ضمن المؤسسات التعليمية والصحية، و17% من النساء العاملات يعملن بأجر يومي، وتعمل 52% من النساء بموجب عقود رسمية، معظمهن ضمن العيادات والمدارس والمنظمات غير الحكومية.

ورغم وجود معاهد تدريبية تكسب المرأة بعض الخبرات والمهارات، تنخرط السيدات في مهن مرهقة وخطرة، بغية تأمين حاجاتهن المتعددة، وسط ارتفاع الأسعار وقلة الأجور.

وتلجأ بعض النساء، خصوصًا من المقيمات في مخيمات النازحين في أرجاء الشمال، لأعمال تعرف محليًا بأنها من تخصص الرجال، أو نشاط محفوف بالخطر كالبحث بين أكوام القمامة عن البلاستيك، مع انتشار المقذوفات غير المنفجرة من مخلفات الحرب.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع