قروض تحت ضغط الحاجة تشلّ قدرات المتقاعدين في سوريا

  • 2024/02/07
  • 4:29 م
المصرف العقاري في البرامكة بالعاصمة السورية دمشق - 25 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

المصرف العقاري في البرامكة بالعاصمة السورية دمشق - 25 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

“لم يكن لدي خيار آخر سوى الحصول على القرض لإجراء عملية شبكية لعيني في الأيام المقبلة، لكنني اليوم أشعر بالندم”، هكذا عبر، سعيد، خلال حديثه لعنب بلدي، عن ندمه بعد الحصول على قرض المتقاعدين البالغ قيمته أربعة ملايين ليرة سورية من بنك “التسليف الشعبي” لإتمام المبلغ المطلوب لعمل جراحي.

ترتبت شروط على سعيد للموافقة على طلبه، منها إحضار كفيلين ما زالا موظفين، ودفع مبلغ 100 ألف ليرة سورية شهريًا، لمدة سبع سنوات حتى تسديد المبلغ، ما سيزيد من ظروفه المعيشية سوءًا، وفق حديثه.

الراتب “لا يكفي”

سعيد، كان يعمل في سكة حديدية بمدينة درعا، قال لعنب بلدي، إنه يحصل على راتب تقاعدي 150 ألف ليرة سورية، وذلك بعد قضائه خدمة 30 عامًا، مشيرًا إلى أن الراتب بحالته الطبيعية لم يكن يكفي أيام معدودة قبل سحب القرض والالتزام بتسديد القرض.

سعيد، تحفظ على ذكر اسمه الكامل، لم يرزق بأطفال خلال زواجه لإعانته في الحياة والمصاريف المالية، إذ يعيش مع زوجته دون عمل آخر بعد تقاعده.

أما عبد الكريم الشرع، وهو متقاعد من المجمع الحكومي بإدارة الميكانيك، قال لعنب بلدي، إنه بعد إجرائه عملية في الظهر لمرض الديسك، لم يعد قادرًا على نقل مستلزمات العائلة الثقيلة والخفيفة منها، خوفًا من التعرض لمشكلات صحية تضاعف أوجاعه، ليقرر شراء دراجة نارية، يساعده على نقل مستلزمات العائلة.

وتابع عبد الكريم البالغ من العمر (61 عامًا)، أنه بعد البحث عن الأسعار وجد لدى أحد أصدقائه دراجة نارية مستعملة يريد بيعها بمبلغ قدره ستة ملايين ليرة سورية، في حين لم يكن يملك سوى مليونين، ليُجبر على اتخاذ قرار سحب قرض وقدره أربعة ملايين ليرة سورية من البنك العقاري لإتمام المبلغ الناقص.

كانت فكرة سحب القرض مرفوضة بالبداية بالنسبة لعبد الكريم، خاصة مع صعوبة الشروط المحددة، لكن ظرفه الصحي كان متأزمًا، ولا يستطيع التخلي عن خيار شراء الدراجة.

شروط البنك “العقاري” كانت وجود كفيلين ما زالا موظفين، مع إحضار بيان عقاري براتب الكفلاء وصاحب القرض، بالإضافة لعقود عقارية تثبت وجود ملك مسجل على اسم الكفلاء، وأخر يتبع لصاحب القرض.

قبض عبد الكريم المبلغ بعد يومين من تسلميه الأوراق المطلوبة للبنك العقاري، مع تحديد 11% فائدة على القرض، وفق ما أضاف لعنب بلدي.

ينحدر عبد الكريم الشرع، من حي الكاشف بمدينة درعا، ولا يستطيع العمل بوظيفة أخرى بسبب مرضه، ويتقاضى شهريًا 200 ألف ليرة سورية، بينما يجب تسديد 100 ألف ليرة لمدة سبع سنوات أي 50% من الراتب.

رفع الرواتب لا يجدي

ومع رفع رواتب الموظفين وفق مرسوم أصدره بشار الأسد، في 5 من شباط 2024، لايبدو ان مشكلة سعيد وعبد الكريم وغيرهم من المتقاعدين ستنتهي، إذ إن الزيادة إذا ما قيست بحج المتطلبات، تبقى غير مجدية.

يقضي المرسوم بمنح أصحاب المعاشات التقاعدية من العسكريين والمدنيين، والمشمولين بقوانين التأمين والمعاشات والتأمينات الاجتماعية النافذة، زيادة قدرها 50% من المعاش التقاعدي.

ويشمل المرسوم أصحاب المعاشات التقاعدية، ومعاشات عجز الإصابة الجزئي من المدنيين غير الملتحقين بعمل، ولا يتقاضون معاشًا آخر من أي جهة تأمينية.

ويقابل الحد الأدنى من الأجور الذي ارتفع إثر القرار حوالي الضعف ليصبح 279 ليرة سورية شهريًا (نحو 19.5 دولار)، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بسعر الصرف.

رفع القروض 100%

في حالة الإخلال بدفع الأقساط، يضع منع سفر على صاحب القرض والكفلاء ويحولون للمحكمة، مع وضع اليد على ممتلكاتهم، وفي حال عدم إيجاد استجابة للدفع تباع الممتلكات بالمزاد العلني، وفق الموظف بالبنك العقاري.

أعلنت “المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية” في مناطق سيطرة النظام السوري، رفع سقف قروض المتقاعدين إلى أربعة ملايين ليرة سورية، بدلًا من مليونين.

ورفعت “المؤسسة” سقف قروض العاملين فيها إلى ستة ملايين بدلًا من ثلاثة ملايين، بحسب ما نشرت على صفحتها الرسمية في “فيس بوك”، في 18 من كانون الثاني الحالي.

اليوم كل دولار أمريكي يعادل 14650 ليرة سورية، وبذلك تساوي الأربعة ملايين نحو 273 دولارًا أمريكيًا، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص برصد حركة العملات، بينما كانت قيمة المليونين عند رفع قيمة القرض في أواخر 2022، تساوي نحو 300 دولار أمريكي.

محمد، موظف من مكتب الديوان بالبنك العقاري في سوريا، قال لعنب بلدي، إن البنك يمنح القروض حسب الراتب، فمن يتقاضى 200 ألف ليرة يستطيع الحصول على قرض بقيمة أربعة ملايين ليرة، وعليه يدفع 100 ألف شهريًا.

أما المتقاعد الذي يقبض 300 ألف ليرة سورية، يحق له سحب قرض بمبلغ 10 ملايين ليرة، مع شرط دفع مبلغ 300 ألف ليرة سورية أو أكثر شهريًا، بفائدة تصل لـ11%، بعد أن كانت 6% سابقًا، وفق محمد (الذي تحفظ على ذكر اسمه لمخاوف أمنية).

ويستطيع المتقاعد أن يسحب قرض من البنك العقاري بسوريا حسب راتبه التقاعدي، وتبدأ القروض من أربعة ملايين، وفق الموظف.

أما بنك التسليف الشعبي فأعلى حد للقروض فيه هو أربعة ملايين ليرة، مع فائدة أقل بنسبة 7% فقط، مع ضرورة الحاجة إلى كفيلين موظفين.

التقاعد في سوريا

يستطيع المتقاعد في سوريا إنهاء خدمته بحالتين، إما إتمام سن الـ60 ووصول الخدمة المحسوبة في المعاش إلى 15 عامًا، وإما عبر نظام التقاعد المبكر، الذي يمكّن العامل أن يطلب الإحالة على التقاعد بعد بلوغ سنوات توظيفه 25 سنة، دون التقيد بشرط السن.

وتجب الإشارة إلى أن سن التقاعد في سوريا ليس موحدًا لجميع الموظفين في الدوائر الحكومية، إذ أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد في أواخر عام 2022 القانون رقم “43” الذي يتيح لوزير التعليم العالي إحالة الأستاذ الجامعي، والأستاذ المساعد ضمن الهيئة التدريسية إلى التقاعد عند إتمامهما الـ70 من العمر، والمدرّس عند بلوغه الـ65 عامًا.

رواتب موظفي الدولة المتقاعدين منهم والقائمين على رأس عملهم في سوريا لا تتناسب مع متطلبات الحياة الأساسية، ما يدفعهم لمزاولة مهنة أخرى، للوصول للدخل الذي يضاعف قدرتهم على التأقلم مع ارتفاع الأسعار.

مقالات متعلقة

خدمات محلية

المزيد من خدمات محلية