عنب بلدي – حسام المحمود
بعد إعلان وزارة الخارجية بكازاخستان، في 21 من حزيران 2023، توقف استضافة كازاخستان لمباحثات الاجتماع الدولي بصيغة “أستانة” بشأن سوريا، أكدت في اليوم التالي استعدادها لاستئناف المفاوضات، كبادرة حسن نية، في حال تقديم طلب جماعي من الأطراف المعنية.
وبالفعل، عاد المسار السياسي الوحيد القائم حاليًا في الملف السوري إلى الحياة مجددًا، على مسرح اللقاءات ذاته، بعد لقاء جرى خلال حضور الأطراف المشاركة المتزامن في نيويورك، للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة، في 22 من أيلول 2023، دون خروج بما يخالف اللقاءات السابقة، علنيًا على الأقل.
وبعد الإعلان، في 19 من كانون الثاني الحالي، عن جولة جديدة من مباحثات “أستانة”، انعقد اللقاء في 24 و25 من الشهر نفسه، واقتصر اليوم الأول على لقاءات ثنائية جمعت وفد النظام السوري بالمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، بالإضافة إلى لقاء وفد النظام بالوفد الإيراني، وبنائبة المبعوث الأممي إلى سوريا، نجاة رشدي.
كما التقى الوفد التركي بالوفد الروسي، والأممي، والتقى الوفد الإيراني أيضًا بالمبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون.
ولم يحمل اليوم الثاني من جولة المفاوضات هذه ما يخالف التوقعات منها قياسًا بالجولات الـ20 السابقة، إذ اتفقت الأطراف المشاركة على عقد الجولة الـ22 في عاصمة كازاخستان، بالنصف الثاني من العام الحالي.
وأدلى وزير خارجية كازاخستان، أليبك باكاييف، ببيان ختامي مشترك، أعلن فيه عن لقاء لقادة “الدول الضامنة” (روسيا وتركيا وإيران) بصيغة “أستانة” خلال العام الحالي، وقال، “لاحظنا الاتفاق المنصوص عليه في البيان الختامي للقمة الثلاثية في 19 من تموز 2022، على تنظيم اجتماع قمة في روسيا الاتحادية، واتفقنا على عقد الاجتماع الدولي الـ22 حول سوريا، في أستانة، بالنصف الثاني من عام 2024″، وفق ما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية.
وذكرت وكالة” تاس” الروسية، أن دول روسيا وتركيا وإيران اتفقت على عقد قمة بصيغة “أستانة” في روسيا، دون تحديد موعدها.
قضايا جوهرية.. “تعنت النظام”
رغم أن الجولة الـ20 من المسار السياسي شهدت لقاء بين أطراف الرباعية (تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري) يتعلق بمسار التقارب التركي مع دمشق، فإن هذه الجولة لم تتبع خطى سابقتها، في ظل فتور في هذا المسار الذي توقفت لقاءاته عند هذا الحد، كما لم يلتقِ الوفد التركي الذي ترأسه نائب وزير الخارجية، أحمد يلدز، بوفد النظام السوري، مكتفيًا بلقاء وفد المعارضة السورية.
رئيس وفد المعارضة المشارك في مباحثات “أستانة”، الدكتور أحمد طعمة، أوضح لعنب بلدي أن خلافات بسيطة دفعت كازاخستان لإعلان عدم استضافة جولات جديدة من المباحثات، بعد الجولة الـ20، قبل تذليل هذه العراقيل، والعودة لاستئناف المفاوضات في مكانها السابق.
وحول تقييم المعارضة لهذه الجولة من المباحثات، قال طعمة إن انطباعات المعارضة معقولة، رغم عدم اختلافها كثيرًا عن سابقتها، والطروحات لم تقل جدّية عن سابقاتها، وهي ذات المواضيع ذات الأهمية البالغة، والأهم تثبيت التهدئة في إدلب وإيقاف الانتهاكات الصارخة، وجرى تفاهم معقول على التهدئة وعدم اجتياح النظام لمناطق شمال غربي سوريا.
ومن المواضيع التي نوقشت بجدّية، العودة لاستئناف أعمال اللجنة الدستورية، ولا تزال هناك بعض العراقيل في هذا السياق، لكن حدة الخلافات الجوهرية في هذا الموضوع أصبحت أقل، ومن المتوقع في الفترة المقبلة أن يجري بيدرسون زيارات لحلحلة هذه القضية مع الأطراف المعنية.
ومن المواضيع التي لم تشهد تحقيق اختراق بسبب تعنت النظام، وفق طعمة، ملف المعتقلين والمختفين قسرًا، والملف بطبيعة الحال من الملفات الشائكة.
وحول الجديد في هذه الجولة، بيّن رئيس وفد المعارضة أن مجرد البحث في القضايا الجوهرية الكبرى “إنجاز”، فالملف شائك، والمسار يبقي القضية حية والنقاش على الطاولة، ويثبت ثنائية العنوان بين النظام والمعارضة، رغم محاولة النظام تقديم نفسه كممثل “شرعي” وحيد للشعب السوري.
بالنسبة للقاء وفد المعارضة السورية مع نائب وزير الخارجية التركي، فقد جرى بحث كيفية استئناف عمل اللجنة الدستورية، والتهدئة في الشمال، وحلحلة ملف المعتقلين، بحسب طعمة.
واعتبر رئيس وفد المعارضة السورية أن انعقاد لقاءين في العام، وتباعد هذه اللقاءات في مسار “أستانة” في الوقت الراهن، أمر طبيعي بالنظر إلى الواقع المعقد والظروف الراهنة، فالمسار هدفه تبريد الواقع العسكري والوصول إلى استمرار وقف إطلاق النار، ومعالجة الانتهاكات تمهيدًا لحل سياسي.
ومع عدم الوصول إلى نتائج وإيجاد حل سياسي في سوريا، فمسار “أستانة” سيستمر، وفق طعمة.
بيان ختامي
وخلال الجولة الـ21، جددت “الدول الضامنة” التزامها بسيادة سوريا، واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، وبأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، مع التأكيد على متابعة العمل المشترك لمكافحة الإرهاب بكل أشكاله ومظاهره، والوقوف في وجه الأجندات الانفصالية الهادفة لتقويض سيادة سوريا وسلامتها ووحدة أراضيها وتهديد الأمن الإقليمي للدول المجاورة، وفق البيان الختامي.
كما جددت التأكيد على معارضتها الاستيلاء والنقل غير الشرعي لعائدات النفط التي يجب أن تعود إلى سوريا.
من جهتها، أعربت نائبة المبعوث الأممي إلى سوريا، نجاة رشدي، عن تقديرها لعقد مزيد من اللقاءات الثنائية في أستانة، مع حكومتي العراق وإيران والمعارضة السورية، بالإضافة إلى الاجتماع مع “الدول الضامنة” للمضي قدمًا في سوريا، مؤكدة أن الوضع الحالي في المنطقة وسوريا مقلق للغاية، ويتطلب تحريك المسار السياسي.
وحددت رشدي الأولويات المشتركة بوقف التصعيد وحماية المدنيين واستئناف أعمال اللجنة الدستورية، وتعزيز تدابير بناء الثقة، ودعم الشعب السوري في كل مكان، وتنفيذ القرار “2254”، مع مواصلة الأمم المتحدة العمل مع الأطراف السورية والجهات الفاعلة الدولية، والدفع نحو تحقيق تقدم ملموس.
النظام السوري واصل الاستثمار السياسي في ملف اللاجئين، إذ قال نائب وزير الخارجية السوري، بسام صباغ، إن عودتهم تمثل “هدفًا أساسيًا” لسوريا، ويجري التعاون والتنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على توفير الظروف المناسبة والتسهيلات اللازمة لتأمين “العودة الكريمة” للاجئين والمهجرين إلى مناطقهم، وفق ما نقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا(.
الآمال متواضعة
الدكتور حسام الحافظ، رئيس المكتب القانوني في “اللجنة العليا للمفاوضات” لعامي 2016 و2017، وعضو وفد مفاوضات المعارضة السورية لعام 2014، أوضح لعنب بلدي أن توقيت الجولة الحالية من الاجتماع الدولي بصيغة “أستانة” بشأن سوريا، على علاقة بعدة أمور تعكس نوعًا من الحاجة لهذا الاجتماع، منها التوترات في المنطقة، والعدوان الإسرائيلي المستمر على غزة والتحركات الإسرائيلية في المنطقة، وتغيير نسبي بقواعد الاشتباك الإسرائيلي في سوريا.
كما أن الدول الثلاث بحاجة إلى منبر مشترك تؤكد عبره على وجودها ومصالحها، وعلى بعض التفاهمات التي تؤكد دورها القيادي إذا اجتمعت، فالدول الثلاث أدانت “الخروقات الإسرائيلية” في سوريا، وتطرقت إلى الحرب في غزة.
واعتبر الحافظ أن جزءًا كبيرًا من مسار “أستانة”، وتحديدًا في هذه الجولة، يحمل رسائل للولايات المتحدة، ولهذا أكد البيان الختامي على دور قيادي للمسار، فالدول الثلاث ترى ضرورة في استمرار “أستانة”.
كما أن التصعيد في إدلب يقلق تركيا والمعارضة، وهو قلق يتطلب تفاهمات، فالدول الثلاث لا ترغب بتصعيد جديد إذا زادت التوترات في المنطقة ككل، والأساس إظهار هذه الدول لمخاوفها عبر منصة دولية، وفق الحافظ.
وحول طبيعة “أستانة”، قال إن “هذا المسار عسكري، وبدأ بآمال بمخرجات محدودة، وحصل الكثير منها، وهي خفض التصعيد في سوريا، لكن مناطق خفض التصعيد تحولت إلى عبء على التسوية فيها، إذا لم يكن فيها حوكمة كاملة تنقل إلى قوى الثورة والمعارضة”.
كما حول مسار “أستانة” الفصائل إلى كتل بشرية لم يعد لها تأثير في التسوية السياسية المستقبلية، ووجود المعارضة في مباحثات “أستانة” هو وجود الحد الأدنى غير الفعال، فالنظام موجود بوجود الروس والإيرانيين، وبوجوده الأصلي، لكن المعارضة موجودة بوجود “الضامن التركي”، مع اختلاف الأجندة بين المعارضة السورية و”الدول الضامنة”، بحسب الحافظ.
بدأ مسار “أستانة” في كانون الثاني 2017، وعلى مدار 20 جولة سابقة، انعقدت لقاءات المسار بحضور قادة ثلاث دول، منها اثنتان حليفتان للنظام السوري سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا (روسيا وإيران)، وتركيا، وممثلين عن النظام السوري والمعارضة، وهيئات من الأردن والعراق ولبنان، بصفة مراقبين.