عنب بلدي – براءة خطاب
أعلنت محكمة العدل الاتحادية (الفيدرالية) في ألمانيا عن توجيه اتهامات ضد ثلاثة سوريين بالانتماء لـ”لواء التوحيد”، باعتباره منظمة “إرهابية” أجنبية.
وورد في بيان للمحكمة، صدر في 23 من كانون الثاني الحالي، أن المتهمين كانوا أعضاء نشطين في منظمة “إرهابية” أجنبية، كما وصفتها، بناء على الفقرة “1” من المادة “129/ب”، بالاقتران مع الفقرة “1” من المادة “129/أ” من القانون الجنائي الألماني.
وأوضح البيان أن مكتب المدعي العام الاتحادي وجه اتهامات، في 28 من كانون الأول 2023، إلى مؤسس “لواء التوحيد” (محمد ر.) لقيادة مهام قتالية واستيلائه على حلب، وللمراسل المتحدث باسم “اللواء” (أنس ك.) لمشاركته بـ”الدعاية علنًا للمجموعة” من خلال إنتاج مقالات حول أنشطتها، أمام مجلس أمن الدولة بالمحكمة العليا في برلين.
كما وجه الاتهام الأخير إلى “يوسف ك.” لعمله في قطاع الإعلام ومرافقته “أنس ك.” بشكل منتظم إلى مناطق القتال، وإعداده تقارير وأفلامًا وصورًا فوتوغرافية لـ”أغراض دعائية”.
خارج “تصنيف” ألمانيا
توصيف بيان المحكمة “لواء التوحيد” بمنظمة “إرهابية” أثار حالة من الاستغراب، إذ لا تصنفه ألمانيا كمنظمة “إرهابية”، بحسب تقريرها السنوي لعام 2022 حول “حماية الدستور للجمهور”.
وورد في التقرير الذي قدمته وزيرة الداخلية الفيدرالية الألمانية، نانسي فيرز، مع رئيس البرلمان الاتحادي، توماس هالدينوانغ، حول “حماية الدستور للجمهور”، في 20 من حزيران 2023، أكثر من 20 منظمة إسلامية مصنفة إرهابية في ألمانيا، وكان من بينها تنظيما “الدولة الإسلامية” و”القاعدة” في السعودية والمغرب و”حزب الله” و”الإخوان المسلمون” وغيرها، مع ذكر عدد كل منها في ألمانيا.
كما شمل تنظيمات غير إسلامية مثل حزب “العمال الكردستاني” (PKK)، وتنظيمات يسارية ويمينية تركية متطرفة.
ولم يذكر التقرير “لواء التوحيد” بشكل صريح، إلا أنه ذكر وجود 370 إرهابيًا في تصنيف “منظمات إرهابية أخرى”.
وبحسب موقع وزارة العدل الاتحادية الألمانية، فإن المادة “129” تنطبق على المجرمين والمنظمات “الإرهابية” خارج الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولا تنطبق إلا إذا كان الجاني أو الضحية ألمانيًا أو موجودًا في البلاد.
كيف بدأت القضية؟
تواصلت عنب بلدي مع أحد المتهمين الثلاثة “أنس ك.”، اللاجئ في ألمانيا منذ 2016، وينحدر من بلدة بيانون في ريف حلب الشمالي، لمعرفة تفاصيل القضية، وأوضح أن المحكمة بدأت في 8 من أيلول 2021.
أنس قال إنه كان يعمل مراسلًا صحفيًا لوكالة “سمارت”، ومقرها في مدينة غازي عينتاب التركية، ولم يكن تابعًا لـ”لواء التوحيد”.
وصف أنس يوم 8 من أيلول 2021 بـ”الأسود” له ولعائلته، حين استيقظت العائلة صباحًا على أصوات طرق باب المنزل بقوة، وقال لعنب بلدي، “للوهلة الأولى ظننت أنهم لصوص، أو أن حريقًا نشب في المبنى”، فتحت الباب وإذا بشرطة يحملون الأسلحة انتشروا في أرجاء المنزل”.
لم يكن أنس يدري ما يحدث لكن الهلع خيّم على العائلة، ليخبره المترجم الذي كان برفقة الشرطة عن سبب وجودهم في المنزل، وفي البداية قال إنه شاهد والأمور على ما يرام، ثم قرأ له ما يقارب 20 صفحة تحتوي على التهم الموجهة إليه.
طلب المترجم وثائق تثبت عمل أنس كصحفي بحسب ما أدلى به عند قدومه إلى ألمانيا، كما طلبوا تفتيش المنزل، و”الهارد ديسك” (جهاز التخزين) الذي بحوزته.
كان أنس يحتفظ بجهازَي تخزين، بحسب ما قاله لعنب بلدي، ويحتويان على كل ما قام بتصويره خلال عمله الصحفي في سوريا، وكل ما وثقه من انتهاكات بحق المدنيين من قصف ودمار وتقارير مصورة وتوزيع المساعدات الإنسانية ومعارك القتال ضد النظام السوري في حلب وريفها، و”سجلات وأسماء شهداء وصور تاريخ بلد كامل احتفظت بها لأكون شاهدًا على العصر”.
قدم أنس ذلك إلى الشرطة وهو على ثقة تامة بأن القانون معه وأنه في بلد الحرية والديمقراطية، بحسب ما قاله لعنب بلدي، وطلب عناصر الشرطة منه أن يخرج معهم إلى السيارة لتوجيه بعض الأسئلة، وبدأ الاستجواب حول حياته منذ الطفولة حتى لحظة وصوله إلى ألمانيا، واستمر ذلك ثماني ساعات.
لا يملك أنس أي معلومة حول الإجراءات التي ستقوم بها المحكمة، لكنه سيحضر الجلسة التي لم يحدد موعدها بعد، برفقة محاميه.
مدير “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية”، أنور البني، قال لعنب بلدي، إن المسألة مقلقة، لكن يبدو أن هناك شكوى ضد الأفراد الثلاثة، مشيرًا إلى أن المدعي العام لم يوقفهم وهو دليل على عدم تصنيفهم كـ”إرهابيين”.
وأوضح أنه يجب انتظار الإجراءات التي ستقوم بها المحكمة كونها لا تصنف “لواء التوحيد” كمنظمة “إرهابية”، عدا إن كانت هناك شكاوى ضد المتهمين بمهاجمة أو قتل مدنيين، فـ”حينها تختلف المسألة”.
ما “لواء التوحيد”
“يعد (لواء التوحيد) جماعية إسلامية مسلحة، عملت في محافظة حلب بين عامي 2012 و2014، وتألفت من عشرة آلاف مقاتل تقريبًا، بهدف محاربة النظام السوري وإقامة دولة دينية على أساس الشريعة الإسلامية”، بحسب تعريف بيان المحكمة.
وأضاف البيان أنه لتحقيق غاياته، تعاون “لواء التوحيد” مع جماعات وتنظيمات “إرهابية” أجنبية أخرى في المنطقة، لا سيما “جبهة النصرة” و”أحرار الشام”.
المحامي المختص في القانون الجنائي الدولي المعتصم الكيلاني، قال لعنب بلدي، إنه حسب القانون الجنائي الألماني، فإن التعامل أو التواصل أو تقديم أي خدمة لوجستية لتنظيم “إرهابي” يعتبر مشاركة للتنظيم، وبالتالي تتم الملاحقة وفق القانون الجنائي الدولي على أن هذا الشخص يسهم في أعمال “إرهابية”.
وهو ما استند إليه القضاء الألماني، كون “لواء التوحيد” كان على تعاون مع فصيلين يعتبرهما القضاء من المنظمات “الإرهابية”، مثل “أحرار الشام” و”جبهة النصرة”، بحسب الكيلاني.
وتابع أن الإجراءات التي يمكن اتخاذها في هذا الوضع أن يثبت هؤلاء الأشخاص في فترة تعاون “اللواء” مع المنظمات المصنفة “إرهابية” لدى القضاء الألماني، أنهم لم يكونوا مع “لواء التوحيد”، وأن أعمالهم كانت سلمية لا علاقة لها بحمل السلاح والدعم العسكري وغيره.
شُكّل “لواء التوحيد” من توحيد مجموعة كتائب تابعة لـ”الجيش السوري الحر”، في 18 من تموز 2012، وقاتل ضد قوات النظام السوري في محافظة حلب، تحت قيادة عبد القادر الصالح.
وسيطر “اللواء” على حوالي 70% من مدينة حلب، قبل أن يستعيدها النظام بحملة عسكرية مكثفة وغطاء جوي روسي، أواخر عام 2016، ما تسبب بعشرات المجازر وتهجير السكان المحاصرين في أحياء المدينة الشرقية مع مقاتلي المعارضة إلى إدلب وريف حلب.