كيف يلغي الأسد “نقطة التقاء” للسوريين وراء المنتخب
يشهد الشارع السوري انقسامًا حيال تشجيع المنتخب والأندية المحلية، وسط استغلال سياسي لأي مناسبة رياضية.
ويعتبر مؤيدو النظام السوري وبعض المعارضين أن المنتخب يمثل السوريين جميعهم، متحدثين عن ضرورة فصل السياسة عن الرياضية، في حين يعتبر معارضون آخرون أن المنتخب يمثل النظام الذي يستغله سياسيًا، وأطلقوا عليه وصف “منتخب البراميل”، نسبة إلى البراميل المتفجرة التي تقصف بها قوات النظام مناطق سيطرة المعارضة منذ 2011.
خلال السنوات الماضية، لم تكن الرياضة في سوريا بعيدة عن ميدان السياسة، بل تحولت إلى أداة لتأكيد حضور النظام خارجيًا، رغم أنها بعيدة عن أولوياته، يعمقها ضيق مالي تشهده الأندية، واتهامات بـ”الفساد والواسطة” للمنظومة الرياضية ككل.
حالة الجدل والانقسام عادت مجددًا من بوابة بطولة أمم آسيا المقامة في قطر حاليًا، إذ ينتظر منتخب سوريا مباراته في دور الـ16 أمام إيران، في 31 من كانون الثاني.
وتأهل المنتخب من دور المجموعات كثالث للمجموعة، وبرصيده أربع نقاط، جمعها من فوز على الهند بهدف دون رد، وتعادل مع أوزبكستان سلبيًا، وخسارة من أستراليا بهدف دون رد.
الفوز فداء للأسد
بعد فوز المنتخب على الهند وضمانه التأهل، تداولت صفحات محلية تسجيلًا مصورًا للاعبين سوريين داخل حافلة، وهم يهتفون “بالروح بالدم نفديك يا بشار”، و”الله سوريا بشار وبس”، محتفلين بالتأهل.
هذا المشهد لم يكن جديدًا على السوريين، فقد شاهدوه في مناسبات رياضية مختلفة سواء عبر هتافات لبشار الأسد، أو رفع صوره أو إهدائه الفوز.
في حزيران 2018، توجّه حارس المنتخب إبراهيم عالمة، خلال مشاركته بمعسكر تدريبي في النمسا إلى مشجع يحمل علم الثورة السورية، وطالبه بإزالته وشتمه بعبارة “حيوان”، ليرد عليه الأخير بأنه ليس في سوريا، ولا يمكنه إجباره على إنزال العلم.
بعدها تدخل الكادر الفني للمنتخب من أجل إبعاد عالمة عن المشجع الموجود في المدرجات.
ويعد عالمة من أبرز الرياضيين المؤيدين للنظام السوري، وقد ظهر مسلحًا إلى جانب عناصر موالين في وقت سابق، وله تصريح مشهور عام 2018، قال فيه إن كلمة حافظ ابن بشار الأسد، أسهمت في رفع “الأدرينالين” لدى بقية اللاعبين، وتحفيزهم على بذل عطاء أكبر في المستطيل الأخضر.
وفي مؤتمر صحفي لمدرب المنتخب السابق فجر إبراهيم في 2015، قبل مواجهة مضيفه السنغافوري ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2018، ارتدى إبراهيم واللاعب أسامة أومري والإداري محمد بشار قميصًا عليه صورة الأسد.
وعند سؤاله عن سبب ذلك قال المدرب، إن “رئيسنا يتابع كل خطواتنا ويدعمنا، فنحن نلعب من أجل بلدنا ومن أجله أيضًا”.
رياضيون: منتخب لا يمثل سوريا
الملاكم السوري حيدر وردة ولاعب نادي الشرطة المركزي سابقًا، اعتبر أنه لا يمكن إلغاء السياسة عن الرياضة، وظهر عبر تسجيل مصور، قال إنه حين كان ضمن منتخب سوريا للملاكمة بداية الثورة، ألزم النظام أغلب الرياضيين من ألعاب قوة وملاكمة وكاراتيه بحمل السلاح ووضعهم على الحواجز العسكرية، وأجرموا بحق الشعب السوري.
لاعب نادي أمية لكرة القدم محمد حمادة، يرى أنه من المعيب الحديث عن منتخب يتبع للنظام وأداة ترويجية له في مناطق الشمال السوري، فقد عانت من ويلات النظام وقواته وحلفائه، معتبرًا أن المنتخب لا يمثل سوريا.
ويأمل اللاعب في حديثه لعنب بلدي أن ينظر الاتحاد الآسيوي والمعنيون بالشأن الرياضي إلى مناطق الشمال، وأخذها بعين الاعتبار إذ توجد أسماء رياضية تستحق أن تصل.
عبيدة بظاظ، لاعب نادي أمية، قال لعنب بلدي إن احتفالية اللاعبين كانت أشبه بمسيرة تأييدية لبشار الأسد، ما يعكس أنهم جنود “وشبيحة”، لافتًا إلى أن طريقة الاحتفال لا تعبر عن الفوز في منافسة رياضية، وأن سوريا أكبر من أن يمثلها فريق يهتف من أجل شخص دمّر البلد.
واعتبر عمران بيطار لاعب كرة قدم ضمن أكاديمية الأمل في إدلب، أن المنتخب لا يمثل السوريين، وأن اللاعبين يمثلون أنفسهم، وهو ضد تشجيعه، متسائلًا كيف يمكن لأشخاص أن يقدموا فوزهم لرئيس قتّل الشعب؟
قصي الحموي، لاعب نادي حمص العدية في إدلب، قال لعنب بلدي إن من يمجّد ويهتف لبشار الأسد لا يمكن أن يمثل السوريين، مع رفضه الكلي لتشجيع المنتخب تحت اسم سوريا.
مشجعون: منتخب وطن
إداري في نادي حطين (تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، قال لعنب بلدي إن فوز المنتخب أعطى فرحة للشارع السوري، وهي منتظرة منذ سنوات، لافتًا إلى أن الفريق الحالي يمثل وطنًا على الرغم من اختلاف المواقف من الجهات الحاكمة حاليًا.
رغم رفض الإداري إقحام السياسة في الرياضة، لا ينكر تدخلّها في سوريا وفي معظم دول العالم، موضحًا أنها باتت أداة لتثبيت استقرار الحكم، ومساحة لتنفيس غضب الشارع من حالة التضييق أو الكبت السياسي.
وأضاف أن الأزمات سواء المحلية أو الدولية كشفت ارتباط السياسة بالرياضة وازدواجية المعايير بشكل كبير، وأعطى مثالًا على ازدواجية تعامل الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم مع القضية الفلسطينية والأوكرانية (سماح التضامن وعدمه)، وازدواجية تعامل اتحادات رياضية مع رفع شعارات مناصرة لقضية ما.
الصحفي الرياضي السوري في قنوات “Bein Sports” مازن الريس، قال عبر تسجيل مصور، إنه مع المنتخب الحالي المنضبط البعيد عن أي حسابات سياسية، ووجّه كلامه إلى مؤيدي النظام ومعارضيه بالتوقف عن اتباع سياسة الإلغاء وتوزيع الوطنيات.
وذكر أنه ضد تصوير تسجيل الهتافات في الحافلة ونشره، مثله مثل أي تسجيل بعيد عن الرياضة، ودعا إلى البحث عن شيء يوحّد السوريين بدل البحث عن أشياء تفرق وتباعد بينهم.
الأسد يحسم الانقسام: قوات رديفة
في 23 من تشرين الأول 2017، استقبل الأسد لاعبي منتخب سوريا لكرة القدم، معتبرًا أنهم داخل الملعب قوات رديفة “للقوات المسلحة”، وقال حينها، إن “الفريق عندما كان يلعب، يفكر وهو يحاول أن يحقق إنجازًا أن يكون رديفًا ومكملًا لعمل القوات المسلحة”.
واستقبل الأسد اللاعبين حينها بعد أن وصل المنتخب إلى الملحق الآسيوي المؤهل لكأس العالم لأول مرة في تاريخه، لكن منتخب أستراليا حرمه من التأهل إلى الملحق العالمي بعد فوزه بهدفين مقابل هدف واحد.
وشهد المنتخب آنذاك حالة من الانقسام والتشجيع، تشابه الحالة الموجودة اليوم في أمم آسيا، لكن الأسد حسم هذا الانقسام بفرض سياسته بعد البطولة.
لاعب المنتخب عمر السومة (غير مستدعى حاليًا في أمم آسيا) توجّه حينها بالشكر للأسد، ووصفه بـ”راعي الرياضة والرياضيين”، في لقاء قناة “سما” الفضائية، وتبعها بشكر الأسد وشقيقه ماهر “لحرصهما على سلامة الوطن والمواطن”، عقب إطلاق سراح زميله في نادي الفتوة السابق، محمد كنيص، ثم تمنيه أن يكون ضابطًا في الجيش، لو لم يكن لاعب كرة قدم.
انتصار على “الإرهاب”
لم يعتد بشار الأسد أن يجتمع مع لاعبي أندية كرة القدم في سوريا لفوزهم ببطولة الدوري، إذ لم يقابل فريق تشرين الفائز بالبطولة في المواسم الثلاثة الماضية قبل عام 2023، أو فريق الجيش صاحب خمس نسخ متتالية قبل تشرين، ولا الوحدة ولا الشرطة ولا الكرامة.
في 7 من حزيران 2023، وبعد فوز نادي الفتوة ببطولة الدوري السوري، اعتبر بشار الأسد أن فرحة الفوز ليست رياضية أو كروية إنما “انتصارًا على الإرهاب”، وذلك بعد لقائه لاعبي وإدارة الفريق وتهنئتهم.
وقال خلال لقائه معهم إن الفرحة تمثل “انتصارًا للإرادة وهزيمة للظروف الصعبة”، ولذلك شاركتهم الفرحة جماهير الأندية حتى المنافسة، ونالوا احترام السوريين جميعًا وتقديره، وفق ما ذكرته صفحة “رئاسة الجمهورية“.
وأظهرت صور نشرتها صفحة “رئاسة الجمهورية” أن الأسد وقع باسمه على قميص أحد لاعبي نادي الفتوة.
الرياضة في قبضة السياسة
في بداية الثورة السورية حول النظام ملعبي “العباسيين” و”الجلاء” في دمشق، وملعب “الحمدانية” في حلب، وملاعب درعا ودير الزور، إلى مراكز اعتقال أو مهابط للطائرات المروحية.
تحوّل “العباسيين” إلى ثكنة عسكرية في حزيران 2012، وأدخل عليه مئات العناصر وعشرات الدبابات والآليات العسكرية، وأظهر تسجيل مصوّر نُشر في شباط 2018، تحويل أرضية الملعب إلى “دشم” ومتاريس، وتخريب مدرجاته وأسواره.
ويتجاوز عدد الضحايا من الرياضيين في سوريا أكثر من 400 رياضي، منذ انطلاقة الثورة في 2011، في حين لا يمكن إحصاء عدد المعتقلين الرياضيين، فبعضهم اعتقل وخرج، على اختلاف مدة احتجازه.
ومن أبرز الذين تمت تصفيتهم، إياد قويدر (لاعب نادي الوحدة)، وجهاد قصاب (لاعب نادي الكرامة)، ولؤي العمر (أحد نجوم نادي الكرامة في ثمانينيات القرن الماضي)، وزكريا يوسف (لاعب ناديي الاتحاد وأمية).
اقرأ أيضًا: أبناء اللعبة يعرّون منظومة كرة القدم في سوريا
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :