لمى قنوت
تروج إسرائيل والإعلام الداعم لها أن المشاركة الكثيفة للنساء في جيشها وأدوارهن القيادية القتالية هي مفخرة لها، وقد أدرجت أوساط مختلفة، بدءًا من الأوساط الليبرالية في دول الشمال العالمي وحتى أوساط اليمين الديني القومي المتشدد في الكيان الصهيوني، هذه المشاركات تحت “الأجندة النسوية”، واعتُبرت المقاتلات منهن رمزًا للتقدم والمساواة، حين يظهرن على أغلفة المجلات وفي نشرات الأخبار، ويسهمن في تحقيق الأمن، كما ورد بصحيفة “نيويورك تايمز” في 19 من كانون الثاني الحالي، التي احتفت بدور المقاتلات في تعزيز صورة جيش الإسرائيلي الذي أخفق عسكريًا واستخباراتيًا بعد 7 من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وبكلمات مقتضبة، تحدثت عن الفلسطينيين والفلسطينيات كضحايا: “قُتل أكثر من 24000 فلسطيني، جلهم من النساء والأطفال”، في صيغة يبدو القاتل فيها مجهول الهوية، ويُروج في أروقة اجتماعات “الناتو” أن جيش الاحتلال هو من أكثر الجيوش تقدمًا في “تسهيل المساواة ومنع التحرش الجنسي” و”تحقيق التكامل بين الجنسين” عن طريق، وبشكل خاص، الخدمة الإلزامية للنساء فيه.
وتتسم هذه الخطابات بأنها:
أولًا، تستخدم وتستغل قضايا النساء لدعم المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني والتطهير العرقي والإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين والفلسطينيات، وتبييض صورة وسمعة الكيان الصهيوني وداعميه.
ويعتبر هذا الاستخدام إحدى الأدوات المفضلة والمريحة للاحتلال وأنظمة الاستبداد وقوى وهياكل الهيمنة، ويتكئ هذا الاستخدام على النسوية الليبرالية البيضاء، التي تركز على العدد الكمي للنساء، وتحاجج بحيادية المؤسسات، وتستند إلى فكرة التغيير من داخل النظام (system)، فتطبّع معه وتبيّض صورته وتروج له. تُوصف عدستها بالعمياء تجاه اضطهاد النساء في الجنوب العالمي والملونات والواقعات تحت نير الاحتلال والاستبداد، فتشارك في اضطهادهن وتعمل مع الأنظمة التي تمثلها على نزع السياق السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني والتاريخي من قضايا النساء والحراك النسوي، بوصفه حراكًا تحريريًا ثوريًا مقاومًا للاستعمار والاستبداد بكل أشكاله وقوى الهيمنة والإخضاع، ويطلق على استغلال واستخدام قضايا النساء اسم “الغسيل البنفسجي”، كتكتيك تسويقي، تستخدمه دول ومؤسسات وزعماء، لتطمس جرائمها وانتهاكاتها بادعاءات عن “تمكين النساء”.
ثانيًا، في إطار مؤسسات الجيش، كالجيش الإسرائيلي بوصفه نموذجًا، وجيشًا له دولة وليس العكس، ويخضع للمحاكمة في محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، بنسائه ورجاله، فإن ادعاءات “النسوية الاستعمارية” وخطابها عن “المعايير التقدمية” في الجيش وسياسات تحقيق “المساواة”، تسقط حتى بالنسبة للصهيونيات أمام تشييء المجندات، واعتبارهن علامة تجارية لإسرائيل، ونشر صورهن خلال حملات عدة، أكثرها جدلًا حملة ترويجية نسقها مكتب القنصلية في نيويورك، من أجل تحسين صورتها في الخارج، وترويجًا للسياحة فيها، بمجلة “مكسيم” في صيف 2007، وهي مجلة تحدد هدفها في الشريط التعريفي لموقعها الإلكتروني على محركات البحث كالتالي: “تلبية احتياجات الرجل الحديث بمحتوى يَعِدُ بإغواء القراء وتسليتهم ومفاجأتهم باستمرار”، وتحت عنوان “نساء قوات الدفاع الإسرائيلي”، كانت العارضات في هذه الحملة مجندات سابقات، إحداهن قد توجت ملكة جمال قبل ذلك بثلاثة أعوام، وبالرغم من تقديمهن في الحملة كجنديات، لم يظهرن بلباس عسكري تقليدي، إنما ظهرن في أماكن عامة بملابس السباحة والكعب العالي أو بالملابس الداخلية وفوقها القميص الكاكي المفتوح بشكل كامل.
بدورها، صحيفة “نيويورك بوست” أعادت نشر صورة ملكة الجمال من حملة مجلة “مكسيم”، تحت عنوان “قطعة في الشرق الأوسط”، وهو لعب على الكلام، فبدل من أن تكتب الصحيفة “السلام في الشرق الأوسط”، أي “peace”، استبدلت بها كلمة “piece” أي قطعة، التي تحمل نفس اللفظ، وكأنها تقول إن العارضة/المجندة السابقة هي قطعة لحم لن يكون هناك سلام في المنطقة إلا عن طريق بندقيتها.
أما صحيفة “الجارديان“، وتحت عنوان “المجندات بملابسهن الداخلية: تعزيز صورة إسرائيل”، فقد أشارت إلى انتقاد نائبات في “الكنيست” وجهنها لوزارة الخارجية بسبب لجوئها إلى “المواد الإباحية للترويج لإسرائيل في الخارج” على ضوء الحملة، وفي ذات السياق عنونت “بي بي سي” مقالتها بـ”مجندات الجيش الإسرائيلي يتعرين لخدمة الوطن”.
تستمر آلية الترويج هذه إلى يومنا هذا، فتنتشر صور وفيديوهات لمجندات في قوات الاحتلال على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كثيف، أغلبهن يتصفن بمعاير جمال أوروبية، يستعرضنها كعارضات أزياء على “إنستجرام” أو يقمن بالرقص على صفحاتهن على منصة “تيك توك” حتى في وقت “الخدمة العسكرية” والإبادة الجماعية.
وكشف تقرير صادر عن مكتب “مراقب الدولة” في عام 2022 أن 25% من المجندات اللاتي يؤدين الخدمة الإلزامية تعرضن لانتهاكات جنسية، و70% من شكاوى التحرش الجنسي التي تم الإبلاغ عنها إما لم يتم التعامل معها على الإطلاق (26%)، أو لم يتم تناولها بشكل كافٍ (44%).
ثالثًا، تدعم سُعَار العسكرة والإنفاق العسكري، والترويج للسلاح بعد “اختباره في ساحة المعركة” واستخدامه في قتل المدنيين، ويسوق جيش الاحتلال لنفسه “كقوة عظمى ذات تكنولوجيا عالية”، وتسعى شركات السلاح الإسرائيلية لزيادة مبيعاتها بعد تدمير غير مسبوق في التاريخ الحديث لقطاع غزة وسكانه.
ختامًا، إن حملات التضليل التي ينشرها الاحتلال الصهيوني وجيشه، بنسائه ورجاله وداعميه، ساقطة أمام حقيقة جرائمه المتواصلة، ولا يمكنها التلطي خلف شعارات التمكين والمساواة، فمجندات الاحتلال هن أولًا وأخيرًا جزء من جريمة إبادة جماعية مستمرة بحق الشعب الفلسطيني.