عنب بلدي – براءة خطاب
ألقت ظروف الحرب بظلالها على حياة السوريين، ودفعت الملايين منهم للجوء إلى دول مختلفة، ما أدى إلى تغيير بعض العادات والتقاليد، ومنها مراسم الخطبة التي تبقى رهينة هاجسي النجاح والفشل.
الخطبة كطقس اجتماعي ما قبل 2011 في سوريا، تخضع في غالبية الحالات لعادات وتقاليد وأعراف شائعة بين أبناء المجتمع الواحد بشكل أساسي، وهي رحلة مكلفة وقد لا تكون قصيرة، وتختلف من منطقة لأخرى.
الطريقة التقليدية يقع فيها اختيار العروس على عاتق والدة العريس، فتبدأ مع بناتها البحث عن الزوجة المناسبة للابن الراغب بالزواج، وفق معايير اجتماعية وجمالية وأخلاقية معينة، ويمكن أن تكون الشابة (العروس) من العائلات المقرّبة والمعروفة في نفس المنطقة، مع استبعاد التفكير بتزويج الابن شابة من مدينة أو محافظة أخرى، ما لم تكن هناك صلة عائلية بين الطرفين.
تسأل الأم عن الشابة بالتفاصيل الدقيقة، وبعد التوصل لخيار مقبول أو مقنع، تأخذ الصورة إلى الابن ليراها ويقدم رأيه، مع توضيحات حول الشخصية يتلقاها من الأم التي أجرت تقييمها، وربما أكثر من تقييم قبل الوصول للصورة.
الخطوات اللاحقة قد لا تواجه باعتراض الابن، لا سيما مع اقتناع الأم، فالمعايير التي وافقت عليها الأم هي الأنسب، وكانت هذه الطريقة التقليدية للتعارف والخطبة قديمًا.
عادات الخطبة التي كانت متبعة في المجتمع السوري بدأت تتغير تدريجيًا، منذ عام 2011، الذي شكّل بوابة خروج كبير ومستمر للسوريين من بلدهم إلى مختلف دول العالم، وعلى وجه خاص، دول الجوار، والاتحاد الأوروبي، أفرادًا وعائلات، ما كوّن حالة من الشتات العائلي الذي نثر أفراد العائلة الواحدة في عدة دول أحيانًا.
هذه العوامل قلّصت الروابط الاجتماعية، لتحل محلها غربة على أكثر من مستوى، ما دفع نحو أساليب جديدة تتماشى مع الواقع الجديد، فالشاب قد لا يكون محاطًا ببيئة تعليمية أو عملية تخوّله تولي المهمة عن والدته، ما عزز حضور القديم، لكن بأسلوب أكثر حداثة، فتحاول بعض العائلات اللجوء لطرق أخرى بحثًا عن شريكة الحياة المناسبة للشاب المقبل على الزواج، ضمن الدولة التي يسكن فيها، لتفادي الوقوع في دوامة “لم الشمل”، التي قد لا تنتهي بوقت قصير.
نوادٍ للتعارف
بشيرة حليمية، سيدة سورية لاجئة في ألمانيا مع عائلتها، وتنحدر من مدينة دمشق، قررت البحث عن عروس لابنها محمد (37 عامًا).
اتبعت بشيرة عدة طرق على أمل إيجاد شابة مناسبة لابنها، منها التواصل مع الأصدقاء والأقارب في ألمانيا، لكنها لم تجدِ نفعًا.
وقالت بشيرة لعنب بلدي، “أخبرتني صديقتي في ألمانيا عن نوادٍ للسيدات يجتمعن فيها أسبوعيًا ضمن الولاية المقيمة فيها، بغرض التعارف بين العائلات العربية، ومنها السوريون”.
انضمت بشيرة إلى النادي، وأصبحت ترتاده أسبوعيًا مع ابنتها، وبعد مرور حوالي خمسة أشهر، تعرفت إلى امرأة لديها أربع بنات، وبعد تعارف العائلتين خطبت بشيرة إحداهن لابنها.
بشيرة أوضحت لعنب بلدي أن الخطبة سابقًا لم تكن على هذا النحو، لكن ظروف الحرب قادتنا لتغيير كثير من العادات، منها طريقة البحث عن شابة للخطبة، وهو أمر في غاية الصعوبة بالمغترب.
عبر “مجموعات” أو الأصدقاء
بالرغم من الشكوك في نجاح العلاقات التي تتكون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يحظى بعض الأشخاص بتجربة ممتازة قد تنتهي بعلاقات ناجحة، أو تجربة قد لا تكون نهايتها سعيدة، قرر أوس خوض هذه التجربة بعد عدة محاولات من والدته لإقناعه بالخطبة من شابة من مدينته درعا.
ويعد العثور على شريك الحياة المناسب لدى السوريين اللاجئين من التحديات التي تواجههم، خاصة مع غياب الأهل، الذين يتولون عادة رعاية حدث اجتماعي بهذا الحجم.
لم يكن قرار الخطبة سهلًا بالنسبة لأوس الدهني (28 عامًا)، شاب سوري مقيم في بلجيكا منذ سبع سنوات، بسبب صعوبة البحث عن شابة في محيطه كونه يعيش بمفرده، وعائلته في مدينة درعا.
وطوال سنوات، حاول أوس العثور على “الشابة المناسبة”، ولم تساعده محدودية العلاقات وقلة عدد السوريين في محطيه بالتعرف إلى الشريكة المنشودة.
أوس قال لعنب بلدي، إن والدته تحدثت معه كثيرًا لتبحث له عن شابة من مدينته، لكنه كان يقابل طلبها بالرفض في كل مرة، لأنه لا يريد الدخول في دوامة “لم الشمل” التي تستغرق غالبًا نحو سنتين على حد قوله.
وتابع، “منذ نحو سنة ونصف، أخبرني أحد أصدقائي عن مجموعات للبحث عن زوج أو زوجة للسوريين في أوروبا، وطلب مني أن أنضم إلى إحداها ومتابعة ما ينشر فيها، علّه يساعدني بإيجاد شابة مناسبة”.
وعلى مدار سنوات، نشطت فكرة إنشاء صفحات ومواقع إلكترونية ومجموعات للتعارف بين اللاجئين في أوروبا، لكن أوس يرى أن هذه الطرق غير مجدية للتعرف إلى شابة للزواج.
لم يرَ أوس خيار المجموعات جيدًا، ورد على كلام صديقه باستهزاء قائلًا، إنها عبارة عن نصب واحتيال.
“لكن محاولات أمي وعدم استسلامها أجبرتني على الدخول لإحدى المجموعات باسم مستعار، وبعد مرور نحو شهرين، لفت نظري منشور لشابة تبحث عن زوجة لشقيقها في فرنسا، دفعني الفضول للدخول إلى صفحتها الشخصية، لأتفاجأ أن الشابة أخت صديقي المقيم في فرنسا”.
وبعد مرور نحو أسبوع تحدث أوس مع عائلته وأخبرهم بشأن الشابة، وقرروا التواصل مع العائلة لطلبها، وأقيم العرس منذ نحو خمسة أشهر بعد موافقة الطرفين، دون حضور أهل العريس.
قصة أوس ليست حالة استثنائية بين الشباب السوريين في دول اللجوء، حيث فرضت الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد متغيّرات كبرى أدت إلى تبدل العادات والتقاليد التي لازمت المجتمع السوري، خاصة في مسألة الخطبة والزواج.
ميادة شعار، من مدينة إدلب تقيم بمدينة اسكندرون في تركيا، قالت لعنب بلدي، إن والدة صديقها الذي يقطن في نفس المدينة اتصلت بها، وطلبت مساعدتها في البحث عن زوجة لابنها.
وأضافت أن عائلة الشاب تقيم بمدينة جبلة في سوريا، ورأت الأم أن البحث عن شابة في نفس المدينة التي يعمل بها الشاب لا تستهلك وقتًا طويلًا، ولا تحتاج أيضًا إلى كثير من المال، في سبيل إخراج الشابة من سوريا مثلًا عن طريق التهريب.
وكانت ميادة في ذلك الوقت مشرفة في مجموعة “شباب وصبايا للزواج” في “واتساب”، وتواصلت مع إحدى الموجودات في “المجموعة”، وهي أم لشابة في سن الزواج من مدينة معرة النعمان في إدلب، تحدثت معها وطلبت مقابلتها، وأخبرتها بمواصفات الشاب وعمله وعائلته، ووافقت الأم أن يتعارف الطرفان وحددت يومًا لزيارتهم.
وبعد الزيارة الأولى للشاب وميادة لأهل الشابة، تمت الموافقة وتواصلت العائلتان واتفقتا على تفاصيل الزواج.
ولم يتوقف دور ميادة هنا، إذ تبحث في الوقت الحالي عن شابة لابن أختها المقيم في أنطاليا وعائلته في سوريا، وترى أن الخطبة تختلف حاليًا عن الماضي، فالعائلات بدأت بكسر العادات والتقاليد في ظل ظروف فُرضت عليهم كان لا بد من التأقلم معها.