يامن المغربي | فاطمة المحمد | ريم حمود | براءة خطاب
آلاف السوريين يعدّون العدّة، يبيعون ما يمكن بيعه، يستدينون ويجمعون مالًا يكفي للوصول إلى مستقبل أفضل على الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط، وشواطئ القارة الأوروبية، بحثًا عن أمل يعيد لهم ما تبقى من الحياة.
لكن هذه الرغبة اصطدمت بقرارات الاتحاد الأوروبي الخاصة باستقبال اللاجئين، تحديدًا من يصل بطريقة “غير شرعية”، سواء عبر الاتفاق الذي أعلنه البرلمان الأوروبي في 20 من كانون الأول 2023، أو القوانين الوطنية لدول الاتحاد بهذا الصدد والصادرة العام الماضي.
وتأتي هذه القرارات المتتالية في ظل صعود لافت للتيار اليميني على الصعيد السياسي، أفضى لضمان مشاركته في البرلمانات والحكومات الائتلافية الأوروبية، بالتزامن مع انتشار المخاوف من أزمة اقتصادية في أوروبا، وازدياد أعداد السوريين الراغبين باللجوء، سواء من دول جوار سوريا (تركيا، لبنان، العراق، الأردن)، أو من داخل البلاد نفسها، ومن مختلف مناطق السيطرة على امتداد الجغرافيا السورية.
أضرار القرارات الأوروبية الأخيرة تضع السوريين في مأزق، إذ إن تراجع الخيارات وهوامش التحرك وصولًا إلى حياة أفضل لا يقل خطورة عن استمرار الوضع السوري على ما هو عليه، دون أفق لحل سياسي واستمرار الأزمة الاقتصادية، وغياب الأمن في البلاد، حتى وإن تراجعت العمليات العسكرية إلى حدها الأدنى منذ سنوات.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف أسباب التحركات الأوروبية بما يخص ملف استقبال طالبي اللجوء، وعلاقتها بالأزمة الاقتصادية وصعود تيار اليمين، وتوضح من تستهدف هذه القوانين.
كما تجري مقابلات مع سوريين اتخذوا قرارات مختلفة بعد القوانين الأخيرة من عدة مناطق داخل وخارج سوريا.
ما القانون ومن يستهدف؟
بعد ثلاث سنوات من مفاوضات جرت بين دول الاتحاد الأوروبي، وقبل أشهر من انتخابات البرلمان الأوروبي التي تجري في حزيران المقبل، توصلت دول الاتحاد الأوروبي لاتفاق حول سياسة الهجرة، في كانون الأول 2023.
يسعى القادة الأوروبيون من خلال الاتفاق لتنظيم وتحديد حقوق وواجبات اللاجئين والمهاجرين، وتحقيق توازن بين استقبال الأفراد الهاربين من الأوضاع الصعبة والحفاظ على استقرار وأمان الدول الأعضاء.
القانون الذي نشره البرلمان الأوروبي عبر موقعه الرسمي، قال إنه يستهدف “وضع قواعد موحدة بما يتعلق بتحديد هوية المواطنين من خارج الاتحاد لدى وصولهم”، أي أن أول بنوده يستهدف الراغبين باللجوء إلى الدول الأوروبية ولم يصلوا بعد، وتتضح هذه النقطة من خلال ما ذكره في شرحه للقانون بقوله، إنه “يقدّم بعدًا خارجيًا لإدارة الهجرة”، حتى يتمكن الاتحاد من متابعة عمله مع الدول الثالثة.
كما يمنح القانون دول الاتحاد حق الاختيار بين استقبال طالبي لجوء جدد، أو تقديم مساهمات مالية لهم، وإجراء فحوصات للأشخاص غير المستوفين لشروطها، بما في ذلك تحديد الهوية والفحوصات الصحية والأمنية لمدة تصل إلى سبعة أيام، فيما تصل مدة معالجة طلبات اللجوء إلى ستة أشهر، مع مدة زمنية أقصر للطلبات غير المقبولة.
وما زال ينبغي أن يحصل هذا الاتفاق السياسي الذي يستهدف المهاجرين على موافقة كل الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي رسميًا.
وارتفعت نسبة حركة الهجرة غير الشرعية مؤخرًا، ومعها ينشط عمل المهربين بمختلف الطرق مقابل مبالغ مرتفعة، خصوصًا أن اللاجئين يحاولون الوصول إلى أوروبا برًا، وسط المخاوف من حالات الغرق في البحر.
وتصل هذه المبالغ إلى آلاف الدولارات، وتعتمد على طرق مختلفة منها التهريب عبر الشاحنات، لكن هذه الرحلات تعد الملاذ الوحيد بالنسبة لبعض الشباب، بحسب ما قاله بعضهم لعنب بلدي.
وتبلغ تكلفة هذه الرحلات من تركيا إلى صربيا عن طريق اليونان 4500 يورو تقريبًا، ومن صربيا الى ألمانيا 2500 يورو.
المتحدثة الإقليمية لأوروبا، لويز دونوفان، قالت لعنب بلدي عبر مراسلة إلكترونية، إن الميثاق يتمتع بالقدرة على ضمان احترام الحقوق الأساسية، بما في ذلك الوصول إلى الأراضي واللجوء في الاتحاد الأوروبي، إذا نفذ مع ضمانات كافية.
نجاح الميثاق مشروط أيضًا بتنفيذه المراعي للحماية، ومواصلة المفوضية السامية لحقوق اللاجئين دعوة الاتحاد الأوروبي إلى ضمان تطبيق جميع الضمانات ودعم الحق في اللجوء، وفقًا للويزة دونوفان.
وبعد الاعتماد الرسمي لميثاق الهجرة واللجوء، ستقدم المفوضية الدعم بشأن إنشاء خطة تنفيذ تعاونية تتمحور حول الحماية، وتصلح للنازحين قسرًا وللدول على حد سواء، بحسب المتحدثة الإقليمية لأوروبا.
وأدانت منظمة العفو الدولية الاتفاق الأوروبي الجديد، وقالت في بيان لها، إنه سيؤدي إلى زيادة معاناة طالبي اللجوء في كل خطوة من رحلتهم.
وأوضحت أن الاتفاق يهدف إلى إضعاف حقوق طالبي اللجوء والمهاجرين، وسيؤدي إلى مزيد من احتجاز اللاجئين على الحدود مع دعم محدود للدول الحدودية، وتعليق تسجيل الطلبات لمدة تصل إلى شهر كامل، وبضمانات أقل.
القوانين الوطنية تضيق الخناق
بالتزامن مع القانون الموحد الذي أعلنه البرلمان الأوروبي، اتخذت عدة دول أوروبية خطوات ضمن قوانينها الوطنية للحد من وصول اللاجئين إلى أراضيها، وتحديدًا الدول التي تعد “جاذبة للاجئين”، والتي وقعت ما بين مصالحها الاستراتيجية الاقتصادية المتعلقة باستقبال اللاجئين لضمان اليد العاملة، وبين صعود اليمين وأحزابه، وتحديدًا في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
“ضوابط” في ألمانيا
في تشرين الأول 2023، وافق مجلس الوزراء الألماني على مشروع يهدف إلى تسهيل عمليات ترحيل طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية (dpa).
والهدف الرئيس لمشروع القانون، الذي قدمته وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، تقليل عدد عمليات الترحيل التي تفشل في اللحظة الأخيرة.
وفي نهاية أيلول 2023، أعلنت الوزيرة فيزر أن بلادها ستفرض ضوابط جديدة على الحدود مع بولندا وجمهورية التشيك بعد ارتفاع طلبات اللجوء.
وقالت في حديث نقلته وكالة “رويترز”، “إن لم ننجح في حماية الحدود الخارجية بشكل أفضل، فإن الحدود المفتوحة داخل الاتحاد الأوروبي معرضة للخطر”.
فرنسا.. قانون لـ”السيطرة” على الهجرة
أقر البرلمان الفرنسي، في كانون الأول 2023، مشروع قانون يهدف للسيطرة على الهجرة وتحسين الاندماج.
وتضمن المشروع تعديلات عديدة على شروط الإقامة والحصول على الجنسية ولم الشمل، وقيودًا على المساعدة الطبية المقدمة للاجئين، وغيرها من المواد الأخرى، وفقًا لما نشره مجلس الشيوخ الفرنسي.
وشدد المجلس على شروط الوصول إلى لم شمل الأسرة بتمديد مدة الإقامة المفروضة على المقيم في فرنسا من 18 إلى 24 شهرًا، وللحد من إمكانياتها اقترح إلغاء إمكانية إحضار اللاجئ إخوته وأخواته إلى فرنسا.
وتعهّد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، باتباع “مسار جديد” للعام 2024، “على أمل بث الحياة في فترة ولايته الثانية التي تمتد لخمس سنوات”، خصوصًا عبر طي صفحة قانون الهجرة الذي أثار أزمة سياسية داخل حزبه”.
بريطانيا قوانين لـ”خفض” المهاجرين
أعلنت الحكومة البريطانية عن إجراءات جديدة لخفض عدد الأشخاص الذين سيأتون في السنوات المقبلة إلى بريطانيا، ورفع الحد الأدنى للأجور الذي يجب على المهاجر تقاضيه للحصول على تأشيرة للعمال المهرة، بحسب ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في كانون الأول 2023.
وحدد وزير الداخلية البريطاني، جيمس كليفرلي، خلال اجتماع مع مجلس النواب، خمس نقاط للحد من الهجرة القانونية، وستدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من ربيع العام المقبل.
وتضمنت الخطوات رفع الحد الأدنى للأجور المطلوبة للعمال المهرة من 26200 جنيه إسترليني إلى 38700 جنيه سنويًا، وهو الحد المطلوب أيضًا ليتمكن المهاجر من استخراج تأشيرة عائلية.
ومن ضمن الخطوات التي أعلن عنها، منع جلب العاملين في المجال الصحي والرعاية للمُعالين من عائلاتهم، وإلغاء القاعدة التي تسمح لأصحاب العمل في القطاعات التي تعد ضمن “قائمة النقص في المهن” بدفع أجور للعمالة المهاجرة أقل بـ20% من مواطني المملكة المتحدة.
وابتداء من كانون الثاني الحالي، لم يعد يتمكن طلاب الدراسات العليا الأجانب من إحضار أفراد عائلاتهم إلى المملكة المتحدة.
ضوابط حدودية من دول الاتحاد
يتعامل الاتحاد الأوروبي مع زيادة في أعداد المهاجرين الذين يصلون بشكل قانوني وغير قانوني، ما دفع بعض الدول الأعضاء إلى إعادة فرض الضوابط على الحدود بشكل مؤقت داخل ما يعتبر عادة منطقة لـ”حرية الحركة”، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز”.
وأعادت بعض الدول فرض ضوابط أكثر صرامة على حدودها، ودخلت النمسا عمليات تفتيش على حدودها مع جمهورية التشيك في تشرين الأول 2023، ومن المقرر أن تستمر حتى 16 من شباط 2024.
واعتبارًا من تشرين الثاني 2023، مددت النمسا مراقبة الحدود مع سلوفينيا والمجر حتى أيار 2024، ومع سلوفاكيا من كانون الأول 2023 حتى 3 من شباط 2024، مشيرة إلى الضغط على نظام استقبال اللجوء، وتهريب البشر.
وأعادت إيطاليا عمليات تفتيش الشرطة على حدودها البرية مع سلوفينيا في 21 من تشرين الأول 2023، وقال وزير الداخلية، ماتيو بيانتيدوسي، إن من المرجح أن يتم تمديدها إلى العام المقبل.
بين السياسة والاقتصاد.. لماذا ترفض أوروبا اللاجئين؟
القرارات الأوروبية المتتالية منذ 2023، تأتي في ظل حاجة ماسة للدول الأوروبية إلى الأيدي العاملة، إذ إنها تخسر مليون عامل سنويًا، وفق مفوضة الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي، إيلفا جوهانسون.
وفي تصريحات نقلتها وكالة “أسوشيتد برس“، في 8 من كانون الثاني الحالي، قالت جوهانسون، إن على دول الاتحاد مواجهة تحديات سياسية صعبة للتعامل مع الشيخوخة.
هذه الحاجة تعكس صعوبة التزام الدول الأوروبية بقراراتها المتتالية فيما يخص ملف اللاجئين والمهاجرين، وكذلك ارتباطها بصعود تيار اليمين في أوروبا، التي شهدت ارتفاعًا في حدة وصيغة الخطاب ضد القادمين الجدد، على المستويين السياسي والشعبي.
جوهانسون ربطت في تصريحاتها ارتفاع نسبة “الكراهية” بوصول المهاجرين “بطريقة غير شرعية”.
وجهان للأزمة الاقتصادية
هناك وجهان للأزمة الاقتصادية في أوروبا وعلاقتها بملف اللاجئين، وكلا الوجهين يدفع أوروبا لاتخاذ قرارات مختلفة بما يخص هذا الملف.
الوجه الأول هو ما أشارت إليه جوهانسون، والمتعلق بفقدان اليد العاملة، إذ نقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن وكالة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي (يوروسات) قولها، إن نسبة السكان ممن ستبلغ أعمارهم 65 عامًا سترتفع من 21.1% في عام 2022، إلى 31.3% مع نهاية القرن الحالي.
وفي تقرير نشرته مجلة “الإيكونوميست” في 15 من حزيران 2023، تحتاج أسواق العمل المزدهرة إلى المهاجرين، سواء وصلوا بطريقة قانونية أم لا.
ويبدو أن الحكومات الأوروبية تحاول التغطية على المشكلات الاقتصادية الناتجة عن ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم وغيرها، عبر إلصاق الأمر بأعداد اللاجئين المرتفعة.
ونشرت صحيفة “فاينانشال تايمز” تقريرًا، في 11 من كانون الثاني الحالي، قالت فيه، إن الدول الغنية استخدمت التضليل لفترة طويلة، إذ إنها تظهر عداءها للمهاجرين علنًا وتقبل بهم سرًا، لاستدامة وجود الأيدي العاملة.
وأضافت أن هذا النظام بدأ يتغير، في ظل مواجهة هذه الحكومات لمشكلة مكوّنة من ثلاث نقاط، فيجب عليها احترام حقوق الإنسان وأن تحافظ على الانفتاح الاقتصادي، وتلبية رغبات مواطنيها بإيقاف الهجرة في الوقت نفسه، وهو ما يعني أن السياسيين سيضيقون الخناق على الهجرة عبر “استعراض سياسي يخفي الحقيقة”.
وسبق أن عبر عدد من السياسيين الأوروبيين، ومنهم المستشار الألماني، أولاف شولتز، عن وجوب تخفيف مغريات الهجرة لأوروبا، أو تحويل هذه البلاد إلى “بلاد غير جاذبة للجوء”، أي تخفيف كل المزايا الممنوحة للاجئين، بحيث تجعلهم أقل رغبة بالذهاب إلى أوروبا، وذلك عبر تخفيف المعونات المالية والخدمات الصحية وإطالة إصدار قرارات قبول الطلبات.
اليمين المتطرف على رأس المخاوف
شهدت السنوات الأخيرة صعودًا لافتًا لأحزاب اليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية، ووصل بعضها إلى الحكم عبر حكومات ائتلافية، كما في إيطاليا وهولندا، في حين يستمر حزب “البديل لأجل ألمانيا” بتحقيق المكاسب بشكل مطّرد.
ترفع هذه الأحزاب شعارًا واحدًا تقريبًا ومتشابهًا، اللاجئون السبب الأول لانهيار الاقتصاد في البلاد الأوروبية، مع التحذيرات من الاختلاف الثقافي والديني والعرقي، ما يعني تغييرًا ديموغرافيًا في الاتحاد.
وفق تقرير نشره موقع معهد “كارنيغي” لأبحاث السلام، في 18 من كانون الثاني الحالي، فإن حزب “البديل لأجل ألمانيا” يعد الأقوى في ثلاث ولايات ألمانية، قبل أشهر من الانتخابات العامة المقبلة.
وأضاف أن الحزب، وبرغم أنه حزب عنصري ومعادٍ للديمقراطية، فإن الصراع معه سيدوم طويلًا، مشيرًا إلى دول أخرى تحتل فيها أحزاب مشابهة مراتب متقدمة، كما هولندا والمجر.
تستخدم هذه الأحزاب الشعارات المتطرفة والشعبوية والشعارات القومية، وأحد هذه الشعارات هو ما يتعلق بمناهضة اللاجئين.
وفق “كارنيغي”، فإنه لا يمكن احتواء الوجود الدائم لليمين المتطرف على الساحة السياسية في مختلف دول الاتحاد الأوروبي، إلا إذا عولجت الأسباب الأساسية لصعوده بشكل فعّال، وهذه الأسباب هي المخاوف بشأن الهجرة، وعدم الرضا عن الفساد والأزمات الاقتصادية.
وقال تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز”، في 24 من تشرين الثاني 2023، إن ما يميز أوروبا هي حريتها وسيادة القانون والتسامح وحقوق الإنسان، وهو ما يجعلها ملاذًا لطالبي اللجوء، لكن القارة الأوروبية اليوم “تنتهك هذه القيم بنفسها”.
استشاري الاندماج في قوانين اللجوء، فادي موصلي، قال لعنب بلدي، إن صعود اليمين المتطرف يلعب دورًا مهمًا في ازدياد وتيرة الخطابات المناهضة للاجئين عبر الضغط، إذ يعتمد اليمين بشكل أساسي على “تضخيم” أخطاء بعض اللاجئين.
وأوضح أن معظم القرارات التي تصدر لا تنفذ على أرض الواقع، وتكون شبيهة بـ”القنبلة الإعلامية”، لإظهار أن اليمين المتطرف يعمل على تخفيف وجود المهاجرين وضبط الحدود.
سوريون تحدثوا لعنب بلدي.. غيرنا المسار
ما نُشر حول قرار البرلمان الأوروبي أو القرارات الأوروبية الوطنية الخاصة بدول الاتحاد، وبالتالي مضمون القرارات، يستهدف في جزء منه من يفكر بالهجرة قبل القيام بها، وهو ما يدفع بمن ينوون الهجرة واللجوء، وبينهم سوريون لاجئون في دول الجوار أو أشخاص يقيمون بالداخل السوري، لإعادة التفكير بالخطوة.
تواصلت عنب بلدي مع لاجئين سوريين في دول الجوار، لمعرفة وجهات نظرهم وتأثير القرارات الصادرة، وكيف أثرت على قراراتهم ورغبتهم باللجوء إلى أوروبا.
اختلاف بالخطط
هاني، لاجئ سوري يقيم في العاصمة اللبنانية بيروت منذ عام 2013، حاول الهجرة إلى أوروبا عبر البحر بطريقة “غير قانونية” مرات عدة، لكنه تراجع عن القرار في اللحظة الأخيرة.
هاني (الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية)، المنحدر من قلعة المضيق في مدينة حماة، قال لعنب بلدي، إن مخاوفه ازدادت بناء على ما يتابعه من قرارات أوروبية صادرة وشهادات أصدقائه الذين وصلوا إلى أوروبا قبل عدة أشهر، والإجراءات التي تستغرق مدة طويلة للحصول على حق اللجوء أو رفض الطلب المقدم.
قناعة الشاب، البالغ من العمر 24 عامًا، بإمكانية أن تصدر قرارات جديدة قد تلغي حقوقه كطالب لجوء، تعززت بعد اتفاق قانون الهجرة واللجوء، معتبرًا أن ما قد ينتظره في دول الاتحاد الأوروبي لا يستحق المخاطرة بحياته عبر رحلة في البحر.
وفي حين أدت القرارات الأخيرة لدفع هاني للتردد، ازداد إصرار محمد، المقيم في مدينة اسطنبول التركية منذ 12 عامًا، على الرحيل إلى أوروبا، ووفق ما قاله لعنب بلدي، لن يكون الوضع في أي دولة أوروبية أسوأ مما يعانيه في تركيا، خاصة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الحالية، بحسب رأيه.
فقدان حق الاختيار
مدير المنظمة العربية الأوروبية لحقوق الإنسان في ألمانيا، محمد كاظم هنداوي، قال لعنب بلدي، إن سياسات الهجرة واللجوء تختلف بين دولة وأخرى، حسب سياسة كل بلد والقوانين الخاصة فيه، أما بالنسبة لاتفاق الهجرة الجديد فهو يشمل المهاجرين غير الشرعيين.
وأضاف هنداوي أنه لم يتم الوصول إلى آلية لتطبيق اتفاق الهجرة واللجوء، ولكنه من ناحية التنفيذ يُعتبر قانونيًا “لا غبار عليه”، خصوصًا مع وجود دراسة ستجري لملفات المهاجرين.
“كل قانون سيصدر يُعرض على السلطة القضائية التي بدورها تبت في مدى تناسبه مع القوانين والأعراف الدولية”.
محمد كاظم هنداوي
مدير المنظمة العربية الأوروبية لحقوق الإنسان في ألمانيا
طالبو اللجوء ليسوا أفضل حالًا
لا يبدو أن القرارات الأوروبية الأخيرة، سواء القانون الموحد أم القوانين الوطنية للدول الأوروبية، تؤثر على من يفكر بالهجرة فقط، إذ يعاني عديد من طالبي اللجوء السوريين في دول الاتحاد الأوروبي فترات انتظار طويلة لقبول طلباتهم، ومنهم طالب اللجوء السوري معاذ خربطلي، إذ لا يزال ينتظر الموافقة على طلب لجوئه منذ عام وستة أشهر في هولندا.
مخاوف معاذ من رفض ملفه تزداد مع صدور قرارات جديدة وصعود اليمين المتطرف، وعدم إجراء مقابلات أو منح معلومات عن سير ملفه المقدم منذ نحو عام ونصف، دون تحركات أو نتيجة، وفق حديثه لعنب بلدي.
معاذ خربطلي، المنحدر من الغوطة الشرقية بريف دمشق، ويبلغ من العمر 26 عامًا، قال لعنب بلدي، إن معاملة الموظفين عند محاولة الاستفسار عن وضع الملف تزداد سوءًا مع الأيام.
سوريون داخل سوريا
القرار الذي أصدره البرلمان الأوروبي، والقرارات الوطنية الأخرى، لا تدفع السوريين الموجودين في دول الجوار فقط إلى مراجعة حساباتهم قبل التوجه إلى أوروبا، بل من هم أيضًا داخل سوريا الذين يعيشون ظروفًا أكثر قسوة وحياة أصعب.
في حزيران 2023، كشفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن قرابة 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وما يزيد على 15 مليون سوري بحاجة إلى المساعدات الإنسانية.
فيما يواجه السوريون الصراع داخل البلاد والتضخم الاقتصادي والركود وانهيار خدمات الصحة العامة وتدمير المنازل، وخطر تعطل البنى التحتية الحيوية، بحسب بيان للجنة، وتعيش سوريا أكبر أزمة نزوح في العالم، إذ هناك 6.8 مليون سوري نازح قسرًا، بحسب أحدث إحصائية تابعة للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في 20 من تشرين الثاني 2023.
وترك زلزال شباط 2023 أثره على حوالي 8.8 مليون شخص داخل سوريا، وأدى إلى تضرر البنية التحتية وتدمير المنازل.
وفي بلدان الجوار وتركيا، يوجد 5.2 مليون لاجئ سوري، بحسب مفوضية اللاجئين.
ربيع (24 عامًا)، وهو شاب وحيد لعائلته من مدينة درعا، قال لعنب بلدي، إن تفكيره خلال السنوات الثلاث الماضية كان محصورًا بجمع الأموال للهجرة، إذ قارب على الانتهاء من جمع المبلغ المطلوب للهجرة.
ذكر ربيع أن أصدقاءه الذين هاجروا واستقروا في ألمانيا أخبروه عن إيجابية العمل في ذلك البلد، وأجرة العمل المرتفعة، إذ تفوق الأجرة اليومية فيه للعامل راتب الموظف خلال شهر كامل في سوريا، على حد قوله.
أصيبت والدة ربيع بمرض، ما جعله يؤجل فكرة السفر بشكل مؤقت إلى أن تشفى، ليقرر الهجرة في صيف 2024.
أضاف أنه في الأشهر الأربعة الأخيرة، كان يتابع سلسلة القرارات التي أقرتها دول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بسياسة الهجرة، إضافة إلى حديث أصدقائه عن إجبار عديد من السوريين على الرجوع إلى الدولة التي “بصموا” (سجلوا الدخول) فيها مثل إيطاليا.
مؤخرًا، أثار انتشار الأخبار المتعلقة بوضع اللاجئين داخل مراكز الاستقبال، وعدم السماح لهم بالاندماج بالمجتمع أو العمل، مخاوف لدى ربيع من الإقدام على الهجرة، وصولًا إلى إلغاء الفكرة.
وزاد إصرار ربيع على إلغاء فكرة الهجرة بعد أن فقد صديقه أرسلان في أثناء محاولته الهجرة بطريقة غير شرعية عبر السواحل الليبية، ولم يعلم ما إذ كان صديقه قد غرق أو أنه مسجون في مكان ما.
وقرر السفر عوضًا عن أوروبا إلى دولة الإمارات، معللًا بأنها تبقى أفضل من المغامرة عبر البحر، وتعرضه لخسارة مبالغ طائلة، فالهجرة لم تعد سهلة كما كانت سابقًا، حسب قوله.
“هاجس يأكل رأسه”
تيسير (29 عاما) من حي القابون الدمشقي متزوج ولديه ثلاث بنات، يعمل سائق سيارة أجرة، ويعيش في منزل كان قد اشتراه منذ سنوات.
قال تيسير لعنب بلدي، إن فكرة الهجرة إلى أوروبا شكلت له ولزوجته هاجسًا يفكران به ليلًا ونهارًا، إذ يحلمان بتأمين حياة كريمة للعائلة الصغيرة، وجمع الأموال لتأمين مستقبل الأطفال والعيش بكرامة.
أضاف تيسير، “بدأت فكرة الهجرة تخيفني وتزداد ابتعادًا منذ قرابة الستة أشهر”، لأن غالبية القرارات التي تتخذها أوروبا هي للحد من الهجرة.
وتابع، “لن أهاجر وحدي، لدي عائلة وأطفال، ماذا لو قوبلنا بالرفض؟ وما القرارات التي ستطبق عند وصولنا؟ جميعها أسئلة مجهولة في عقلي”.
وتزامنت القرارات مع حديث أصدقائه في السويد عن تضاعف قيمة الضرائب، والشكاوى من أنها تلتهم رواتبهم، إضافة إلى ارتفاع الأسعار.
وقال تيسير، إن ما يفكر به الآن هو البقاء وتعليم بناته في سوريا، وعدم المجازفة بتعريضهن للمجهول.
آثار متوقعة مع استمرار المأساة
تفتح التحركات الأوروبية الأخيرة فيما يخص ملف الهجرة باب السؤال حول الآثار المتوقعة مع استمرار انسداد أي أفق لحل سياسي، أو تحسين الواقع المعيشي والاقتصادي في سوريا، بالإضافة إلى الآثار المتوقعة على من غادر بالفعل.
وفق مدير المنظمة العربية الأوروبية لحقوق الإنسان في ألمانيا، محمد كاظم هنداوي، فإن أول الآثار في حال تطبيق اتفاق الهجرة واللجوء يتعلق بفقدان اللاجئ لحق اختيار الدولة الراغب باللجوء إليها، ومن الممكن أن ترفض الدولة استقباله، واللجوء لدولة ثالثة للاستفسار عن قدرتها على استقباله مقابل مبلغ حددته الاتفاقية بـ20 ألف يورو يقدم للدولة المضيفة للاجئين.
ويستثنى من فقدان الحق باختيار البلد من لديهم أقرباء من الدرجة الأولى والثانية في الدولة المتجهين إليها، وفق هنداوي.
وأشار إلى أن الخوف يكمن في استثمار الدول الفقيرة ضمن الاتحاد الأوروبي للاجئين، مقابل المبالغ المدفوعة، ما يجعل اللاجئين غير قادرين على تأمين معيشة كريمة ماديًا، وذلك يدفعهم لإعادة النظر بموضوع الهجرة واللجوء.
الباحث الاجتماعي حسام السعد، يرى أن هذه القرارات الأوروبية الجديدة قد تكون لها تداعيات وانعكاسات سلبية، وأن صدور قرارات “من ضمنها إعادة بعض اللاجئين بحجة استقرار المناطق التي قدموا منها”، قد يكون وسيلة للضغط غير المباشر على اللاجئين لاتخاذ قرارات بالمغادرة إلى بلدان يستطيعون فيها الشعور بالاستقرار على المدى الطويل، وقد انتقلت نتيجة ذلك عديد من الحالات إلى دول أخرى بعد حصولها على الجنسية أو الإقامة الدائمة، وهناك أيضا كثير ممن يفكرون بهذا الخيار، بحسب السعد.
وتابع أن خيار اللجوء إلى أوروبا يتراجع مقابل تحمل التقييد والصعوبات أمام السوريين، لا سيما في تركيا ولبنان والأردن، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة قد تدفع الناس للعودة إلى سوريا، للخلاص من هذه الضغوطات المتراكمة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :