“طال الشتات”.. ما الذي يسلب الروح ألوانها؟
رغم وجود 33 قصيدة في ديوان “طال الشتات” للشاعر الفلسطيني الراحل مريد البرغوثي، فإن قصيدة “غرف الروح” التي جاءت خاتمة مستعجلة للديوان، تعبّر عن الحالة الفلسطينية المستمرة منذ ما يزيد على سبعة عقود من الزمن.
الثقل اللغوي والبلاغي، وغنى النص بالصورة والمعنى والمجاز، منحه شرف الخاتمة، لا المطالع القصيرة البسيطة التي لا تستفز يقظة القارئ، فالوصول إلى النص يعني المرور بأشواط متعددة ومشاهد مختلفة تتراوح بين العام والذاتي، والعام قابل للإسقاط على كل ذاتي أيضًا.
الديوان الذي كُتبت قصائده في ثمانينيات القرن الماضي، تنقسم شاعرية نصوصه إلى أكثر من مسار، إذ يتضمن مقاطع أو قصائد قصيرة قريبة من قالب “الهايكو” أو “الهائيكو” الياباني، وهنا تكمن الشاعرية في الصورة والفكرة، والمقاربة أو المفارقة، لا في النص ذاته على المستوى اللغوي، إذ تجسد قصيدة بعنوان “سيدتان” مفارقة بين مشكلات الناس وأولوياتهم، وصلابتهم في الوقت ذاته، فتبدو القصيدة مقارنة بين حالتين غير متفقتين بالظرف أو النتيجة.
وقال فيها مريد البرغوثي، “سيدة تعرف كل محلات الفضة في باريس وتشكو، سيدة تبكي كل خميس في خمس مقابر، وتكابر”.
ذاتية الشاعر حاضرة بالاسم في أكثر من قصيدة، فنص مكتوب للزوجة الأديبة المصرية الراحلة رضوى عاشور، ونص آخر لـ”أبو منيف”، الذي أدخلته وفاته ديوان شعر، وقدمته بصورة يراها كثير من الأبناء في آبائهم، ليختلط الذاتي بالعام، أو ذاتي الشاعر بذاتي القارئ أيضًا.
وبالنسبة لـ”غرف الروح”، وهي قصيدة تنتمي للنصوص الطويلة (27 صفحة)، كتبها شاعرها عام 1985، في ساعة حزن خاص وعام، وفق قول ابنه، الشاعر تميم البرغوثي، الذي ألقاها بـ28 دقيقة مع مقدمة توضيحية، بيّن فيها تزامن النص مع خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، واحتلال إسرائيل لنصف لبنان وارتكابها مجازر “صبرا” و”شاتيلا”، وقتلها للعزّل في المخيمات بعد غياب من يحميهم، ثم اقتتال فلسطيني- فلسطيني، والشاعر في منفاه، ممنوع من زيارة زوجته وابنه في مصر، وأمه وأبيه في الأردن.
يمكن القول إنها أكثر من قصيدة أو إنها مجموعة شعرية مصغرة في نص واحد، راوح بين الموزون والحديث، وكرّس كثيرًا من مقاطعه لتصوير ألم الفلسطيني في وطنه ومنفاه، وهو ألم متعدد الأشكال يبدأ قبل الحياة نفسها، ولا ينتهي بالموت نفسه، وفق ما يحكيه النص بحرقة تمرر شيئًا من أمل أفلت في نهاية النص، دون أن يمحو تأثير بداية القصيدة “ما الذي يسلب الروح ألوانها؟”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :