إدلب – أنس الخولي
يشرب الحرفي عبد الله درويش الشاي متأملًا الشارع أمام ورشته في المنطقة الصناعية بإدلب، وملامح الحزن والقلق ظاهرة على محياه، بسبب اضطراره إلى إغلاق ورشته بعد أن سرّح العمال لديه لقلة العمل.
وقال الحرفي الذي ورث مهنة نجارة “الموبيليا” عن أبيه، إن الطلب على المفروشات السورية تراجع بسبب انتشار المفروشات المستوردة، ما أثر على حرفة الحفر سلبيًا وهددها بالزوال، واضطر الحرفيون إلى البحث عن مصادر أخرى للرزق.
تشهد أسواق المفروشات في إدلب نشاطًا في استيراد المفروشات وقطع “الموبيليا” المصرية بأنواع جيدة وأسعار زهيدة، مقارنة بالتركية المستوردة والمصنعة محليًا، ما يهدد الحرفة في الشمال السوري بالتوقف بشكل كامل، وبطالة العاملين بها.
تكلفة محلية مضاعفة
أوضح الحرفي لعنب بلدي أن المفروشات التركية، وإن سببت تراجع الطلب على المفروشات المحلية، إلا أنها مصنوعة من الميلامين والخشب التجاري، أي لا تلبي طلب من يرغبون بغرف نوم وأثاث من خشب الزان المزخرف، لذلك لم يشعر الحرفيون بأنها تهدد الحرفة بشكل كامل، وإنما أضعفت الطلب لدرجة كبيرة.
بينما المفروشات المصرية المستوردة مصنوعة من خشب الزان، ومحفورة بأشكال جميلة ومبهرة وبجودة عالية وأسعار رخيصة جدًا، لا يمكن للأسواق المحلية منافستها بأي حال، وفق الحرفي، معتبرًا أن هذه المفروشات المستوردة قضت على المهنة بشكل كامل.
وأوضح الحرفي أن إحدى غرف النوم المصرية التي عاينها بنفسه بلغ ثمنها 1100 دولار أمريكي، لكن محليًا تحتاج لتصنيعها إلى لوح كامل من خشب الزان ثمنه 800 دولار أمريكي، وعمل نقوش وحفر على الخشب لمدة لا تقل عن خمسة أشهر، أي أن تكلفة إنتاجها في الشمال السوري تصل إلى 3500 دولار أمريكي بالحد الأدنى.
ويعادل الدولار الأمريكي 32.7 ليرة تركية، وفق تسعيرة “اتحاد الصرافين” في إدلب المعتمدة بالمنطقة.
وأرجع الحرفي انخفاض سعر المفروشات المصرية لعدة عوامل، أهمها توفر اليد العاملة في مصر بكثافة، وتوفر المواد الأولية للصناعة بأسعار زهيدة جدًا، والاعتماد على آلات حديثة للحفر على الخشب بسرعة كبيرة ودقة عالية وتكاليف قليلة.
جودة عالية وأسعار رخيصة
عادة ما يفاضل زبائن المفروشات في الشمال السوري بين السعر والجودة، فبعضهم يضطر لشراء مفروشات مقبولة، دون النظر إلى مستوى الجودة، بسبب ضعف قدرته الشرائية، وآخرون مجبرون على شراء مفروشات جيدة لكن بأسعار مرتفعة جدًا.
وجود المفروشات المصرية منح الزبائن خيارًا يضمن السعر والجودة معًا، مقارنة بالمفروشات المحلية.
حاتم سليمان، يعمل في تجارة المفروشات بإدلب قال لعن3ب بلدي، إن 40% من زبائن المفروشات يبحثون عن الجودة، أما البقية فيحاولون شراء ما يحتاجون إليه وفق إمكانياتهم المادية، دون الاهتمام بشكل كبير بمستوى جودة البضاعة.
ويصل سعر غرفة النوم التركية الجديدة المصنوعة من الميلامين إلى 900 دولار أمريكي، بينما يبلغ ثمن الغرفة المصنوعة من الخشب المكبوس المستعملة 400 دولار أمريكي، ولا يزيد العمر الافتراضي لهذه الغرف على 5 سنوات في أحسن الأحوال، وفق التاجر.
أما سعر غرفة النوم المصنوعة محليًا من خشب الزان ذات الجودة العالية فيزيد على 3500 دولار أمريكي، بينما يبلغ سعر غرفة النوم المستوردة من مصر المصنوعة من خشب الزان 1100 دولار أمريكي، ويزيد عمرها الافتراضي على 20 سنة بسبب جودتها العالية.
وأضاف التاجر أن “الموبيليا” المصرية وفّرت خيارات جيدة لجميع أصناف الزبائن حتى لذوي الدخل البسيط الذين ليس بمقدورهم شراء غرفة نوم كاملة، وبات بمقدورهم شراء سرير من الزان بسعر 85 إلى 90 دولارًا أمريكيًا، مقارنة بالسرير المصنوع من الميلامين الذي يبلغ سعره 75 دولارًا أمريكيًا.
ولفت التاجر إلى أن كميات الغرف المستوردة من مصر كبيرة جدًا، لكن لم يصل منها إلى الشمال السوري سوى كميات قليلة، بانتظار وصول الكميات الأخرى، مشيرًا إلى أن “الموبيليا” المصرية ستكتسح الأسواق المحلية.
وتواجه معظم الحرف والمنتجات المحلية في إدلب بمختلف المستويات منافسة من البضائع المستوردة، التي تغيب الرقابة عن تحديد كمياتها الداخلة للمنطقة، وتؤرق التجار وأصحاب الحرف، الذين يشتكون بدورهم من خسائر مالية، ومن تهديد مصدر رزقهم.