وجود أمريكا بسوريا والعراق يخضع لعوامل.. الانسحاب ليس خيارًا
منذ أيام، تواتر الحديث نقلًا عن مسؤولين أمريكيين بشأن انتهاء اهتمام الولايات المتحدة بالانتشار العسكري في سوريا والعراق، وأنها قد تنسحب من المنطقة مستقبلًا، خصوصًا مع تنامي المطالب العراقية بانسحاب قوات التحالف الدولي.
ونقلت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، في 25 من كانون الثاني الحالي، عن أربعة مصادر داخل وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين (لم تسمّهم)، أن البيت الأبيض لم يعد مهتمًا بمواصلة المهمة التي يرى أنها “غير ضرورية” في سوريا، وتجري الآن مناقشات داخلية نشطة لتحديد كيف ومتى يمكن أن يتم الانسحاب.
من جانبه، نقل موقع “المونيتور” الأمريكي عن مصادر مطلعة على مناقشات لتحديد آلية وتوقيت الانسحاب من سوريا (لم يسمّها) أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) طرحت خطة لحلفائها السوريين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، للدخول في الحملة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” بالشراكة مع النظام السوري.
وعقب ساعات، خرج البيت الأبيض بتصريحات تنفي ما تناقلته وسائل الإعلام الغربية، تبعه الإعلان عن اجتماع أمريكي- عراقي في الإطار نفسه، لكن “البنتاجون” قال إنه لن يتناول فكرة الانسحاب الأمريكي من المنطقة.
خطوة تخضع لعوامل
وجود القوات الأمريكية في سوريا مرتبط بمجموعة من الملفات، إذ تعتبر الداعم الرئيس لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بحربها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، كما تشكل خطًا فاصلًا بين الحدود السورية والعراقية أمام النفوذ الإيراني المتنامي.
وإلى جانب ما سبق، يعتبر الوجود الأمريكي شمال شرقي سوريا من العوائق الرئيسة أمام تركيا لشن عمليات عسكرية تستهدف “وحدات حماية الشعب” (الكردية) التي تشكل عماد “قسد” العسكري.
الصحفي والباحث السياسي التركي ليفينت كمال، قال لعنب بلدي، إن الانسحاب من سوريا ليس خيار الحكومة الأمريكية بشكل مباشر، مشيرًا إلى جملة من العوامل قد تكون مؤثرة على هذا القرار، أبرزها أن القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم) فقدت قدرتها على الرد على الهجمات الإيرانية في سوريا والعراق.
إلى جانب أن واشنطن قد تكون راغبة بترك المنطقة المعقدة في الشرق الأوسط لمنافسيها، والتفرغ لمواجهتها مع الصين في آسيا والمحيط الهادئ.
وبالمقابل، تعي الولايات المتحدة أن ذلك يفتح المنطقة بأكملها أمام الهيمنة الإيرانية والروسية، وبالتالي لا يمكن النظر إلى خيار الانسحاب على أنه قرار قائم، أو يخضع للمباحثات.
كمال يرى أن مناقشات الانسحاب نفسها هي مجرد أداة تستخدمها “سينتكوم” للضغط على صناع القرار في الولايات المتحدة بعد أن فقدت إجراءاتها الرادعة ضد إيران والروس في المنطقة منذ مدة طويلة.
ويرتبط ضعف الردع الأمريكي، بحسب كمال، بسياسات بايدن القائمة على أساس ضعيف، لكن بالمحصلة لن يكون هناك انسحاب كامل، وستتوجه واشنطن لإنشاء بعض المناطق المحمية في المنطقة.
من جانبه، يرى الخبير في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، أن وجود الولايات المتحده في سوريا يرتبط بمهام متعددة، منها “مكافحه الارهاب”، لكن وجودها في سوريا حصرًا يحمل بعدًا استراتيجيًا يهدف لمنع روسيا من الانفراد بالملف السوري، بالتالي حتى وإن انتهت مهمة “مكافحة الإرهاب” ستبقى الولايات المتحده موجوده بالمنطقة.
وأشار إلى أن وجود إرهاصات تواجه الوجود الامريكي بالمنطقة لا تعني أن واشنطن ستمتثل لها، خصوصًا أن جزءًا كبيرًا من الضغط الممارَس على القوات الأمريكية هو من قبل فصائل مواليه لإيران، وبالتالي لا يمكن التصديق بأن هذه الميليشيات ستجبر الولايات المتحدة على الانسحاب.
هل يخلق فجوة؟
بالنظر إلى حجم الملفات التي يوازنها الوجود الأمريكي في سوريا والعراق، يمكن النظر إلى أن حجم الفجوة الذي قد يتركه تراجع أمريكي في الملف سيبدو كبيرًا، خصوصًا بالنسبة لأطراف تتجه أعينها إلى المنطقة، مثل تركيا وإيران بشكل رئيس.
الباحث التركي ليفينت كمال يرى أن أمريكا لن تخلق بانسحابها الفجوة العملياتية التي كانت تركيا تأمل في حدوثها على طوال السنوات الماضية، لأن فكرة جعل”قسد” جزءًا من النظام، والتي كانت خطة الروس منذ الماضي، أصبحت الآن على جدول أعمال الأمريكيين أيضًا.
ومن شأن مثل هذا التطور أن يوفر لـ”قسد” والأحزاب الكردية التي تضمها حماية رسمية من قبل النظام السوري، بغض النظر عن المرحلة التي بلغتها من الحكم الذاتي.
وأضاف أن أنقرة تحتاج إلى إجراء مفاوضات مع موسكو للحصول على أفضل نتيجة من أسوأ السيناريوهات الممكنة، وإعداد شركائها المحليين في سوريا لهذه العملية الأكثر جدية.
مصطفى النعيمي يرى من جانبه أن المنطقة لن تشهد انسحابًا أمريكيًا ما لم يتحقق شرط وجودها بالمنطقة، وحتى هذه اللحظه لا مؤشرات حول انتهاء التهديد المحلي والإقليمي والدولي، فالقوى المرتبطه بإيران لا تزال تهدد دول الجوار، بالتالي وجود الولايات المتحده أصبح ضرورة ملحة.
وأشار الخبير إلى أن الوجود الأمريكي يلجم هذه الميليشيات فعلًا، معتبرًا أنه لولا الوجود الغربي لرأينا إيران تجتاح المنطقه العربيه بالكامل.
وبالمقابل، دفعت إيران ثمنًا كبيرًا على مدار أكثر من 13 عامًا، وما زالت تدفع، وبالتالي لن تتخلى عن أي مكتسبات حققتها خلال السنوات الماضية أمام الوجود الأمريكي بالمنطقة، بالرغم من أنها ما زالت تعمل ضمن استراتيجية “حافه الهاويه” التي تواجه في المنطقة تصعيدًا مضبوطًا يجنبها الحرب، لكن يبقي المنطقة دون الاستقرار.
حديث يتزامن مع تصعيد
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها على علم بنية إيران وميليشيات وكيلة لها في المنطقة دفع قوات التحالف للانسحاب من سوريا والعراق، في وقت مبكر من بداية تصاعد استهدافات هذه المجموعات للقواعد الأمريكية في سوريا والعراق.
وقال السكرتير الصحفي لـ”البنتاجون“، العميد بات رايدر، خلال مؤتمر صحفي مسجل، في 27 من تشرين الثاني 2023، إن وكلاء إيران يستغلون “الحرب” الدائرة في غزة لدفع أمريكا نحو الانسحاب من سوريا والعراق.
وأضاف أن الجماعات الموالية لإيران تطمح منذ مدة طويلة لرؤية القوات الأمريكية تغادر، مشيرًا إلى أن وجود قوات بلاده في العراق جاء بدعوة من الحكومة العراقية، ويركز فقط على هزيمة تنظيم “الدولة”، دون الإشارة إلى مبررات انتشارها في سوريا.
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، في 7 من تشرين الأول 2023، وصل عدد الهجمات على القواعد الأمريكية في سوريا والعراق إلى ما يقرب من 140 هجومًا، بحسب ما قالته نائبة السكرتير الصحفي لـ”البنتاجون”، سابرينا سينغ، خلال مؤتمر صحفي في 19 من كانون الثاني الحالي.
وأضافت سينغ خلال إجابتها عن أسئلة الصحفيين في مؤتمر صحفي، أن 57 هجومًا منها طال القواعد الأمريكية في العراق، إلى جانب 83 هجومًا في سوريا.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :