بعد أيام على طرح حركة “رجال الكرامة”، وهي أكبر الفصائل العسكرية في السويداء، مبادرة من تسعة بنود موجهة إلى الأردن، للتعاون في القضايا المتعلقة بمكافحة المخدرات التي تصدّر من المنطقة نحو الأردن، لا تزال المبادرة دون ردود رسمية وسط نقاش عن مدى إمكانية تطبيقها.
وأعلنت “الحركة” خلال المبادرة التي طرحتها، في 20 من كانون الثاني، استعدادها لملاحقة جميع المتورطين بتهريب وتجارة المخدرات، بعد تقديم الجانب الأردني قوائم بأسماء المتورطين.
وانتقدت “الحركة” في بيانها النظام السوري وحملته المسؤولية المباشرة عن ملف “المخدرات” من تسهيل تحويل جنوبي سوريا إلى منطقة تخزين وتهريب، ودعت “الحركة” المجتمع المحلي والوجهاء والمرجعيات الدينية للوقوف عند مسؤولياتهم من المشكلة.
السبب الرئيس لمبادرة “الحركة” لم يكن مصلحة الأردن بشكل رئيس، إنما هدفت لحل المشكلة الأردنية دون مقتل مدنيين في المحافظة التي قصفها الأردن مرارًا، وقتلت غاراته فيها مدنيين بينهم أطفال.
ونفى المكتب الإعلامي لـ”رجال الكرامة” لعنب بلدي أي تجاوب من الأردن حتى اليوم، مشيرًا إلى عدم وجود تنسيق أيضًا مع “جيش سوريا الحرة” أو قاعدة “التنف” الأمريكية، على مثلث الحدود السورية- الأردنية- العراقية.
هل تبصر المبادرة النور
في مناسبات مختلفة، تكررت تصريحات من مسؤولين أردنيين عن أن عمّان دائمًا ما تفضل التعامل مع جهات حكومية، وهو ما شرح مساعيها لحصر التعاون بمكافحة المخدرات مع النظام السوري، الذي لم يبدِ خطوات من جانبه نحو البلد الجار.
الباحث السياسي جمال الشوفي، المقيم في السويداء، قال لعنب بلدي إن طرح “رجال الكرامة” لم يكن مستغربًا، خصوصًا أن الحركة أبدت توجهًا من هذا النوع عام 2022، عندما أطلقت عملية أمنية ضد مجموعات تصنّع وتتاجر بالمخدرات في المحافظة.
وكان فصيل “قوات الفجر” المحلي يعد من أكبر المجموعات النشطة بعمليات تجارة المخدرات في المنطقة، وتمركز في بلدة عتيل شمالي السويداء، حتى هاجمه تحالف من فصائل محلية على رأسه “رجال الكرامة”، ما أسفر عن حل الفصيل بالكامل وهروب قائده راجي فلحوط.
ويرى الباحث أنه على الأردن تلقف هذه المبادرة بـ”حكمة”، خصوصًا أن عمليات الاستهداف الأردنية بريفي محافظة السويداء الشرقي والجنوبي، تطال مهربين، بالتالي لن يشكل استهدافهم أثرًا على تدفق المخدرات نحو أراضيه.
الشوفي اعتبر أن المستفيدين الرئيسيين من عمليات تجارة وتهريب المخدرات هم ميليشيات مقربة من إيران مثل “حزب الله” اللبناني، إلى جانب عاملين في الأفرع الأمنية السورية، معتبرًا أن الوضع الحالي يشكل خطرًا على الأردن وأبناء السويداء، على حد سواء.
وأضاف أن أي خطوة فعلية لمكافحة تجارة المخدرات، تفرض على الأردن تلقف المبادرات المحلية الموجهة نحوها من الداخل السوري.
أُسّست حركة “رجال الكرامة” عام 2013، وخرجت من رحم التوترات الأمنية التي عاشتها المنطقة حينذاك، وملاحقة النظام للمطلوبين للخدمة الإلزامية في المحافظة الذين وصلت أعدادهم إلى عشرات الآلاف، وأمّن الشيخ وحيد البلعوس قائد “الحركة” ومؤسسها حماية هؤلاء المطلوبين. |
“التنف” غير مهتمة
على بعد بضعة كيلومترات نحو الشمال الشرقي من محافظة السويداء تقع قاعدة “التنف” الأمريكية، التي يتمركز فيها “جيش سوريا الحرة”، وهو فصيل معارض أنشأته الولايات المتحدة لحماية ما يعرف اليوم باسم “منطقة الـ55 كيلومتر” التي تقع فيها قاعدتها.
وفي حديث لوسائل إعلام محلية، قال قائد “جيش سوريا الحرة”، فريد القاسم، إن لفصيله تنسيق مع عمّان في مكافحة المخدرات، ويعمل على تطويره، مشيرًا إلى أن “جيش سوريا” أطلق تنسيقًا أوليًا مع “رجال الكرامة” في السويداء لمحاربة المخدرات.
وتواصلت عنب بلدي مع المكتب الإعلامي لـ”جيش سوريا الحرة” الذي نفى بدوره وجود أي تنسيق بين “جيش سوريا الحرة” و”رجال الكرامة”، مشيرًا إلى تواصل قائم بين “الحركة” وقائد “الجيش” عبر قنوات وأشخاص.
وبالنسبة لـ”جيش سوريا الحرة” المتمركز على المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق، يعتبر مكافحة عمليات تجارة وتهريب المخدرات من مهامه في المنطقة، إذ يعلن بشكل دوري عن ضبط شحنات مخدرات بين الحين والآخر.
وقبل نحو أسبوع، أعلن الفصيل عن إتلافه شحنة من مخدرات كان قد ضبطها في وقت سابق، إذ نشر تسجيلًا مصورًا يظهر كميات من الحبوب المخدرة خلال عملية إتلافها بقاعدة “التنف”.
الباحث في الشأن السياسي جمال الشوفي، قال لعنب بلدي إن أنظار التحالف لا تنصب على الجنوب السوري في الوقت الراهن، إنما يتجه تركيزه نحو شمالي الجغرافيا السورية.
وأضاف أن الفاصل الصحراوي بين “التنف” والسويداء يعيق أي تنسيق أو تواصل بين الجانبين، خصوصًا أنه وفي الإطار العام لا يخرج أبناء السويداء إلى خارج أرضهم، وهو ما أثبتته التجارب التاريخية السابقة، بالتالي لن يخرجوا للتنسيق مع أحد يقيم خارج أراضيهم.
هجمات أردنية خلّفت أثرًا
تركت الاستهدافات الجوية الأردنية المتكررة لمناطق مأهولة بالسكان بمحافظة السويداء جنوبي سوريا صدى في المجتمع المحلي، وأثرت هذه الاستهدافات على حياة المدنيين في الريف الجنوبي والشرقي للمحافظة.
وتكررت الغارات الجوية التي نسبت للأردن خلال نهاية 2023، ومطلع 2024، إذ أظهرت استراتيجية جديدة في التعامل مع القضايا المتعلقة بتهريب المخدرات نحو أراضيها قادمة من سوريا.
الغارات، التي لم يتبناها الأردن رسميًا، أحدثها استهدفت بلدتي عرمان وملح جنوبي السويداء، في 18 من كانون الثاني، ما أسفر عن مقتل عشرة أشخاص.
الغارات أحدثت أضرار مادية أيضًا تمثلت بدمار للمنازل المستهدفة، وأضرار لحقت بالمباني المجاورة، ما خلف مخاوف للسكان من تكرارها.
سبق ذلك، في 9 من الشهر نفسه، غارات شنتها طائرات يعتقد أنها أردنية طالت ثلاثة مواقع في محافظة السويداء جنوبي سوريا.
وفي 5 من كانون الثاني الحالي، عادت الضربات الجوية التي يعتقد أنها أردنية لتطال أهدافًا جنوبي سوريا، وسط استمرار عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود من سوريا نحو الأردن.
أيضًا في 19 من كانون الأول 2023، شنت طائرات حربية غارات يعتقد أنها أردنية استهدفت “مخابئ” لمهربي مخدرات ردًا على عملية تهريب “كبيرة” كانت قادمة من سوريا، بحسب ما نقلته “رويترز” عن مصدرين في مخابرات إقليمية، وآخر دبلوماسي غربي يتابع الوضع، لم تسمّهم.
وفي 8 من أيار 2023، أغارت طائرات حربية يرجح أنها أردنية على أهداف في منطقة اللجاة بين محافظتي درعا والسويداء جنوبي سوريا، ما خلّف ثمانية قتلى من عائلة كاملة بينهم ستة أطفال، ومهرب المخدرات البارز مرعي الرمثان.
اقرأ أيضًا: مخاوف في السويداء من غارات الأردن.. دعوات للتنسيق