بعد أن تاهوا في البحر لمدة ستة أيام دون غذاء أو ماء، استطاعت الشرطة القبرصية، في 24 من كانون الثاني، إنقاذ 60 مهاجرًا سوريًا من القارب الخشبي المتهالك، بينهم نساء وأطفال ثلاثة منهم فاقدون للوعي، وتوفيت طفلة أمس الخميس.
وحسبما ذكرت السلطات القبرصية، عثر على المهاجرين على بعد حوالي 55 كيلومترًا (34 ميلًا)، قبالة الطرف الجنوبي الشرقي للجزيرة، وفق ما نقلته وكالة “أسوشيتد برس“.
وضع اللاجئين الصحي
خلال عملية الإنقاذ نقلت مروحيات تابعة للجيش ثلاثة أطفال وشخصًا بالغًا إلى المستشفى، بعد إبلاغ سفينة تجارية عابرة السلطات القبرصية بوجود القارب قبالة ساحل الجزيرة.
وقال المتحدث باسم الخدمات الصحية في قبرص، شارالامبوس شاريلاو، للوكالة، إن ثلاثة قاصرين حالتهم الصحية حرجة، بينما يعاني اثنان من حالة خطيرة، وغادر الشخص البالغ الذي نقل جوًا إلى المستشفى وكان يعاني من انخفاض حرارة الجسم.
بعد ساعات من إنقاذ الركاب توفيت طفلة نتيجة سكتة قلبية، في حين ما زال طفلان آخران فاقدان للوعي، من بين المجموعة التي تضم 60 لاجئًا سوريًا، بحسب وكالة “رويترز“.
بعد اعتراض قارب اللاجئين من الشرطة القبرصية، عالج الضباط ثلاثة لاجئين بالغين أصيبوا بكسور في العظام على متن سفينة دورية، وفق الوكالة.
غياب التواصل
ينحدر أغلب اللاجئين في القارب من منطقة الشنان بريف دير الزور الشرقي، انطلقوا برحلة لجوء من الشواطئ اللبنانية، في 18 من كانون الثاني، باتجاه شواطئ قبرص، ليفقد التواصل معهم بعد ساعات فقط.
بعد يومين من انقطاع الاتصال، أطلقت عائلات الشباب مناشدات للبحث عن المفقودين، وتواصلت مع شبكات إخبارية محلية استجابت لرفع المناشدة والمساعدة.
تواصلت عنب بلدي مع ثلاث عائلات كانت تبحث عن أبنائها قبل العثور عليهم، للاستفسار عن تفاصيل الرحلة وأماكن وجود الشبان في الوقت الحالي.
رائد النكلاوي، المقيم في ألمانيا، أوضح لعنب بلدي أنه تواصل مع شقيقه عبد السلام النكلاوي (18 عامًا)، بعد إنقاذهم من الشرطة القبرصية، وأفاد أن بعض الناجين في حالة صحية متردية بسبب الجوع والعطش، وقد نقلوا إلى المستشفيات القبرصية لتلقي العلاج، بينما نقل البقية إلى كامب مغلق، دون التواصل مع ذويهم.
عند الاقتراب من المياه الإقليمية القبرصية تخلص اللاجئون من جهاز تحديد الموقع (GPS) الذي يتحركون من خلاله، ورموا جهاز الاتصال الدولي (القبضة) في مياه البحر، بينما لم يتواصل المهرب مع اللاجئين أبدًا.
وبعد الانطلاق بالرحلة بساعات تعطل القارب وأصلحه اللاجئون، ليحدث كسر بمحرك القارب، ما تسبب ببقائهم بالبحر ستة أيام متواصلة، وسط ظروف جوية وباردة وانقطاع عن العالم الخارجي، وفق رائد النكلاوي.
قال رائد لعنب بلدي، إن تواصله انقطع مع شقيقه بعد صعود على متن القارب في 18 من كانون الثاني، وآخر ما قاله قبل فقدان الاتصال أن القارب تحرك من شواطئ مدينة طرابلس اللبنانية.
الاتفاق بين اللاجئين والمهرب (لقبه الحوت) كان ينص على أن عدد الركاب لا يتجاوز 20 شخصًا، وعند الوصول لنقطة الانطلاق صدم اللاجئون بوصول عددهم إلى أكثر من 50 شخصًا جميعهم ينحدرون من سوريا، وفق ما نقله رائد عن حديث شقيقه.
الاعتراض من اللاجئين على خرق الاتفاق وتعريض حياتهم للخطر لم يغير الواقع، إذ أجبرهم المهرب على الصعود إلى القارب الخشبي، بحسب رائد.
أحمد الزامل، المنحدر من مدينة إدلب شمالي سوريا، تلقى آخر رسالة من أشقائه محمد وخالد وابن عمه عبد الكريم الزامل يوم انطلاق الرحلة، ونصت أنهم سيسلمون هواتهم للمهرب، وفق الاتفاق المسبق.
أفاد أحمد أن أخوته وابن عمه كانوا يعملون في الإنشاءات بلبنان، ويتقاضى الواحد منهم نحو 15 دولارًا أمريكيًا في اليوم أو أقل في بعض الأحيان.
جهاد الرحال، يقيم في مدينة كولن بألمانيا، أوضح لعنب بلدي، أن أهم الأسباب التي دفعت شقيقه أحمد، للتفكير بالسفر خارج لبنان، الحملات العنصرية التي يعاني منها اللاجئون السوريون في لبنان، وأجور العاملين المتدنية.
الاتصال الأخير لجهاد مع شقيقه، صادف اليوم التالي من الرحلة في 19 من كانون الثاني، بعد إخبار العائلة أن القارب دخل المياه الإقليمية القبرصية.
دفع مسبق
اختلفت أجور رحلة اللجوء التي انطلقت من طرابلس حتى قبرص، وتراوحت الأسعار المدفوعة بين 3000 و3500 دولار أمريكي، عبر منح المبلغ لمكتب وسيط بين اللاجئين والمهرب لبناني الجنسية.
وجود وسيط بين اللاجئين والمهرب يعد خطوة لضمان المبالغ الكبيرة المدفوعة للرحلة، إذ لا يستلم المهرب المال إلا عند وصول الركاب إلى الأراضي القبرصية.
رائد النكلاوي، قال إن شقيقه الصغير، كان يقيم في لبنان منذ عام 2016، ويخطط للهجرة إلى أوروبا منذ مدة لتبيع أسرته قطعة أرض وتأمن 3000 دولار أمريكي أجور رحلة اللجوء.
بينما دفع الشابان محمد وخالد الزامل، 3200 دولار أمريكي على الفرد الواحد، والمبلغ المطلوب لم يكن متوافرًا بحوزة العائلة ما أدى للاستدانة من المعارف والأصدقاء.
أما أحمد الرحال فأصر على خوض الرحلة برفقة أبناء بلدته الشنان، بريف دير الزور، ووصل المبلغ المطلوب من عائلة الشاب إلى 3500 دولار أمريكي.
قبرص واللاجئين
شهدت قبرص في الأشهر الأخيرة تدفقًا في أعداد طالبي اللجوء، معظمهم سوريون يصلون عن طريق البحر من سوريا ولبنان.
وعن إجراءات الحد من المهاجرين، جدد وزير الداخلية القبرصي، كونستانتينوس يوانو، في 14 من كانون الأول 2023، الطلب من الاتحاد الأوروبي دراسة إعلان مناطق آمنة في سوريا لإعادة اللاجئين السوريين إليها، بسبب وصول أعداد قياسية من السوريين إلى قبرص.
وكان وزير الداخلية القبرصي، في 15 من أيلول 2023، قد صرح خلال مؤتمر صحفي أنه سيحاول إقناع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بإنهاء وضع سوريا كدولة “غير آمنة” لا يمكن إعادة اللاجئين إليها.
وأوضح أن بلاده والدول الأعضاء الأخرى “تعتبر وترى أنه من المفيد إعادة تقييم وضع سوريا، مضيفًا أن الاتحاد “ترك وضع سوريا دون تغيير منذ 11 عامًا، وهناك ضرورة لمراجعة ذلك، لأن بعض المناطق تعد فيها آمنة”.
وأفاد كونستانتينوس يوانو، أن “المعلومات المتوافرة لدينا من السلطات في لبنان هي أن هناك زيادة في عدد السوريين الذين ينتقلون إلى لبنان”، معتبرًا أن “لبنان هو حاجز، وإذا انهار فستواجه أوروبا بأكملها مشكلة”.
وبلغت طلبات اللجوء في قبرص ذروتها عند حوالي 21565 طلبًا في عام 2022، كما شهدت قبرص وصول 1043 سوريًا بالقوارب في تشرين الأول 2023، أي بزيادة ثلاثة أضعاف على الشهر نفسه من 2022.
وقالت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، في 11 من آب 2023، لوكالة “أسوشيتد برس“، إنها “قلقة للغاية” بشأن ترحيل أكثر من 100 سوري من قبرص إلى لبنان، دون تحديد ما إذا كانوا بحاجة إلى حماية قانونية، أو من قد يشكل ترحيله إلى وطنه خطرًا عليه.