حرائق الشمال السوري تترك عائلات “تحت الصفر”
“أنقذت أطفالي من داخل الحريق.. هذا أهم من كل شيء”، بهذه العبارة بدأت أمل حديثها لعنب بلدي عن الحريق الذي نشب في خيمة عائلتها قبل أيام وسط غصة ورضى في نبرة صوتها.
أمل الكيزاوي، تقطن في خيمة صغيرة، ضمن مخيم بسقلا في قرية بابسقا بريف إدلب شمالي سوريا، ولم تكن الوحيدة في المنطقة التي تعرضت خيمتها وأغلى ما تملك للاحتراق، إذ وقعت مئات الحرائق في المنطقة منذ بداية فصل الشتاء الحالي (2023- 2024).
مع بداية شتاء كل عام، تشهد مناطق شمال غربي سوريا وتيرة اندلاع حرائق بشكل شبه يومي داخل المنازل أو المخيمات، إثر استخدام الأهالي لمواد غير صالحة للتدفئة.
نجاة من الموت
أمل، تنحدر من بلدة حيش التابعة لمعرة النعمان جنوبي محافظة إدلب، خسرت كل ما تملك بعد اندلاع الحريق في خيمة العائلة المكونة من خمسة أشخاص بينهم ثلاثة أطفال.
التهم الحريق ما وُجد داخل الخيمة من مستلزمات منزلية وملابس وأثاث، دون القدرة على استخراج أبسط مما تملك العائلة، وفق أمل.
وعن تفاصيل الحادثة تحدثت أمل أن الحريق وقع في أثناء نوم الأم والأطفال، بسبب خروج قطعة صغيرة من مادة “البيرين” التي تستخدمها العائلة للتدفئة، إذ كانت المدفأة قيد التشغيل في أثناء نومهم، ويذكر أن العائلة لم تشعر إلا بعد اندلاع الحريق وبدء التصاق الخيمة ببعضها، وفق وصف أمل.
“البيرين” منتج قابل للاشتعال ومصنوع من النفايات المتبقية من عصر الزيتون لإنتاج الزيت، ويستخدم كمادة تدفئة بشمال غربي سوريا.
محمد دملقي، نازح من مدينة حلب، قال لعنب بلدي، إن منزله الواقع في قرية سجو بريف اعزاز شمال مدينة حلب، احترق قبل أقل من شهر دون معرفة أسباب وقوع الحادثة.
لا يملك محمد مدفأة في منزله، والأسباب المتوقعة اتجهت نحو حدوث ماس كهربائي بسبب سخانة كهربائية، كانت قد أطفأتها العائلة قبل نحو نصف ساعة من وقوع الحادثة.
تتكون عائلة محمد دملقي من أربعة أفراد، والدته وطفل يبلغ من العمر تسعة أشهر وزوجته، وكان الشاب أقفل على العائلة عند مغادرته المنزل دون ذكر الأسباب، ما وضع العائلة بموقف صعب لعدم استطاعتهم الخروج من المنزل إلا بعد دقائق عديدة عند سماعه عبر الصدفة في أثناء شرائه بعض المقتنيات بنشوب حريق في منزله، وفق حديثه لعنب بلدي.
أمل البالغة من العمر (30 عامًا)، لم تتوقع أن تستيقظ على حريق يحاوطها مع أطفالها النيام، واستغرقت ثواني قليلة لتخرج أطفالها من الخيمة دون وقوع أضرار جسدية، وفقًا لحديثها.
وبحسب أمل فإن العائلات والجيران المقيمين في المخيم نفسه، بدأوا إخماد الحريق بعد خروج الأم والأطفال بمبادرة جماعية من الأهالي، لتأتي فرق “الدفاع المدني السوري” بعد دقائق لإخماد الحريق والتأكد من عدم وقوع إصابات.
المخيمات في شمال غربي سوريا تتعرض إلى حرائق بشكل مستمر، ومن الأسباب البارزة لاندلاعها أنها سريعة الاشتعال، ومصنوعة من قماش أو نايلون.
وقال “الدفاع المدني السوري” لعنب بلدي، إنه منذ بداية فصل الشتاء الحالي (2023- 2024) استجاب لأكثر من 350 حريقًا حتى 17 من كانون الثاني الحالي، نتج عنها وفاة امرأة وإصابة 28 مدنيًا، بحالات حروق واختناق، بينهم خمسة أطفال وأربعة نساء.
قدرة مالية “غائبة”
أجبرت أمل الكيزاوي، بعد خسارة عائلتها ما تملك من أثاث، على الانتقال إلى خيمة أسرتها، الواقعة في مخيم “حيش” بريف إدلب، مع النية بالعودة إلى مخيم بسقلا حيث كانت تقيم العائلة، لكن بعد تأمين مأوى آمن وبعض المستلزمات الضرورية.
وأفادت أمل عنب بلدي أن “فاعل خير” كان قد قدم خيمة واسفنجتين وغطائين للعائلة.
اقتصرت آثار حريقي خيمة أمل الكيزاوي ومنزل محمد دملقي على الأضرار المادية، لكنهما تركا خلفهما عائلتين غير قادرتي على تجديد الأثاث المنزلي المحترق لغياب القدرة المالية وتدني أجور العمال.
ويتقاضى زوج أمل من عمله على صهريج مياه في شمال غربي سوريا نحو 700 ليرة تركية شهريًا، ومن غير الممكن أن يكفي المبلغ القليل تسديد الأسعار المرتفعة لشراء احتياجات العائلة بالكامل، فهي لا تكفي سوى لتكاليف الحياة اليومية فقط.
ويعادل كل دولار أمريكي 30 ليرة تركية، بحسب موقع “Döviz” المتخصص بأسعار العملات النقدية.
وبالعودة إلى محمد دملقي، وأوضاعه المعيشية أفاد أن عائلته تقيم في الوقت الحالي لدى الجيران في الحي نفسه، إذ استضافوا العائلة بعد اندلاع الحريق، وذلك لتضرر المنزل بشكل كامل وخسارة كل ما تملك العائلة من أثاث منزلي وبضائع يعمل فيها الأب.
محمد من ذوي الإعاقة ولا يستطيع العمل لساعات طويلة مع غياب الفرص، ما جعله يتجه لمهنة “الطوناج”، وشراء الخردة من الأشخاص في الأحياء القريبة من سكنه وبيعها.
“الطوناج” هي مهنة تجميع الخردة والنفايات الحديدة أو الحطام من قطع صغيرة أو كبيرة وكبسها في المكبس الخاص بها ثم إرسالها إلى معامل الصهر لاستفادة التجار منها.
الظروف الاقتصادية المتدنية والأوضاع المعيشية السيئة تزيد من مصاعب العائلات التي تتعرض منازلهم أو خيامهم للاحتراق، بسبب المواد التدفئة المستعملة الأقل تكلفة في فصل الشتاء، مع ما تحمله من مخاطر على المدنيين، كالوقود المعالج بدائيًا والمواد البلاستيكية والفحم وغيرها من المواد غير الآمنة.
نصائح حول الحرائق
ونشرت “مديرية صحة إدلب” عبر “فيس بوك”، في 16 من كانون الثاني، الإرشادات الضرورية للوقاية من التسمم بغاز أول أكسيد الكربون، مثل تهوية وسائل التدفئة بشكل جيد، والتأكد بأن مخلفات الاحتراق لا تتسرب إلى داخل المنزل، وتهوية الغرف جيدًا عند استخدام مدفأة الغاز، وإطفاء المدفئة والتأكد من احتراق كامل المواد الموجودة بداخلها قبل النوم، وتهوية مكان النوم جيدًا، بالإضافة لعدم تركيب سخان الماء الذي يعمل بالغاز داخل الحمام.
ويعمل فريق “الدفاع المدني السوري” عبر حملات توعوية في مناطق شمال غربي سوريا على نشر معلومات بشكل مسترم حول إجراءات الأمن والسلامة والتدابير الوقائية، كما تضم الطرق السليمة لاستخدام مواد التدفئة في فصل الشتاء بالإضافة للحديث عن مخاطر المواد غير الآمنة منها، وفق تصريح سابق لعنب بلدي.
ووفق إحصائيات صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (ocha)، تضم مناطق شمال غربي سوريا 4.5 مليون إنسان، منهم 4.1 مليون بحاجة إلى مساعدة، و3.7 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 2.9 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان منهم يعيشون في المخيمات.
اقرأ أيضًا: وسائل التدفئة غير الآمنة تتسبب بوفيات شمال غربي سوريا
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :