لم تحمل الضربات الأردنية لنقاط ومواقع في الجنوب السوري في إطار حرب عمان على المخدرات نفس الوضوح الذي سبق هذه المرحلة، وتجلى من خلال التلويح بعمل عسكري أردني في سوريا، منذ أيار 2023.
وكان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أبدى حزمًا في تعقيبه على مسألة التهريب المتواصل من سوريا نحو بلاده، قائلًا “نحن لا نتعامل مع تهريب المخدرات باستخفاف”.
هذا الوضوح بدا أيضًا عبر تحميل النظام المسؤولية واللوم على التقصير في ضبط الحدود، إذ أشار مدير الإعلام العسكري في القوات المسلحة الأردنية، مصطفى الحيارى، إلى مسؤولية تقع على عاتق “الدولة السورية”، وأن تواصلًا حصل أكثر من مرة بين عمان ودمشق بشأن تهريب المخدرات، لكنه لم يؤتِ ثماره.
ومع تصاعد وتيرة القصف الأردني، الذي أوقع في 18 من كانون الثاني الحالي، تسعة قتلى من المدنيين وثلاثة جرحى، بقيت حالة الوضوح دون ما هي عليه في التهديد وتحميل المسؤولية، إذ لم تتبن عمان صراحة مسؤوليتها عن العمليات التي تشنها داخل خلف حدود البلد الجار.
واقتصر الأمر على أخبار تتناقلها وسائل إعلام أردنية غير رسمية، وليس منها وكالة الأنباء الرسمية، وتتحدث عن ضربات لسلاح الجو الأردني، وسلاح الجو الملكي الأردني في الجنوب السوري، واستهداف منزل ومستودعات في محافظة السويداء.
هذه الأخبار سبقت القصف الأخير الذي أوقع تسعة قتلى، والذي قابله النظام السوري بما ينسجم مع رد فعله على جولات القصف الأردني السابقة، وهو ما يتلخص بالصمت المطبق، وغياب أي تعليق رسمي.
أساليب استخبارات
الدكتور عمر باشا الرداد، الخبير الأردني في الأمن الاستراتيجي، أوضح لعنب بلدي أن الأردن يوجه الضربات لجماعات يصنفها إرهابية، وإن كان عنوان نشاطها تهريب مخدرات، وهي حرب تتخذ من أساليب الاستخبارات المعروفة بما فيها من سرية إطارًا للعمليات الأردنية.
وأشار الرداد إلى العمليات التي تشنها هذه العصابات المدعومة من أوساط في القيادة السورية والمليشيات التابعة لإيران والتي تعمل بحرية أكبر في مناطق الجنوب السوري بعد انشغال روسيا بالحرب مع أوكرانيا، إذ لا تعلن هذه الميليشيات مسؤوليتها عن إطلاق طائرات مسيرة باتجاه الأردن محملة بمخدرات وأسلحة.
الخبير الأردني استبعد وجود تنسيق بين عمان ودمشق على مستوى قيادات الجيش بين الطرفين، لافتًا للتحذيرات والشكاوى والتهديدات الأردنية المتكررة واتهام النظام بعدم التجاوب مع تحذيرات بخصوص عصابات التهريب، دون أن يجزم ذلك أو ينفي بشكل تام احتمالات وجود تنسيق بين وحدات حرس الحدود على الجانبين.
وكانت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، ذكرت في 20 من كانون الأول 2023، أن مضاعفات الحالة الأمنية على الحدود الأردنية- السورية، انعكست سياسيًا على مستوى الاتصالات بين الجانبين، التي باتت شبه مقطوعة.
وأوضحت الصحيفة أن عمان أبدت انزعاجها في أكثر من مناسبة من عدم إيفاء الجانب السوري بالتزاماته العسكرية والأمنية على الحدود “المحمية من جانب واحد”.
كما ترى مراكز قرار أمنية أردنية أن عدم جدية دمشق في وضع حد للميليشيات، هو الوجه الآخر لتصدير أزمات النظام باتجاه دول الجوار.
النظام في ورطة
بينما اقتصرت التعليقات الأردنية على أخبار وسائل الإعلام غير الحكومية، تجاهلت وسائل الإعلام السورية الرسمية مقتل مدنيين في السويداء بالقصف الأردني، بينما نقلت إذاعة “شام إف إم“، المحلية المقربة من النظام، عن مراسلها في السويداء، أن عشرة وفيات وثلاثة إصابات سببها استهداف الطيران الأردني لمنزلين في بلدة عرمان بريف السويداء الجنوبي، ولم تعلق وزارة الخارجية السورية على الحادثة حتى إعداد هذا التقرير.
وحول أسباب صمت النظام السوري عن القصف الأردني، يرى الخبير عمر باشا الرداد أن النظام السوري في ورطة فهو غير قادر على الرد، لأنه يدرك أن أي رد يعني فتح جبهة بالنسبة له إضافة لجبهات الشمال الغربي والشرقي، مع الإشارة إلى انقسامات على المستويين السياسي والعسكري، إذ أن أوساطًا أمنية وسياسية في صفوف النظام، متورطة بتقديم غطاءات لمليشيات التهريب، سيما الأكثر قربًا منها إلى القيادة الإيرانية.
الرداد بيّن أيضًا أنه رغم اتخاذ النظام السوري مواقف وسياسات تتعارض مع التزاماته على خلفية عودته للجامعة العربية، يحاول تمرير هذه الضربات ربما للإيحاء بأنه يسهم في مكافحة المخدرات، وهو تكتيك تستخدمه القيادة الإيرانية، وربما يؤكد ذلك حقيقة سيطرة المليشيات الإيرانية على الجنوب السوري، وأن القرار بيد هذه المليشيات وليس بيد “الحكومة السورية”.
في الوقت الذي تتواصل به عمليات تهريب المخدرات من سوريا على نطاق إقليمي، نحو دول الجوار، وأولها الأردن، ثم دول الخليج العربي، يتجه النظام للترويج لمكافحة المخدرات عبر إعلانات متكررة من وزارة الداخلية في حكومته، حول إلقاء القبض على “متورطين” في الاتجار بالمخدرات وترويجها محليًا، لكن الواقع المرتبط بالملف لا يشي باقتناع أردني أو عربي بهذا الترويج.