المعركة القانونية في سياق قانون القوة
لمى قنوت
جاءت الدعوى التي قدمتها دولة جنوب إفريقيا بمحكمة العدل الدولية، في 29 من كانون الأول 2023، ضد أعمال الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني ضد سكان غزة بمنزلة صفعة غير متوقعة للكيان وشركائه من دول الشمال، ذات الإرث الاستعماري، فكل شيء كان مضبوطًا لاستمرار وإضفاء الشرعية على الإبادة الجماعية، من مجلس الأمن، الذي تتحكم به الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وتحتكر القرار الدولي بانتقائية مجهرية، وتعطله لمصلحة ترسيخ قوى الهيمنة والمشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني، إلى تعزيز الوجود البحري الأمريكي في المنطقة، عبر إرسال حاملتي الطائرات “جيرالد آر فورد” و”آيزنهاور”، اللتين توجهتا إلى شرق البحر المتوسط، بعد عملية “7 أكتوبر” (7 من تشرين الأول 2023)، لتوفير الدعم والحماية للاحتلال، و”ردع أي دولة أو جهة غير حكومية” تحاول توسيع الحرب خارج قطاع غزة، ناهيك بالجولات المكوكية الأربع التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في المنطقة، لتخدم ذات الأهداف وتضبط تبعية الأنظمة العربية إلى مستوى لا تنفذ فيه قراراتها، مثل قرار كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل المساعدات الإنسانية بشكل فوري، بحسب ما جاء في البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية في 11 من تشرين الثاني 2023.
استندت الدعوى التي قدمتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل إلى ارتكابها إبادة جماعية بحق الفلسطينيين والفلسطينيات في قطاع غزة، ومطالبتها بإجراءات عاجلة ومؤقتة لوقف العمليات العسكرية بشكل فوري، بناء على أحكام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، (اعتمدت في 9 من كانون الأول 1948)، وتفسيرها وتطبيقها بعد أن دخلت حيز التنفيذ في 12 من كانون الثاني 1951، كما استندت إلى فقه محكمة العدل الدولية والمحاكم والهيئات القضائية الدولية الأخرى.
وتختص محكمة العدل الدولية، حسب المادة التاسعة من الاتفاقية، بالفصل بين “النزاعات التي تنشأ بين الأطراف المتعاقدة، بشأن تفسير أو تطبيق أو تنفيذ الاتفاقية، بما في ذلك النزاعات المتصلة بمسؤولية دولة ما عن إبادة جماعية أو عن أي من الأفعال المذكورة في المادة الثالثة” منها، وهي: “الإبادة الجماعية، التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية، التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية، محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية، الاشتراك في الإبادة الجماعية”، ويعاقب مرتكبوها “سواء كانوا حكامًا دستوريين، أو موظفين عامين، أو أفرادًا”، وذلك حسب المادة الرابعة منها.
إن دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل هي الأولى من نوعها، وقد أتت بالتزامن مع إعلان وعزم المحامي الفرنسي جيل دوفير تشكيل “جيش” من المحامين، مؤلف من 300-400 محامٍ ومحامية، من جميع أنحاء العالم، من أجل رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية، تطالب بفتح تحقيق عن جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل بعد “7 أكتوبر” (7 من تشرين الأول 2023)، وسيعملون على تلقي توكيلات من الضحايا الفلسطينيين والفلسطينيات في قطاع غزة. كما أحالت دولتا المكسيك وتشيلي الوضع في فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية للتحقيق في الجرائم المرتكبة منذ ذلك التاريخ.
أصوات الفريق القانوني لجنوب إفريقيا في مرافعاته العلنية بمحكمة العدل الدولية، وما سيأتي بعدها من مرافعات ودعاوى ضد إسرائيل، ستسهم مع ملايين أصوات الأحرار في العالم بترسيخ الحضور العالمي لتحرر فلسطين من الاحتلال الصهيوني الاستيطاني، وستقوض شيئًا فشيئًا ذريعة استخدام تهمة معاداة السامية لدعم الاحتلال وجرائمه، وتكميم الأفواه، كما أنها فتحت الأبواب للاشتباك وفضح استخدام “التكفير” الألماني عن المحرقة النازية، على حساب الدم الفلسطيني ودعم الاحتلال الصهيوني الاستيطاني وجرائمه، وربط فظائع الكولونيالية السابقة والحالية بعضها ببعض، كما فعلت جمهورية ناميبيا، على سبيل المثال، حين انتقدت رفض ألمانيا للائحة الاتهام التي قدمتها جنوب إفريقيا حول ارتكاب الكيان الصهيوني إبادة جماعية في قطاع غزة، وطالبتها بإعادة النظر في قرارها المفاجئ المتعلق بتدخلها كطرف ثالث للدفاع عن الكيان ودعم الإبادة الجماعية في محكمة العدل، وذكّرتها بالإبادة الجماعية التي ارتكبتها في ناميبيا بالقرن الـ20 (1904-1908)، وبأنها، أخلاقيًا، لا تستطيع الالتزام باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإبادة الجماعية، بما في ذلك التكفير عن الإبادة الجماعية في ناميبيا، في حين تدعم ما يعادل المحرقة والإبادة الجماعية في قطاع غزة.
إن المعركة القانونية واستخدام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ومحكمة العدل الدولية لوقف الإبادة الجماعية بشكل فوري على سكان قطاع غزة لإنقاذ حيواتهم، ومن ضمنها الإبادة المكانية التي جعلت الأرض الفلسطينية مكانًا غير قابل للحياة، ومعاقبة مرتكبيها، هو امتحان لمؤسسات دولية وأدوات قانونية تشكلت في سياقات استعمارية، شرعنت الاحتلال الصهيوني وحمت قوى الهيمنة والإخضاع والنهب، مع إدراكنا الكامل بأن مشروع تحرر شعوب المنطقة، ومن ضمنهم الشعب الفلسطيني، لن يقوم إلا بمشروع تحرري مقاوم لجميع هياكل الهيمنة الداعمة للاحتلال الصهيوني الاستيطاني والاستبداد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :