شابات وشباب يروون تجاربهم
العادات والتقاليد لا تغادر زيجات السوريين في تركيا
عنب بلدي – وفاء عبيدو
على الرغم من لجوء ملايين السوريين إلى بلدان عديدة، والانفتاح على مجتمعات مختلفة، فإن العادات والتقاليد لا تزال تتحكم بقرارات الزواج والارتباط تبعًا للمناطق التي خرجوا منها، مع وجود استثناءات.
وباتت بعض التقاليد والمفاهيم بمنزلة عرف يلعب دورًا في نجاح العلاقات الزوجية باختيار شريك الحياة من مجتمع أو محافظة بعينها، كأن يتشابه الراغبون بالزواج في الفكر والعادات والتقاليد، والمدينة أو المنطقة التي قدموا منها.
المحافظة على العرف
“يلي متلنا تعو لعنا”، على هذا النهج تسير سناء (48 عامًا) لاختيار زوجة لابنها محمود، وهو المتبع من قبل عائلتها في اختيار الشريك، موضحة أنها تزوجت بطريقة مشابهة.
تقيم سناء مع عائلتها في اسطنبول، وهي من محافظة درعا، وبسبب عدم وجود أقرباء حولها، وضعت منشورًا عبر “فيس بوك” في مجموعات خاصة بالفتيات، باحثة عن عروس لابنها من نفس المحافظة و”ذات خُلق” وتعيش في اسطنبول.
أوضحت سناء أنها تذهب لرؤية الفتاة التي تتواصل معها عبر المنشور، ثم تقرر إن كانت تتناسب مع ابنها من حيث العائلة والأخلاق والصفات، وهو “العرف” السائد في مجتمعها، وفي حال وجدت سناء قابلية للتوافق، ستجري بقية الأمور ضمن الأصول والعادات، بحسب تعبيرها.
لا يجد ابنها محمود (28 عامًا) مشكلة في هذه الطريقة لاختيار شريكة حياته، كونه يرى زواج والديه ناجحًا، وهو بحاجة إلى زواج مشابه من حيث البيئة التي ولد فيها ليبني أسرة مشابهة لأسرته، بحسب ما ذكره الشاب لعنب بلدي.
المجتمعات تختلف
رولا (40 عامًا) من ريف دمشق وتقيم في اسطنبول، ترى أن السوريين ينقسمون إلى عدة مجتمعات، وقد يكون في المحافظة ذاتها أكثر من مجتمع يتميز بعادات وتقاليد وأعراف تختلف بشكل كلي أو جزئي عن الآخر.
اتبعت السيدة طريقة المجتمع الذي نشأت فيه لتزويج ابنتها، إذ ترى أنه يجب اختيار شريك متوافق في العادات، لتجنب الخلافات الاجتماعية بعد الزواج، وبحسب قولها، “يلي ما بياخد من ملّته بيموت بعلّته”.
أكدت السيدة أنها رفضت تزويج ابنتها لإحدى المحافظات، لأن المتقدم بطلب الزواج ينتمي لمجتمع تختلف عاداته عن عاداتهم بشكل جذري، وزوجت ابنتها لشاب من محافظة أخرى، لكنه ولد في ريف دمشق واكتسب عادات المجتمع ذاته ويتشابه مع العائلة من حيث البيئة المجتمعية.
تابعت أنها لا تمانع تزويج ابنتها بشاب من محافظة أخرى، لكن يجب أن يكون الزواج مبنيًا على تشابه من حيث العادات، أو أن يكون المتقدم متقبلًا للتغيير بشكل أو بآخر، ولا ترى فارقًا في اختيار الشريك بين الشاب والفتاة، ويجب أن يختار الإنسان لأبنائه بمبدأ المساواة للحفاظ على النسب.
يميل بعض الشبان والشابات للخروج من عباءة بعض العادات والتقاليد، والبحث عن شريك الحياة والارتباط خارج نطاق العرف السائد، ومنهم حسان، وهو شاب سوري مقيم في اسطنبول (37 عامًا).
تزوج حسان قبل أربع سنوات وفقًا لاختيار والدته التي بحثت له عن زوجة من خلال الأقارب، وكان الشرط أن تنحدر الفتاة من محافظة الرقة التي ينتمي إليها.
وجدت والدته الشريكة في ولاية غازي عينتاب التركية، إذ وصلت صورة الفتاة عبر تطبيق “واتساب”، وحظيت بقبول الوالدين ثم الشاب، وسارت الأمور وفق العادات المتعارفة، وهو اليوم أب لطفلين.
لا يعتبر الشاب نفسه سعيدًا، وقال، “توفيت والدتي التي قررت أن سعادتي ضمن العرف السائد، تجربتي فاشلة وغير راضٍ عنها، لكنني مجبر أن أستمر في هذا الزواج تحت رغبة العرف والمجتمع”.
للشاب زوجة ثانية لم يعلن لعائلته عنها، وهي من محافظة دمشق، وتربطه بها مشاعر قوية على حسب وصفه، ويجد أن الزواج الثاني يرضيه، ولكن في عائلته اختيار الشريك يحصل بقرار عائلي.
ما الدوافع؟
الزواج من نفس المنطقة رائج ومتعارف عليه بين السوريين على اختلاف المحافظات والبيئات التي ينحدرون منها، ولا يزال كثيرون يتمسكون بهذا العرف على الرغم من التباعد وترك البلاد والظروف الصعبة التي يعيشونها.
الاختصاصي في علم النفس الاجتماعي صفوان قسام، أوضح لعنب بلدي أن المجتمعات السورية ما زالت في طور الخروج عن العادات والعرف، كونها تشعر بالخوف على الاستقرار الزوجي والأسري، لذا يسعى الأهل لاختصار معاناة أبنائهم فيلجؤون إلى الشكل التقليدي للتوافق الزوجي.
ويرى قسام أن التوافق الزوجي لا يلزم الزواج من البيئة الواحدة، لكن دور هذه البيئة كبير في بناء العلاقة الزوجية من حيث الثقافة الواحدة والعادات، والبحث عن شريك من نفس المحافظة عبر مواقع التواصل لا يختلف عن البحث المتعارف عليه وفقًا للعلاقات الاجتماعية، ولكن هنا وظف الأهالي أدوات عصرية في لعب نفس الدور.
ومن وجهة نظر قسام، فإن للزواج نمطين، الأول حديث وهو أكثر ارتباطًا وتكاملًا في العلاقة الزوجية، ولكنه أقل استقرارًا بحسب الإحصاءات، لعدم وجود ضوابط اجتماعية فيه.
وهناك زواج تقليدي وهو الأكثر ديمومة، لأنه يملك عوامل ضبط من قبل العائلة التي تساعد في استدامة هذا الزواج، رغم سلبياته في تكامل العلاقة الزوجية من نواح مختلفة.
تجارب بين النجاح والفشل
الزواج من ذات المحافظة ليس جديدًا في المجتمع السوري، ويلجأ بعض الشباب للاستعانة بعائلاتهم من أجل العثور على شريك للارتباط.
هيثم (34 عامًا) من حلب ويقيم في اسطنبول، تزوج بعد أن طلب من أمه البحث له عن عروس من محافظة حلب، وتمت الخطبة بشكل رسمي بعد أن تعرفت العائلتان إلى بعضهما وفق العادات والتقاليد السائدة ضمن المجتمع الذي ينتميان إليه، وهو أب لطفل.
يعتبر الشاب زواجه ناجحًا ولم يجد صعوبة بالتفاهم مع زوجته، كونهما ينتميان إلى عادات متشابهة.
وأوضح هيثم أن زواج والديه كان بطريقة مشابهة، وهو ما دفعه للزواج وفقًا للعرف.
أما مرح (26 عامًا) وهي تنحدر من حماة، فانفصلت عن زوجها ابن محافظة القنيطرة، بعد زواج دام لأربع سنوات ونتجت عنه طفلة.
جاء الطلاق بسبب مشكلات مستمرة مع أهل الزوج كونهم يصفونها بـ”الغريبة”، بحسب ما ذكرته مرح لعنب بلدي.
وأوضحت الشابة أنها تزوجت بعد علاقة حب وعلاقتها بزوجها كانت جيدة، ولكن عائلته لم ترغب بهذا الزواج كونها من محافظة أخرى.
استمرت العائلة برفض مرح بعد الزواج، وقررت تزويج ابنها من إحدى شابات المحافظة التي تتشابه معهم من حيث العادات والتقاليد، ما أدى إلى الانفصال.
“ظلمتني هذه الأعراف وظلمت طفلتي، لم يتغير المجتمع، ورغم العيش في بلدان أكثر حضارة ما زال البعض على ذات العقلية”، بهذه الكلمات وصفت مرح تجربتها.
أعدت عنب بلدي، مطلع عام 2023، تقريرًا بعنوان “الشبان السوريون في تركيا لا يتزوجون“، عرض تجارب عن المعاناة التي يواجهها الشبان السوريون في تركيا لانتقاء زوجة لهم.
وبلغ عدد السوريين في تركيا المسجلين ضمن “الحماية المؤقتة” قرابة ثلاثة ملايين و200 ألف لاجئ، بحسب أحدث إحصائية صادرة عن الرئاسة العامة لإدارة الهجرة التركية، في 11 من كانون الثاني الحالي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :