أموال طائلة، ونفوذ سياسي، وعلاقات على أعلى المستويات السياسية والاقتصادية، عوامل لم تمنع سقوط رجل الأعمال الأمريكي جيفري إبستين، ووضعه بالسجن تمهيدًا لمحاكمته بتهمة البغاء والتحرش الجنسي بالقاصرات، قبل أن يموت في سجنه.
عشرات الصور مع رؤساء أمريكيين ورجال أعمال متنفذين، وسياسيين أجانب، وفنانين وعلماء، استعرضها المسلسل الوثائقي عن حياة الرجل، والذي أنتجته شبكة “نتفليكس” الأمريكية، في محاولة لكشف الغموض عن القصة التي أثارتها الصحافة الأمريكية مجددًا خلال الأسابيع الماضية.
وفي مسلسل وثائقي مكوّن من أربع حلقات، استضاف صنّاع العمل ضحايا إبستين، ومن عملن معه من النساء وسهّلن إحضار الفتيات الصغيرات، اللواتي كان مطلوبًا منهن فقط “إجراء عمليات تدليك للرجل”، قبل أن يتحول الأمر إلى نواحٍ أخرى.
استدرج إبستين مئات الفتيات على مدى سنوات إلى قصره في منطقة بالم بيتش بولاية فلوريدا الأمريكية، بالإضافة إلى أماكن أخرى في باريس ونيومكسيكو، ورغم تقديم شكوى من قبل فتاتين إلى الشرطة الفيدرالية الأمريكية، فإن الأخيرة لم تحرك ساكنًا.
فنيًا، لم يختلف العمل بطريقة صنعه وتقديمه للجمهور عن المعتاد، وقُدّم ضمن قوالب “الصحافة الاستقصائية”، وكأن المخرجة تبحث عن حقيقة إبستين في مكان ما، عبر لقاءات متتالية مع عشرات الشخصيات، من الضحايا إلى صحفيين وصولًا إلى محامي القضية.
حاولت المخرجة ليزا بريانت، التي أخرجت عملًا ثانيًا لاحقًا عن صديقة إبستين، جيسلين ماكسويل، إبراز دور الصحافة وأهميتها، وبدأت رواية القصة عبر لقاء مع إحدى الصحفيات التي روت محاولتها إنجاز تقرير صحفي عن إبستين، لتبدأ باكتشاف المعلومات الواحدة تلو أخرى، ثم منع التقرير من النشر بعد تلقي إدارة التحرير تهديدات مباشرة من إبستين، ورشوة مالية.
ربما رأت المخرجة أن القوة تكمن في كم المعلومات والمصادر الحصرية التي ستغني العمل، وهو الأساس الذي قام عليه المسلسل، مع إضافات تتعلق بصور لإبستين مع عديد من الشخصيات العالمية، بينها الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، ودونالد ترامب، وغيرهما، وجلسات التحقيق.
هذا الاعتماد على المعلومات، وإن كان مفهومًا باعتباره الأساس، لا يعني الاعتماد على القالب الجاهز السهل لظهور العمل إلى النور، أو إلغاء دور الصورة في رواية القصة.
وغياب الصورة لا يقلل من أهمية المعلومة أو الجهد المبذول، لكن عدم احتلالها لما تستحق باعتبارها الأساس الذي يقوم عليه أي مسلسل أو فيلم، يجعل الأمر يُصوّر وكأنه استسهال أكثر من كونه توازنًا أو ضرورة.
مع تتالي الأحداث، تحقق الشرطة الفيدرالية مع إبستين، ويتعرض للمحاكمة، ويستخدم حقه الدستوري بعدم الكلام، وكل نفوذه وعلاقاته في النهاية لم تنفع، ووهم القوة الذي صوّره لضحاياه على مدى سنوات سقط بمجرد أن قررت الحكومة الأمريكية التحرك بشكل جدي.
وهنا يمكن أن نقف مجددًا أمام القوالب الجاهزة، حيث الرسالة الأمريكية الدائمة والإصرار على رسم صورة أمريكا بلد الحريات والقانون وأرض الحريات الداعمة للشعوب المقهورة، وهي صورة أثبتت كل السياسات الأمريكية خلال السنوات الماضية أنها ليست بهذه الدقة كما تصورها “هوليوود” واستوديوهات الإنتاج، ولو استمدت من وقائع حقيقية.
عُرض العمل في عام 2020، بعد عام واحد من وفاة إبستين في سجنه، عقب إدانته بالاتجار بالقاصرات لأجل الجنس في ولايتي نيويورك وفلوريدا.
وفي 11 من كانون الثاني الحالي، كشفت الدفعة الخامسة من وثائق المحكمة المتعلقة بإبستين، وبين الأسماء الواردة في التحقيقات، الأمير البريطاني أندرو ألبرت، دوق يورك، وبيل كلينتون ومايكل جاكسون.
حصل المسلسل على تقييم 7.1 في موقع “imdb” المختص بالأفلام والمسلسلات.