الزي العربي البدوي.. فلكلور رائج شمال غربي سوريا
وأنت تتجول في شوارع وأحياء مدن وبلدات شمال غربي سوريا، لا يغيب عن ناظريك انتشار اللباس البدوي (كلابية وشماخ وعكال)، بين الأوساط الشعبية، والذي ينتشر عادة في المناطق ذات البيئة العشائرية في سوريا، خاصة دير الزور وأرياف المحافظات السورية.
هذا اللباس ليس جديدًا على المنطقة، لكن انتشاره زاد ولاقت صناعة “الكلابيات” والفراء رواجًا كبيرًا في السنوات الماضية، فلا يكاد يخلو سوق من وجود معارض لـ”كلابيات” بشتى أشكالها وتطريزاتها، وبمختلف الأعمار، وكذلك ألوان متعددة من الشماخات والفراء.
تقليد وموروث
يوجد في منطقة إدلب حاليًا تنوع كبير من أبناء القبائل والعشائر السورية التي نزحت من مناطق متفرقة من سوريا، وخاصة من أرياف دير الزور وجنوبي حلب وشرقي حماة وإدلب، ومعروف عنهم اللباس البدوي الذي يتمثل بـ”الكلابية” وفوقها الجاكيت والشماخ والعكال.
وفي فصل الشتاء تُلبس “الفروة” أو العباءة للرجال أصحاب المكانة الرفيعة بين أبناء القبيلة، ويرتديها “الوجيه أو الشيخ”، وعادة ما يكون من كبار السن.
ويُرجع عدد من الوجهاء من أبناء العشائر انتشار هذا الزي، لتمسك أبناء القبائل والعشائر بزيهم التقليدي الذي ورثوه من مئات السنين، إضافة لاهتمام السلطات الموجودة في المنطقة بملف العشائر من أجل كسب التأييد الشعبي لقراراتها في أي أمر تواجهه، وهو ما زاد من رواج هذا الزي أكثر في المنطقة.
زكريا شمس الدين، وهو من المهتمين بالتاريخ العربي والعادات المرتبطة به، قال لعنب بلدي إن كل الناس في النهاية تنتمي لقبائل وعشائر، لكن نتيجة الهجرات المتكررة لبعض الأشخاص والعائلات واهتمامهم بأنشطتهم وأعمالهم، أدى إلى ضعف اهتمامهم بالعادات والتقاليد التي كانت منتشرة في الأرياف.
وأضاف أن الزي العربي منتشر في أرياف إدلب لكن لدى كبار السن فقط، وخاصة في أرياف جبل الزاوية وخان شيخون وسراقب، بينما زاد هذا الاهتمام باللباس وبالعادات والتقاليد العربية، خاصة تقديم القهوة العربية “المرة”، في السنوات الماضية.
وبات تقديم القهوة منظرًا معتادًا في مختلف مناطق شمال غرب سوريا، وارتبط به أيضًا انتشار تربية الخيول العربية الأصيلة، التي شهدت مسابقات وكرنفالات في مختلف مناطق الشمال، وكذلك تربية الإبل وصيد الطيور الجارحة غالية الثمن والمد العربي.
أصالة وهيبة
يعتبر زكريا شمس الدين زيادة الاهتمام بالزي العربي نوع من تعميق الانتماء والاعتزاز بالعروبة، التي كانت تحت مظلة الإسلام وطريق الاستقامة، وهي هرم من مجد، على حد قوله.
وأضاف أن الإنسان الذي يعتز بعروبته، يتمسك بجميع العادات والتقاليد المرتبطة بها، من اللباس العربي وعادات الكرم وحسن الضيافة وغيرها من العادات المتجذرة في تاريخ العرب.
من جهته قال قاسم الغوطاني، وهو أحد المهتمين بالزي العربي، إن هذا اللباس هو “فطروي” ومحبوب لدى الناس، وعندما ترى شخصًا يلبس “كلابية وشماخ وعكال” وعباءة فوقه، تنظر له بمحبة وتحترمه “لهيبته”.
ومن الملاحظ أنه منتشر في مجتمع الشمال من مختلف الفئات العمرية، فهو لباس مريح للبدن وله مهابة، ويضيف جمالًا للشخص الذي يرتديه، واللباس الحالي البدوي قريب من لباس العربي أيام الجاهلية وفي الإسلام إلى يومنا هذا، وفق الغوطاني.
فارس حميد، صاحب ورشة خياطة “كلابيات” ومعرض للزي العربي، قال لعنب بلدي إن “الكلابية” واللباس العربي رمز للأصالة ورمز لكل عربي محب لعروبته، فهي جزء من تراثه وتاريخه، وفي أي مكان يوجد فيه العربي.
بالدولار وحسب القماش
أوضح فارس حميد أن أبرز ما يميز الزي العربي هي “الكلابيات”، وهي على أنواع بحسب نوع قصتها وتفصيلها، منها الحجازي “السعودي”، والخليجي “القطري”، ومنها العماني والكويتي، وكل تفصيلة لها ميزات وإضافات خاصة بها، وتنتشر في مناطق عربية خاصة، فالتفصيلة الحجازية، متعارف عليها أنها بالأصل شامية وتنتشر في السعودية وسوريا، والتفصيلة العُمانية تنتشر بين شعبي الإمارات وعُمان.
والـ”فروة”، بحسب فارس، جزء لا يتجزء من اللباس العربي الأصيل، موضحًا أنها رفيقة البدوي في الصيف والشتاء، فهناك مثل بدوي متعارف عليه “الفروة تصد برد الشتاء وحر الصيف”.
وعن أسعار “الكلابيات” قال حميد إنها تختلف بحسب نوعية القماش وجودتها، فالقماش الصيني بمعدل 15 دولارًا أمريكيًا لـ”الكلابية” الجاهزة، في حين أن “كلابية الجوخ الهندي” تتراوح بين 16 و25 دولارًا لـ”الكلابية” الجاهزة، بينما “كلابية الجوخ الإنجليزي” تتراوح بين 40 و50 دولارًا لـ”الكلابية”.
وفيما يخص صناعة “الفروة”، قال إنها توسعت وتطورت صناعتها مؤخرًا، فدخلت عليها أقمشة جديدة وإضافات تزينها وبموديلات مختلفة فهناك فراء “السيلكة والمخمل والجوخ وجلد الطليان”، وكل نوعية لها سعر خاص، فتبدأ من سعر عشرة دولارات حتى 600 دولار، بحسب القماش والموديل ونوع الخيط.
وأشار حميد إلى أن ” العِبي”، التي تشبه “الفروة” ولكنها صيفية، وبعضها شتوي من وبر الإبل، هي مثل “الفروة” جزء من الزي العربي الأصيل، إضافة للعكال (البريم)، وقصته أنه كان مصنوع من وبر الإبل ولونه بني، وعندما سقطت الأندلس تحول لونه للأسود، تعبيرًا عن الحزن.
ويسكن في مناطق شمال غربي سوريا 4.5 مليون شخص، 4.1 مليون منهم بحاجة إلى مساعدة، و3.3 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 2.9 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6 ملايين شخص.
ولا تتجاوز في المنطقة أجرة العامل يوميًا من 60 إلى 100 ليرة (كل دولار أمريكي يعادل 29.5 ليرة تركية).
مطلوب في أوروبا
لم يقتصر انتشار الزي البدوي في شمال غربي سوريا، بل بات مطلوبًا في دول المهجر، وفق ما قاله مصطفى الحميدي، وهو مهجر من منطقة جنوبي حلب إلى بلدة كللي شمال إدلب، وله تجربة في ذلك.
وأوضح أن شقيقيه سافرا إلى ألمانيا في عام 2023، وأوصياه بتفصيل “كلابيات” لهما وشراء فراء و”شماخات وعكالات” وإرسالها عن طريق الشحن إلى ألمانيا، لافتًا إلى أنهم مجتمع عشائري يهتمون بلباسهم التقليدي.
وفق الحميدي فإن هذا الزي قد حافظ عليه أغلب أبناء العشائر الذي سافروا إلى أوروبا، ويلبسونه في المناسبات وعند الزيارات الاجتماعية، كنوع من المحافظة والاهتمام بالعادات والتقاليد التي ورثوها من آبائهم وأجدادهم، ولم يغيروها رغم كل الظروف التي مرت عليهم.
ولفت إلى أنه وأقاربه في كل عام يقومون بتفصيل طقم عربي” كلابية وجاكيت”، بلون وقماش مختلف.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي فإن الطلب على تفصيل “الكلابيات” لا ينقطع، ويحتاج التفصيل عند بعض أصحاب الورشات إلى الانتظار لأسبوعين أو أكثر كي يجهز.
اقرأ أيضًا: القهوة العربية.. موروث لا يفارق السوريين حتى في خيام النزوح
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :