أسعار المشتقات النفطية تزداد في سوريا رغم الهبوط العالمي

ناقلة النفط الإيرانية "أدريان داريا 1"- 2019 (رويترز)

camera iconناقلة النفط الإيرانية "أدريان داريا 1"- 2019 (رويترز)

tag icon ع ع ع

تتواتر إعلانات حكومة النظام السوري عن زيادة بأسعار المحروقات، وبالأخص التي تباع بسعر “التكلفة”، على أساس أن معظم الثروة النفطية تستورد من “الدول الصديقة”، وفق تصريحات المسؤولين.

بالمقابل يأتي هذا الارتفاع المستمر وسط هبوط أسعار النفط الخام العالمي من جهة، واستقرار سعر صرف الدولار مقابل العملة المحلية بحسب السعر الرسمي في نشرة “السوق الرسمية” المحددة من قبل مصرف سوريا المركزي من جهة أخرى.

أحدث زيادات المحروقات كانت في 8 من كانون الثاني الحالي، حين ارتفع سعر ليتر البنزين الواحد “المدعوم” (أوكتان 90) إلى 9500 ليرة سورية، بعدما كان 9000 ليرة في 24 من كانون الأول 2023.

وبالنسبة للبنزين “أوكتان 95″، بلغ سعر الليتر للمستهلك بحسب سعر “التكلفة” 12430 ليرة سورية، بعدما كان 12160 ليرة.

وفي قرار منفصل، رفعت الوزارة سعر البنزين للمشتركين في القطاع الخاص “مسبق الدفع” لمادة البنزين “أوكتان 90” إلى 10896 ليرة لليتر الواحد،

وكانت وزارة التجارة الداخلية رفعت، في 3 من كانون الثاني الحالي، سعر مبيع الليتر من مادة المازوت “المدعوم” المخصصة للمركبات إلى 11880 ليرة سورية بنسبة زيادة اقتربت من 500%، إذ كان بقيمة 2000 ليرة في آب 2023.

في 3 من تشرين الأول 2023، قال مدير مديرية الأسعار في وزارة التجارة الداخلية، إسماعيل المصري، إن الوزارة ستصدر نشرة أسعار دورية للمشتقات النفطية الخاصة بالقطاعات الصناعية والقطاعات الأخرى، بناء على واقع الأسعار.

وتتأثر أسعار معظم المواد الاستهلاكية بزيادة أسعار المحروقات، وسط تدني القوة الشرائية للسكان وتدهور الوضع الاقتصادي، إذ ارتفعت أسعار المحروقات لأرقام قياسية خلال 2023، بنسب تجاوز بعضها 200%، مقارنة بعام 2022.

بنسب تجاوزت 200%.. ارتفاع أسعار المحروقات في سوريا خلال 2023

زيادة تخالف الهبوط العالمي

توالت أخبار هبوط أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية خلال الأشهر الماضية لعدة أسباب، منها نمو الاقتصاد الصيني المصدر للنفط، وتوقعات وكالة الطاقة الدولية بسوق نفط “مريحة” رغم اضطرابات البحر الأحمر، كما أدى التخفيض السعودي لأسعار النفط إلى تراجع أسعار الخام العالمية مع انخفاض الطلب العالمي.

خلال الأشهر الماضية هبط مؤشر أسعار “خام برنت” من نحو 92 دولارًا للبرميل في تشرين الأول 2023 إلى حوالي 77 دولارًا في كانون الثاني الحالي، كما تراجعت بشكل مشابه أسعار منظمة “أوبك” للدول النفطية من 94 دولارًا للبرميل في أيلول 2023 إلى نحو 78 دولارًا للبرميل الشهر الحالي.

وزير النفط في حكومة النظام السوري، فراس قدور، في 11 من كانون الأول الحالي، خلال مشاركته بمؤتمر الطاقة العربي في الدوحة، أفاد بانخفاض إنتاج النفط من حوالي 385 ألف برميل في اليوم عام 2011، إلى نحو 15 ألف برميل في الوقت الراهن.

ولا تملك الحكومة حلولًا جدّية من شأنها إنهاء أو تخفيف أزمة الوقود المستمرة في مناطق سيطرتها، كون معظم الحقول النفطية تقع تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمال شرقي سوريا، وتعتمد على التوريدات النفطية الخام من إيران وفق اتفاقيات “الخط الائتماني”.

ورفعت إيران كميات النفط الخام المورد إلى النظام السوري وفق آلية “الخط الائتماني الإيراني”، من مليونين إلى ثلاثة ملايين برميل شهريًا.

وبحسب مصادر إيرانية، تحدثت لصحيفة “الوطن” المقربة من النظام، في 10 من تشرين الثاني 2022، اتخذ القرار الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لمساعدة النظام في تجاوز أزمة الطاقة التي تعانيها مناطق سيطرته، بينما تصل الحاجة إلى نحو ستة ملايين برميل شهريًا.

وتعمل مصفاتي “حمص” و”بانياس” على تحويل النفط الخام المستورد من إيران والوارد من مناطق سيطرة “قسد” عبر وسطاء محليين، إلى مشتقات نفطية من مازوت وبنزين وفيول وغيره.

منذ عام 2021، عقد النظام اتفاقًا مع “قسد”، يقضي ببيع 500 صهريج من المحروقات بشكل أسبوعي من مناطق سيطرتها إلى النظام عبر شركة “قاطرجي”، وإرسال 100 صهريج منها إلى المناطق الخاضعة لنفوذها في مدينة حلب وريفها الشمالي (الشيخ مقصود والمناطق المحيطة بها).

ما الأسباب؟

لا يعد تغير سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار المستخدم في تعاملات الاستيراد الخارجية، أحد أسباب رفع سعر المشتقات النفطية، إذ يلاحظ استقرار سعر الصرف بحسب نشرة مصرف سوريا المركزي.

ومنذ تشرين الأول 2023 حتى كانون الثاني الحالي ارتفع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار وفق نشرة “الحوالات والصرافة” بنسبة نحو 14%، من 11500 إلى 13200 ليرة سورية، وبنسبة 8.5% وفق نشرة “السوق الرسمية” لذات الفترة.

الصحفي المحلي المختص بالشؤون الاقتصادية، زياد غصن، قال إن الحكومة تسعر المشتقات النفطية في السوق المحلية وفقًا لما تحدده بورصة أسعار المشتقات النفطية عالميًا، والتي تعد أعلى من بورصة أسعار النفط الخام، وليس وفقًا للتكاليف الحقيقية المدفوعة لاستيراد النفط وتكريره في المصافي المحلية.

واستند غصن في حديثه على قرار وزارة النفط، والمتعلق بتسعير مادة البنزين للمشتركين في القطاع الخاص (مسبق الدفع)، إذ جاء في القرار المذكور أن السعر المحدد هو ما خلصت إليه لجنة احتساب وسطي “تكلفة الاستيراد التقديرية للمشتقات النفطية”.

ووفقًا لما تنص عليه أنظمة التجارة الخارجية عند استيراد المشتقات النفطية، تضاف 10% كرسوم جمركية في أثناء عملية احتساب تكاليف المشتقات النفطية بحسب غصن، الذي أشار إلى أن هذه تكلفة إضافية يتحملها السوريون جراء السياسة الحكومية القائمة على “استسهال تحصيل الإيرادات بأي طريقة كانت”.

ويضاف إلى الأسباب المذكورة، وجود توترات في البحر الأحمر وتوقف العديد من شركات الشحن البحري العالمية من عبور مضيق باب المندب وتغيير مسار رحلاتها، وهو ما رافقه زيادة بأجور الشحن وارتفاع في تكاليف التأمين على الشحن البحري.

عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، قال إن تصاعد التوترات في البحر الأحمر، سيزيد من تكلفة نقل البضائع على مستوى العالم ومن بينها سوريا، وستنتقل حتمًا إلى المستهلك النهائي، وفق مانقلته “الوطن“، اليوم الخميس 18 من كانون الثاني.

بدوره أكد عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، ياسر أكريم، أن آثار هذه المخاطر لم تصل بعد إلى الشارع السوري ولكنها سوف تظهر ربما خلال شهر، لأنه إضافة إلى أجور الشحن فإن أجور التأمين ارتفعت بنحو من 5 إلى 10%.

تحقيق ربح

يرى الباحث الاقتصادي زكي محشي، أن حكومة النظام أخذت القرار ببيع المشتقات النفطية سواء كانت مستوردة أو ناتجة عن تكرير النفط بمصفاتي “حمص” و”بانياس” في السوق المحلي بأسعار تكلفة المشتقات النفطية المستوردة مع إضافة تكاليف إدارية.

وأوضح الباحث، في حديث إلى عنب بلدي، أن تكلفة إنتاج هذه المشتقات على حكومة النظام “قليلة” بالمقارنة مع الأسعار العالمية التي تسعّر وفقها، إذ تأخذ النفط الخام من إيران وفق “الخطوط الائتمانية” دون دفع ثمنه، ثم تكرره في المصافي المحلية بأجور الأيدي العاملة المحلية، مما يخلق “فرقًا كبيرًا بين سعر البيع وسعر التكلفة الحقيقي لإنتاج المشتقات النفطية”.

ويعتقد الباحث الاقتصادي أن حكومة النظام وفق هذه الآلية “تحقق ربحًا من جيبة المواطن”، بدل بيعه بسعر أقل بكثير من السعر العالمي للمشتقات النفطية.

أهم سبب في هذا السلوك هو العجز المالي “المرعب” لحكومة النظام، دون أي مصادر للدخل، ما دفعها لجمع موارد مالية من أي مصدر ممكن، ومن أبرز هذه المصادر بيع المشتقات النفطية بغض النظر عن التبعات التضخمية المرعبة التي تحدث، وفق الباحث.

تؤدي زيادة أسعار المشتقات النفطية لضغوط تضخمية في السوق المحلية، تعمل بدورها على زيادة الضغط على الليرة السورية، لتحقيق هدف “قصير النظر”، وهو جمع الموارد المالية، بحسب تعبير زكي محشي.

وحول قنوات تصريف هذه الأرباح، يعتقد الباحث الاقتصادي أن جزءًا كبيرًا منه يذهب لخزينة الدولة لتأمين تكاليف استيراد المواد الأساسية مثل القمح، أو لتسديد أجزاء من “الخطوط الائتمانية” حين تطالب بها إيران، دون إهمال استفادة تجار مقربين من النظام من هذه الأرباح أيضًا.

خلال الأشهر الماضية، تعددت قرارات رفع أسعار المحروقات من قبل وزارة التجارة الداخلية، ما يصب في مصلحة شركة “البوابة الذهبية” المفوضة بشكل مشترك مع شركة “محروقات” ببيع المشتقات النفطية للمنشآت الصناعية.

وفي 6 من تموز 2023، أصدر مصرف سوريا المركزي قرارًا يتضمن آلية تسوية الحركات المنفذة باستخدام بطاقات على أجهزة نقاط البيع الموزعة في غرف الصناعة والتجارة ومحطات الوقود العائدة لشركة “محروقات” وشركة “البوابة الذهبية”، لاستخدامها بتسديد ثمن المشتقات النفطية المباعة للمنشآت الصناعية.

وبحسب بيانات شركة “البوابة الذهبية” المنشورة عبر الجريدة الرسمية، يدير الشركة أحمد بشير محمد براء قاطرجي، ويشغل محمد آغا أحمد رشدي قاطرجي منصب نائب للمدير العام فيها.

وتعد عائلة قاطرجي من أثرياء الحرب الجدد المقربين من النظام السوري، الذي سمح بتمدد نفوذ العائلة وتعزيز حضورها على مستوى اقتصاد البلاد.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة