في خطوة جديدة على صعيد القطاع السكني والعمراني في إدلب وغربي حلب، أعلنت وزارة الإدارة المحلية بحكومة “الإنقاذ” العاملة في المنطقة مؤخرًا عن مخططات تنظيمية لمدن وبلدات سرمدا وحارم وكللي وسلقين والأتارب والحمامة.
وأعلنت الوزارة نفسها للمرة الثانية عن فتح باب الاعتراض على المخطط التنظيمي للمدن والبلدات التي تم إعلان توسعة المخطط التنظيمي فيها، أحدثها باب الاعتراض على المخطط التنظيمي لمدينة الدانا ويبدأ من 10 إلى 25 من كانون الثاني الحالي.
أثارت هذه المخططات جدلًا بين الأوساط الشعبية في المناطق المذكورة، خاصة المتضررين من التوسعة، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المنطقة، في وقت اعتبر البعض أن هناك أولويات واحتياجات أكثر إلحاحًا لتركيز الاهتمام عليها.
“الإنقاذ” توضح
أوضح مستشار وزير الإدارة المحلية والخدمات في حكومة “الإنقاذ”، المهندس سعيد الأشقر، لعنب بلدي، أنه تم إصدار مخطط مدينة حارم للمرة الأولى في عام 1985، وطرأ عليه عدد من التعديلات حتى عام 2010، حيث تم إصدار النسخة الرقمية للمخطط، ولم يتم إعلانه أمام الاعتراضات من ذلك الوقت.
وقال إن وزارة الإدارة المحلية عملت على إعلان المخططات التي مضى زمن طويل على عدم فتح باب الاعتراض عليها، نتيجة الظروف الحالية في الشمال السوري، وإيجاد حل للمخالفات نتيجة النزوح المستمر لأهلها من “بطش النظام”.
وأضاف أنه وبعد البت في الاعتراضات التي تقدم بها أصحاب العقارات التي تقع عقاراتهم داخل المخطط الخاص بمدينة حارم، تم إصدار النسخة الجديدة للمدينة بعد التعديل، واعتمادها لدى بلدية منطقة حارم، ويمكن لأصحاب العقارات الاطلاع على المخطط لدى مراجعتهم للبلدية.
أما بالنسبة لمخطط توسعة بلدة سرمدا فقد تم وضع بلدة سرمدا والدانا ضمن البرنامج التخطيطي في العام 2021 وفق الأشقر، وتمت عمليات المسح الطبوغرافي وإعداد مخطط توسعة لبلدة سرمدا وصلت مساحته إلى أكثر من 700 هكتار، وتم الانتهاء من الاعتراضات على منطقة التوسعة خلال الأسابيع الماضية، وأصدرت النسخة الأولى من المخطط التنظيمي للتوسعة واعتُمد لدى البلدية المختصة.
سكن مستدام
اعتبر المهندس المدني علي العلي أن لتوسعة المخططات التنظيمية في مدن سرمدا وحارم والدانا وكللي والأتارب، انعكاسات ايجابية على التنمية العمرانية والبشرية في تلك المناطق.
وذكر أن التوسعة تقضي على السكن العشوائي، وتنقل المنطقة إلى مرحلة السكن المستدام والآمن، وتنفّذ البنى التحتية بشكل فني ومدروس بما يتوافق مع تضاريس المنطقة.
ويساعد ذلك في تحديد أماكن المهن التجارية والمهن الأخرى، وإخراج المهن الصناعية إلى خارج المناطق السكنية وتجميعها في مدن صناعية قابلة للتطور.
وكذلك مراقبة عملية بناء المباني والتوجيه نحو إنشاء مبانٍ آمنة ومقاومة للزلازل، خاصة بعد الخلل الكبير الذي أظهرته الأبنية التي تعرضت للانهدام بسبب زلزال 6 من شباط 2023، وفق ما قاله المهندس لعنب بلدي.
وأشار العلي إلى أن التنظيم العمراني يفيد جميع شرائح المجتمع، فصاحب العقار يستفيد عندما يدخل عقاره داخل المخطط التنظيمي لأنه يرتفع ثمنه، ومن يبحث عن السكن فسيجده وبسعر مقبول، إضافة إلى الحفاظ على الأراضي الزراعية ومنع البناء فيها والتوجيه نحو البناء في الأراضي ذات الطبيعة الصخرية والتي لا تصلح إلا لأعمال البناء.
إخلاء مخيمات
توجد في المناطق التي طرحت فيها حكومة “الإنقاذ” مخططات تنظيمية عشرات مخيمات النازحين والمهجرين، الذين باتت الخيمة منذ سنوات ملجأهم الوحيد المتهالك الذي لا يحمي من حرارة الصيف وبرودة الشتاء، وسط أوضاع اقتصادية ومعيشية متردية.
زكريا فارس وهو أحد المهجرين القاطنين في مخيم بمحيط مدينة سرمدا، اعتبر أن المخطط يخدم شريحة معينة من المجتمع، وهي أصحاب المشاريع التجارية والعقارات، بينما تضررت منه الكثير من المخيمات وهو منهم، إذ سيتم إخلاء الأرض التي بنى النازحون خيامًا عليها، دون إيجاد حلول جذرية لمشكلات قاطني المخيمات.
وذكر لعنب بلدي أن توسعة المخطط التنطيمي وتطوير البنية التحتية والعمرانية أمر إيجابي ويعبر عن التنمية وإعادة الإعمار، لكن هناك مشكلة أهم وهي وجود أكثر من مليوني نسمة يقطنون في المخيمات.
ولفت زكريا إلى أن قاطني المخيمات بحاجة إلى حلول كإسكانهم في أماكن تحفظ كرامتهم، إضافة إلى ذلك فإن السكن في الكتل الأسمنتية التي لا تتجاوز مساحتها 35 مترًا وبشكل متلاصق لبعضها لا يناسب كرامة الإنسان.
ويرى زكريا أن الأولوية تكمن بإيجاد سكن آمن ومناسب لقاطني المخيمات، بدلًا من بذل الأموال في تطوير المدن الحدودية وبناء الأسواق التجارية، فأوضاع الناس صعبة.
ويسكن شمال غربي سوريا 4.5 مليون شخص، 4.1 مليون منهم بحاجة إلى مساعدة، و3.3 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 2.9 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6 ملايين شخص.
مخطط قديم جديد
عبد الكريم العمر أحد أهالي مدينة الأتارب علّق على المخطط التنظيمي الذي أعلنت عنه حكومة “الإنقاذ” بالمدينة على أنه مخطط قديم وليس جديدًا، إنما صدر عام 2011 على عهد النظام، وكان يوجد عليه خلاف و”لم يتم اعتماده”، فلم تستطع حكومة النظام وقتها أن تستملك ولا أن تفتح طرقًا.
ويوجد عرف سائد لدى السكان في الأتارب بأن حكومة “الإنقاذ” ليست لديها نية للاستملاك وتنفيذ المخطط، بسبب عدم القدرة على “تعويض الناس” المتضررين من تنفيذ المخطط، سواء الناس التي تضررت منازلهم بأن أصبحت حدائق أو طرقات، وفق عبد الكريم.
وأشار إلى أن المخطط وُضع في 2011، وأعلنت “الإنقاذ” عنه مؤخرًا دون مراعاة البناء الذي شُيّد طيلة عقد من الزمن والتجاوزات على المخطط.
ولم يلقِ كثير من الأهالي بالًا لأهمية المخطط، خاصة أن هناك رسومًا على الاعتراض وهي عشرة دولارات أمريكية (نحو 325 ليرة تركية).
تهميش الأتارب
يطالب سكان مدينة الأتارب منذ أشهر بإعادة المؤسسات الخدمية والثقل الاقتصادي والاجتماعي والإداري للمدينة، وأطلق ناشطون فيها حملة بعنوان “لا لتهميش الأتارب“، ولا تزال مطالبهم دون استجابة.
واعتبر عبد الكريم العمر أن مدينة الأتارب فيها الكثير من الأولويات بعيدًا عن المخطط التنظيمي، لافتًا إلى “تهميش” لمؤسسات المدينة، سواء للمحاكم أو السجل العقاري، فهي مؤسسات غير موجودة في الأتارب، ما يزيد الأعباء على المواطن.
وقال إن تمركز المؤسسات في مدن أخرى يضر المواطنين في الأتارب، خاصة في تكاليف التنقل إلى المراكز الحكومية في الدانا وترمانين، مشيرًا إلى أنه لم يتم شرح آلية الاعتراض على المخطط التنظيمي.
بدوره، قال أحمد كنور وهو أحد الناشطين المدنيين في مدينة الأتارب لعنب بلدي، إن مسألة المخطط التنظيمي لا تخرج عن سياق تنظيم جبايات وهمية وسبل جمع أموال.
وذكر أن المعاناة من مسألة الحوكمة والشق القانوني موجودة، فالقوانين تفرض آليات وجودها والاعتراض، وسبل التعاطي مع هذه السلطات، وعدم وجود محاكم إدارية يتم اللجوء إليها في حالة التعسف باستعمال السلطة من قبل القائمين على حكم المنطقة، إضافة إلى تداخل السلطة، فهي التي تشرع وتبت وتنفذ القوانين، وبالتالي لا توجد مشروعية لهذه القرارات.
–