يدفع الشتاء القارس والظروف المعيشية المتدنية في شمال غربي سوريا النازحين إلى استخدام طرق تدفئة خطرة وغير آمنة، ما تسبب في ازدياد الحرائق في المنطقة.
وتسببت الحرائق إلى وقوع وفيات وإصابات عدة بينهم أطفال ونساء، أضف إلى الأضرار المادية في المنازل والخيام.
غاز أول أكسيد الكربون، أحد أبرز الأسباب التي تنتج عنها حالات اختناق في شمال غربي سوريا، وأوقعت أخر حادثة في 15 من كانون الثاني الحالي، ثلاثة حالات وفاة بينها طفلان وشاب أشقاء، اختناقًا بانبعاثات مدفأة، نتيجة احتراق غير كامل لمواد التدفئة، في مخيم “مطوع 1” التابع لمدينة أطمة شمالي إدلب.
350 حريقًا
مع بداية شتاء كل عام، تشهد مناطق شمال غربي سوريا وتيرة اندلاع حرائق داخل المنازل أو المخيمات، إثر استخدام الأهالي مواد غير صالحة للتدفئة وسخان ماء للاستحمام يعمل بالغاز.
قال الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، لعنب بلدي، إنه منذ بداية فصل الشتاء الحالي (2023 – 2024)، استجاب لأكثر من 350 حريقًا، نتج عنها وفاة امرأة وإصابة 28 مدنيًا، بحالات حروق واختناق، بينهم خمسة أطفال وأربعة نساء، حتى 17 من كانون الثاني الحالي.
وفي 14 من كانون الثاني، أصيب رجل وزوجته بحالة اختناق جراء اندلاع حريق في خيمتهم بسبب المدفأة في مخيم بسقلا شمالي إدلب، وأصيبت طفلة (13 عامًا) بحالة اختناق حاد، بسبب تسرب غاز منزلي في قرية بليون جنوبي إدلب، وفقًا للدفاع المدني.
أول أكسجين الكربون سببًا
ويعتبر أول أكسيد الكربون، غازًا سامًا عديم الرائحة واللون، ونظرًا لأنه من المستحيل رؤية الأبخرة السامة أو تذوقها أو شمها، يمكن للغاز أن يقتل الإنسان دون الإدراك بوجوده في المنزل، وتختلف آثار التعرض لغاز أول أكسيد الكربون بصورة كبيرة من شخص لآخر استنادًا إلى العمر والصحة العامة للشخص، ومدى تركيزه والمدة التي تعرض لها، وفق وكالة حماية البيئة (EPA).
وبحسب الوكالة، فإن غاز أول أكسيد الكربون يتسرب من المداخن والأفران، وأجهزة التدفئة التي تعمل بالغاز والكيروسين بدون فتحة تهوية، وارتداد اللهب من الأفران، وسخانات الماء بالغاز، والمدافئ ودخان التبغ، ومواقد الغاز، وغيرها من المصادر الأخرى.
أخصائي الأمراض الصدرية الطبيب أحمد الحسن، تحدث لعنب بلدي، عن المخاطر المحتملة بعد استنشاق الشخص للغاز، إذ تؤدي الكميات الكبيرة من غاز أول أكسد الكربون في الهواء إلى تراكمه في الدم، إذ يستبدل الجسم الأوكسجين الموجود في خلايا الدم الحمراء ليحل مكانه أول أكسيد الكربون.
وقال الطبيب، إن مخاطر استنشاق الغاز تصل للوفاة، ومن الاحتمالات الممكنة أيضًا تلف خطير بالأنسجة، وينتج عن وسائل التدفئة البدائية عند احتراقها غازات ضارة أخرى كأكسيد الكبريت والآزوت، ما يؤدي للإصابة بمرض الربو، والتأثير على صحة العين، وإضعاف مقاومة الجسم للأمراض المعدية والفيروسية.
وتختلف نسبة المخاطر بحسب عمر الشخص، ويعاني أصحاب الأمراض المزمنة كالربو والحساسية والتهاب القصبات من ضيق النفس بشكل أسرع، بالإضافة إلى أن الرئتين عند كبار السن والأطفال أقل مقاومة منها عند البالغين، بحسب الطبيب أحمد الحسن.
وأوضح الأخصائي أن من الأمراض المحتمل الإصابة بها في حال تعرض الشخص للبقاء بأماكن الحرائق، النفاخ الرئوي، وسرطانات الرئة، وتفاقم الأمراض القلبية الوعائية، واختلال وظائف الرئة وضعفها بشكل خاص والجسم بشكل عام، بالإضافة لأمراض الجهاز التنفسي كمرض الربو والتهاب القصبات المزمن.
مواد التدفئة
“الدفاع المدني”، أوضح لعنب بلدي، أن الأهالي يلجؤون إلى طرق تدفئة أقل تكلفة في فصل الشتاء، بسبب تردي الأوضاع المعيشية والظروف الاقتصادية السيئة، ما يزيد من حوادث الحرائق تبعًا لطبيعة المواد المستخدمة في التدفئة، مع ما تحمله من مخاطر على المدنيين، كالوقود المعالج بدائيًا والمواد البلاستيكية والفحم، وغيرها من المواد غير الآمنة.
مالك محل لبيع مواد التدفئة في كفر تخاريم، شمالي غربي إدلب، فهد التلي، قال لعنب بلدي، إن سعر الكيس من الفحم المستورد الممتاز يصل إلى سبعة دولارات، بينما يتراوح سعر الأنواع الأخرى بين أربعة إلى ستة دولارات أمريكية للكيس الواحد، ويباع فحم الحراقات بتسعة ليرات تركية للكيلو الواحد، والنوع الثاني سبع ليرات ونصف.
وبحسب فهد التلي، لا يوجد اعتماد على الغاز لأسعاره المرتفعة، إذ يبلغ سعر الجرة 13 دولارًا أمريكيًا، لكنه يستخدم في جهاز لتسخين الماء في الحمامات ومنتشر منذ عام 2016 في شمال غربي سوريا، لكنه أخذ يشهد إقبالًا على شرائه لسرعته في تسخين المياه، وتكلفته المنخفضة، إذ تدوم جرة الغاز نحو شهر في الشتاء وشهرين أو أكثر خلال فصل الصيف، وتتراوح أسعار الجهاز بحسب مالك المحل بين الـ20 و90 دولارًا أمريكيًا، تبعًا لجودته.
ويعادل كل دولار أمريكي 30 ليرة تركية، بحسب موقع “Döviz” المتخصص بأسعار العملات النقدية.
واعتمدت حكومتا “الإنقاذ” و”السورية المؤقتة”، العاملتان في الشمال السوري، الليرة التركية عملة للتداول في حزيران 2020، كونها أكثر استقرارًا من الليرة السورية، إلى جانب تداول الدولار الأمريكي في التعاملات التجارية الخارجية.
ويباع سخان الماء لدى تاجر محل الخردوات، مصطفى عبد اللطيف بنحو 60 حتى 90 دولارًا، وتتراوح أسعار الأجهزة المستعملة من جهاز (شوفو الغاز) كما يُعرف محليًا، بين 40 و 70 دولارًا أمريكيًا.
مالك محل الخردوات مصطفى عبد اللطيف، قال لعنب بلدي، إن سعة الجهاز تتراوح بين خمس إلى 12 ليترًا، ويعمل بعضها على ضغط المياه، ما يلزم أن يكون خزان المياة بمكان مرتفع وبعيد عن السخان، وهذا يساهم في رفع سعرها.
نصائح وبرامج توعية
من الخطوات المهمة، وفق أخصائي الأمراض الصدرية، الطبيب أحمد الحسن، عند حدوث الحريق، نقل المصاب، كخطوة أولى، إلى مكان مشبع بالهواء النقي ومساعدته على ضبط تنفسه عبر رفع الرأس للخلف وإغلاق الأنف واستنشاق الأوكسجين من الفم، ويفضل نقله إلى المستشفى لوضع الأوكسجين الصناعي.
وقال فريق “الدفاع المدني السوري” لعنب بلدي، إن غياب إجراءات السلامة والوعي له دور كبير في أغلب الحرائق، إذ تحولت إلى “كابوس يومي” يضاف إلى أخطار أخرى تلاحق المدنيين من القصف والأمراض والسيول وغيرها من المخاطر.
وتعمل “الخوذ البيضاء” عبر حملات توعوية في مناطق ومخيمات شمال غربي سوريا على نشر معلومات حول إجراءات الأمن والسلامة والتدابير الوقائية، تتضمن الطرق السليمة لاستخدام مواد التدفئة في فصل الشتاء بأنواعها المختلفة، بالإضافة للحديث عن مخاطرة المواد غير الآمنة.
ووفق ما قاله الدفاع لعنب بلدي، فإن برامج التوعية تضم كيفية الوقاية من المخاطر المحتملة والتدابير والتصرف في حال حدوث أي طارئ سواء كان حريقًا أو حالات اختناق، والشرح عن كيفية استخدام أجهزة الإطفاء اليدوية.
ونشرت “مديرية صحة إدلب” على صفحتها الرسمية في “فيس بوك”، أمس 16 من كانون الثاني، الإرشادات الضرورية للوقاية من التسمم بغاز أول أكسيد الكربون، مثل تهوية وسائل التدفئة بشكل جيد، والتأكد بأن مخلفات الاحتراق لا تتسرب إلى داخل المنزل، وتهوية الغرف جيدًا عند استخدام مدفأة الغاز، وإطفاء المدفئة والتأكد من احتراق كامل المواد الموجودة بداخلها قبل النوم، وتهوية مكان النوم جيدًا، بالإضافة لعدم تركيب سخان الماء الذي يعمل بالغاز داخل الحمام.
وتضم مناطق شمال غربي سوريا 4.5 مليون إنسان، منهم 4.1 مليون بحاجة إلى مساعدة، و3.7 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 2.9 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان منهم يعيشون في المخيمات، وفق إحصائيات صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (ocha).