عنب بلدي – محمد فنصة
شهد عام 2023 زيادة في الصادرات السورية بنسبة 60%، وفق بيانات حكومة النظام، لكنها لم تنعكس على النمو الاقتصادي في البلاد بشكل ملحوظ، وبحسب محللين، انعكس الأمر سلبًا في زيادة أسعار المواد المحلية، وهو ما أضر بالسكان فاقدي القوة الشرائية.
ويبقى حجم التصدير في سوريا، رغم هذه الزيادة، ضئيلًا بالمقارنة مع حجم الاستيراد، حسب الأرقام والإحصائيات، وهو ما تسبب بعجز كبير في الميزان التجاري.
وبحسب بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام، الصادرة في 10 من كانون الثاني الحالي، انتهى عام 2023 بتحقيق انخفاض في قيمة مستوردات القطاعين العام والخاص بنسبة 27% مقارنة بعام 2022، وبقيمة إجمالية بلغت أكثر من 3.2 مليار يورو.
معاون وزير الاقتصاد لشؤون التجارة الخارجية، شادي جوهرة، صرح أن سياسة وزارة الاقتصاد بالنسبة للاستيراد هي تأمين مستلزمات الإنتاج الصناعي والزراعي، وزيادة فرص العمل، من أجل تخفيض عجز الميزان التجاري وتخفيض الطلب على القطع الأجنبي.
بالمقابل، ازدادت نسبة الصادرات خلال عام 2023 مقارنة بالعام الذي سبقه بنسبة 60%، وبقيمة إجمالية لصادرات القطاعين العام والخاص تزيد على 900 مليون يورو، ليكون حجم العجز في الميزان التجاري نحو 2.3 مليار يورو لعام 2023.
وأفادت الوزارة أن زيادة الصادرات ناتجة عن ارتفاع الكميات المصدرة والقيمة التصديرية لمادة الفوسفات والألبسة والأحذية والأدوية والمنتجات العطرية مثل مادة الكمون، وبعض المنتجات الزراعية مثل اللوز، مع تراجع كميات بعض أنواع الصادرات قياسًا بالعام 2022، مثل الخضار واليانسون والأحجار والرمال والحصويات.
الصادرات تصل إلى لقمة الناس
أنكر المدير الأسبق للمكتب المركزي للإحصاء والأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق”، شفيق عربش، بيانات وزارة الاقتصاد بما يخص زيادة الصادرات، قائلًا في حديثه لصحيفة “البعث” الحكومية، في 8 من كانون الثاني الحالي، إنها تتناقض مع ما يقوله قطاع الأعمال، مشيرًا إلى أن الواقع “مختلف تمامًا بما يتعلق بالصادرات التي انخفضت”.
وأوضح عربش أن المكتب المركزي للإحصاء خالف الصك التشريعي لإحداثه، الذي أعطاه مهمة إعداد إحصاءات البلاد بكل استقلالية، و”ارتهن” للجنة الاقتصادية، وأصبح متعذرًا عليه نشر أي رقم إحصائي “دون موافقتها”، مشيرًا إلى سهولة إحصاء عمليات الاستيراد والتصدير كون كل إجازات الاستيراد تمنحها الحكومة، وعملية التصدير أيضًا مرهونة بالإجراءات الحكومية.
وبالرغم من سهولة إحصائها، تمنع الحكومة نشر بيانات التصدير والاستيراد منذ نحو عام 2013، وفق المدير الأسبق للمكتب المركزي للإحصاء.
ويرى عربش أن الحكومة تقدم أرقامًا ليست لها علاقة بالواقع، وأنه في حال توفرت الإحصاءات فهي ستمنع نشرها، وإن لم تتوفر “ستخترع” بيانات من عندها، غير أن الواقع “كشف وعرّى” كل الإجراءات، وسبب هذا التناقض الذي تشهده مؤسسات الحكومة يعود “للارتجال وعدم الكفاءة”، بحسب عربش.
الدكتور في الاقتصاد عماد الدين المصبح، قال لعنب بلدي، إن حجم الواردات مقابل الصادرات لا تزال كبيرة جدًا، أي أن عجز الميزان التجاري مستمر، وبالتالي فإن الضغط على سعر صرف الليرة السورية مستمر أيضًا.
وأوضح المصبح أن الصادرات بحالة البلدان النامية تكون للسلع المنتجة محليًا التي تزيد على استهلاك الناس، وما يزيد على حاجة الاقتصاد الوطني، بينما في سوريا يجري حاليًا “تصدير ما يمكن تصديره”، حتى لو كانت المواد المصدرة من حاجات السكان، وخصوصًا السلع الغذائية.
أثار قرار السماح بتصدير مواد غذائية أساسية في سوريا، ومن ضمنها زيت الزيتون، انتقادات شعبية لما يمكن أن يتركه من أثر على توفر هذه المواد في السوق أو على زيادة أسعارها، في ظل تدهور وضع الدخل المعيشي للسكان.
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “حماة” إبراهيم قوشجي، قال لصحيفة “تشرين” الحكومية الشهر الماضي، إن التصدير سيؤثر على أسعار السلع المحلية، بما يسهم في ارتفاعها، فإذا كانت صفيحة الزيت تباع حاليًا بـ1.2 مليون ليرة سورية، فقد يصل سعرها مع بدء التصدير إلى 1.5 مليون ليرة أو أكثر.
وأرجع المصبح أحد أسباب ارتفاع الأسعار المستمر للمواد الغذائية والسلع الأساسية في السوق المحلية، رغم أنها منتجات محلية، إلى زيادة صادرات هذه المواد، مشيرًا إلى أن بعضها يصل إلى البلدان الأخرى بأقل من أسعار منتجات البلد المستورد، مثل أسعار الخضراوات المصدرة إلى العراق.
رصدت عنب بلدي خلال عام 2023 بيع منتجات سورية مصدرة إلى لبنان بأسعار تعادل أو أرخص من نظيرتها في سوريا.
وكان نائب رئيس “جمعية حماية المستهلك” في دمشق وريفها، ماهر الأزعط، صرح، في تشرين الثاني 2022، أن أسعار المواد في الأسواق السورية أعلى من دول الجوار، مضيفًا أن وزارة التجارة الداخلية لم يكن لها الدور المؤثر والمهم في تأمين كل المواد، وخصوصًا الأساسية منها مثل السكر والزيت، مؤكدًا استمرار “السوق السوداء والاحتكار”.
كما تؤدي زيادة الصادرات من السلع الأساسية والغذائية المنتجة محليًا غير الفائضة إلى التضخم، نتيجة ارتفاع الأسعار المرافق لها، بحسب الدكتور عماد الدين المصبح.
أين يذهب فائض التصدير
توقع البنك الدولي أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في سوريا بنسبة 3.2% في عام 2023، بعد انخفاضه بنسبة 3.5% في عام 2022، إثر وقوع كارثة الزلزال في شباط 2023، في حين تشير بعض النظريات الاقتصادية إلى أن زيادة نسبة الصادرات تأتي بعد زيادة الناتج المحلي والنمو الاقتصادي، وهو ما لا يتفق في الحالة السورية.
يرى الأكاديمي الاقتصادي عماد الدين المصبح أن نظرية “الصادرات تقود النمو” (Export Lead Growth) ليست مثبتة علميًا، إذ توجد حالات نجحت فيها كما في بلدان جنوب شرق آسيا في فترة التسعينيات، ولا يزال النمو الاقتصادي في الصين يعزى بشكل أساسي إلى التركيز على الصناعات القابلة للتصدير، في حين أن هناك بلدانًا لم تنجح فيها.
وفي الحالة السورية، يمكن أن تؤدي زيادة الصادرات إلى تخفيف عجز الميزان التجاري، كما يمكن أن تنعكس هذه الزيادة على موارد الدولة من العملات الأجنبية لتمويل المستوردات، أو سداد ديون إيران التي تتجاوز 50 مليار دولار، وفق المصبح، دون أن يكون لها أي تأثير على النمو الاقتصادي.
وكما يذهب فائض التصدير لتخفيف عجز الميزان التجاري وفق الباحث، تعمل حكومة النظام على تحقيق وفر على حساب السكان من أجل تخفيف عجز الموازنة العامة للدولة.
الوفر المحقق من رفع الدعم بشكل جزئي عن أسعار المشتقات النفطية بموجب القرار الصادر في 15 من آب 2023، بلغ 5400 مليار ليرة سورية، أعيد توزيعها وفق ثلاثة محاور، بحسب ما صرح به معاون وزير الاقتصاد لشؤون التجارة الخارجية، شادي جوهرة، في 25 من آب 2023.
وتوزع الوفر على زيادة الرواتب التي أعلن عنها بذات اليوم، وعلى المنح والتعويضات التي صدرت بمراسيم متفرقة، فضلًا عن جزء “بسيط” لتخفيف عجز الموازنة العامة للدولة.
التهريب لا يتوقف
يعتمد عديد من السوريين على شراء المواد المهربة للتخفيف من تكاليف المعيشة في ظل ضعف القوة الشرائية، مثل شراء الهواتف الذكية المهربة بسبب ارتفاع فارق سعر المجمرك منها، في حين يستفيد سكان الدول المجاورة الذين يعانون أيضًا أزمات اقتصادية عبر تهريب مواد استهلاكية إليهم بأسعار أرخص من المنتجات المحلية.
نقيب صيادلة لبنان، جو سلّوم، علّق، في أيلول 2023، على ظاهرة شراء اللبنانيين أدوية “رخيصة” من سوريا قائلًا، “لا نعرف نوعيتها وجودتها، وقد تكون محفوظة بطريقة غير سليمة، خصوصًا تلك التي يحملها اللبنانيون لساعات طويلة ما يؤثر على سلامة المرضى الذين سيحصلون عليها”.
عمليات التهريب لمنتجات محلية وبطرق لا تحقق أي إيرادات متوقعة لحكومة النظام السوري، وقلة وجودها في السوق المحلية، تدفع التجار لضخ هذه المواد الاستهلاكية في السوق المحلية لتعويض الفاقد في التهريب، بغض النظر عن القطاع الذي تنتمي إليه، سواء كان سلعًا غذائية أو دوائية أو غيرها، وبالتالي تقل الصادرات، وهو ما يعد إحدى مشكلات “الأسواق الموازية” التي سبق وتحدث عنها رئيس حكومة النظام السوري، حسين عرنوس.
في تموز 2023، قال عرنوس أمام مجلس الشعب شارحًا الوضع الاقتصادي في البلاد، إن المشكلات الاقتصادية في أي بلد تؤدي إلى اتساع نشاط “السوق الموازية”، الذي لا يقتصر على سوق العملات، وإنما يمتد ليشمل سوقًا أوسع هي سوق السلع وحتى الخدمات، إذ إن فجوة العرض وانكماشه مقارنة بحجم الطلب المقابل تؤدي إلى اتساع نشاط التهريب “عبر الحدود والمنافذ غير الشرعية وغير الخاضعة لرقابة وضبط الدولة ومؤسساتها” بهدف سد جزء من هذه الفجوة في العرض.
وأكد عرنوس اتساع حجم التهريب لعدة اعتبارات “اقتصادية أو أمنية أو اجتماعية”، إذ أصبح يشكل “تهديدًا كبيرًا على العملة الوطنية”، لا سيما مع انتشار ظاهرة تهريب السلع المسموحة بالاستيراد “تهربًا من إجراءات التمويل عن طريق المنصة”.
كشف مصدر في المديرية العامة للجمارك لصحيفة “الوطن” المحلية، في 11 من كانون الثاني الحالي، عن ضبط نحو 2500 قضية تهريب من قبل الضابطات الجمركية خلال العام 2023، معظمها مواد غذائية وكهربائية ومستلزمات طبية وأدوية ومشروبات طاقة.
وتتركز خطوط التهريب النشطة حاليًا في الخط القادم من ريف دمشق والقنيطرة- دمشق مرورًا ببعض المناطق في محافظتي ريف دمشق ودرعا على التوازي، وإضافة إلى التهريب من لبنان عبر عديد من المناطق والمعابر غير القانونية، ومنها مناطق القصير بحمص والمنطقة الساحلية، هناك نسبة من المواد المهربة تدخل من الحدود الأردنية عبر المناطق الجنوبية.
ويعتمد معظم المهربين، وفق مصدر الصحيفة، على أساليب التهريب عبر السيارات السياحية وتجزئة المهربات وإدخالها بكميات صغيرة ومتتالية.
الدكتور في الاقتصاد عماد الدين المصبح، يرى أن إحدى مؤسسات الفساد في سوريا هي الجمارك، مشيرًا إلى أنه منذ التسعينيات بدأت مسألة شراء الحواجز الجمركية، و”شراء الوظيفة الجمركية”، لما لها من دخل مادي كبير يمكن أن يناله الموظف الفاسد.
أما ما يخص الإعلان عن ضبوط جمركية مستمرة، فقال الباحث إنه “لذر الرماد في العيون”، وللترويج بأن الدولة تعمل على مكافحة الفساد.