لماذا يتقبل مجتمع قانونًا قد يخنقه؟

إدلب.. آثار اجتماعية وثغرات قانونية في “مشروع الآداب العامة”

ساحة الساعة في مدينة إدلب شمال غربي سوريا - 14 من كانون الثاني 2024 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

camera iconساحة الساعة في مدينة إدلب شمال غربي سوريا - 14 من كانون الثاني 2024 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

tag icon ع ع ع

أثارت مواد “مشروع قانون الآداب العامة”، في إدلب شمال غربي سوريا، جدلًا بشأن الآثار المحتملة له على شكل المجتمع، والأسس القانونية لفرضه.

وحصلت عنب بلدي، مطلع كانون الثاني، على نسخة غير رسمية من “مشروع قانون الآداب العامة” الصادر عن وزارة الداخلية في حكومة “الإنقاذ” العاملة في محافظة إدلب وريف حماة الشمالي الخاضع لسيطرة المعارضة، وجزء من ريف حلب الغربي، متضمنًا 128 مادة، منها تشكيل شرطة للآداب.

يقسم المشروع إلى خمسة أبواب، شملت مجموعة من القواعد والأحكام المتعلقة بالنظام الأخلاقي والسلوكي لأفراد المجتمع في مناطق سيطرة “الإنقاذ” المظلة السياسية لـ”هيئة تحرير الشام”.

وفي المادة الثانية من المشروع ذُكر أنه صدر “للحفاظ على الآداب العامة والذوق العام يقصد به منع المخالفات وكل ما كان مذمومًا في الشرع والعرف فيما لم تنظمه القوانين الأخرى”.

ووفق ما ورد ضمن مواد المشروع، فإن شرطة الآداب العامة تتولى مسؤولية منع الأعمال المخالفة وضبطها أو إزالتها أو القبض على المخالفين وإصدار المخالفات بحق غير الملتزمين بالتعليمات.

تناقش عنب بلدي في هذا التقرير “مشروع قانون الآداب العامة”، من حيث الآثار الاجتماعية للقانون على المقيمين في مناطق سيطرة “الإنقاذ”، في حال طبق بطريقة رسمية، والثغرات القانونية لمشروع القانون.

قانون لـ”إخضاع المجتمع”

يشمل “مشروع قانون الآداب العامة” مواد غير واضحة استدعت الحديث مع قانونيين لتفسيرها وعن قابلية تطبيقها في المنطقة.

المحامي السوري غزوان قرنفل، قال لعنب بلدي، إنه يعتقد أن المشروع أقرب للتعليمات منه للقانون، باعتباره لا يتضمن سوى توصيفًا على ما يعتبره خرقًا للآداب العامة دون بيان ماهية العقوبات المترتبة على ذلك، والذي يعتبر عنصرًا مهمًا من عناصر النص القانوني.

ويرى المحامي غزوان قرنقل، المقيم في تركيا، أن مشروع القانون مجرد وسيلة لضبط وإخضاع المجتمع في المنطقة بحياته اليومية، لرؤى السلطة الحاكمة في إدلب ومفاهيمها لا أكثر، وتدخل “سافر” في تفاصيل حياة الأفراد بطريقة “طالبانية منفرة” (في إشارة إلى حركة طالبان في أفغانستان)، مؤكدًا أن القانون وسيلة لتنظيم ممارسات الحريات وليس أداة لـ”قمعها وكبتها”.

المحامي في نقابة المحامين في إدلب وحلب، عبد الفتاح قدور، قال لعنب بلدي، إن المواد والمخالفات المذكورة كانت مطبقة ويعمل عليها ضمن قانون “الجزاء 73″، وتنفذ من جهة القضاء الجزائي.

وأضاف عبد الفتاح قدور، أن “مشروع قانون الآداب العامة” أو قانون “الجزاء 73” الصادر في عام 2023 أو القانون المدني الصادرة عن “حكومة الإنقاذ”، اعتمدت جميعها على الشريعة الإسلامية وبعض المصادر حسب وجهة القانون نفسه.

أما عن الأحكام القضائية، المذكورة بالفصل الثالث بالباب الرابع من المشروع، علق غزوان قرنفل، أنه لا يجوز لترك الأمر منوطًا بتقدير القاضي لطبيعة العقوبة التي يمكن فرضها بحق المخالف.

هل تعود “الحسبة”؟

المشروع يجعل الناس محكومين بفهم شرطة الآداب (التي ستتولى المسؤولية) للشرع والسنة، ومن بعدها لإحاطة القاضي بالشرع والسنة، إذ يحيل كثير من القضايا إلى ما هو محرم في الشرع والسنة الإسلامية ويترك تقدير ذلك لهم، بحسب غزوان قرنفل.

وأوضح المحامي قرنفل، أن المشروع يتجاوز منظمة الحقوق والحريات العامة، والتي يفترض أن يتمتع بها الأشخاص ويمارسونها بحماية القانون وليس “العكس”، إذ يعيد المجتمع لجهاز “الحسبة”، ورقابة السلطة على تفاصيل المجتمع في شؤونه الخاصة وحياته اليومية.

ورغم إلغاء هيئة “الحسبة” منذ سنوات، بعد احتجاجات شعبية من سكان المنطقة على التضييق المُمارس بحقهم، فإن المهام الموكلة لشرطة الآداب لا تختلف عما كانت تقوم به “الحسبة”، والتي كانت تتمثل بـ”مركز الفلاح” و”سواعد الخير”.

وكانت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أدانت، في بيان صادر في 13 من أيار 2020، الممارسات “المتشددة التي تقوم بها “تحرير الشام” وذراعها “مركز الفلاح”، مؤكدة أنها تُعتبر انتهاكًا لأبسط معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي ينص بشكل واضح على حرية الحركة واللباس والتنقل.

ومن وجهة نظر، المحامي عبد الفتاح قدور، فإن القانون يرغب بتطبيق الشريعة في المنطقة بقدر الإمكان، وهذا ما يوضحه القانون بأغلبية مواده، واعتمد بنص صريح على الشريعة الإسلامية والعرف والآداب العامة والذوق العام، ويمثل “مصدرًا أساسيًا” لصياغة وتشكيل القانون.

كما يعتبر المحامي عبد الفتاح قدور، أن القانون شمل جوانب عديدة للحفاظ على الذوق العام والعادات والتقاليد في المجتمع السوري، وتطرق إلى حماية الحيوان أيضًا، ولا يرى فيه انتهاكًا لحقوق الإنسان.

“أشد” على النساء

وفق ما ورد بنص “مشروع قانون الآداب العامة”، الذي ما زال غير رسمي حتى تحرير هذا التقرير، ممنوعات ومخالفات وصلت لـ44 مادة توزعت على ثمانية فصول بالباب الثاني من المشروع.

الممنوعات والمخالفات التي ذكرت في “مشروع قانون الآداب العامة”، تضمنت الممنوعات الدينية ومخالفات الآداب العامة والمخالفات المتعلقة بالحيوانات وصالات الأفراح والمناسبات والأسواق والمولات التجارية والمطاعم والمقاهي والحدائق والملاهي والمنتزهات إضافة إلى مخالفات الطرق والمرافق العامة.

الباحثة الاجتماعية في مركز “عمران للدراسات”، حلا حاج علي، قالت لعنب بلدي، إن القانون يلقى تفاعلًا إيجابيًا وقبولًا في المجتمع المستهدف وذلك لسبيين، أن المجتمع يتوقع أن القانون سيوفر بيئة أفضل تخلصهم من المشكلات المنتشرة حاليًا مثل السرقات والمخدرات وغيرها.

والسبب الثاني يعود إلى أن القانون يحمل بطياته تعليمات من شأنها إظهار صورة أنها ستصلح الحياة المدنية بالظاهر، في إشارة إلى المخالفات المتعلقة بالحيوانات ومخالفات الأماكن العامة، ولكن يبقى القانون يحتوي على ثغرات كثيرة.

ومن الممكن أن يكون القبول من المجتمع ناتجًا عن أفكار زرعت من قبل، هيأت الناس للتجاوب معه، وفق حلا حاج علي.

وتابعت الباحثة الاجتماعية حلا حاج علي، أن القانون لا يمكن تعميمه بمناطق “الإنقاذ”، إذ سيخنق الناس أكثر وخصوصًا أنه غير موضح التفاصيل في كل انتهاك للآداب العام، ما يجعل القائم على تنفيذه “تفسير حجم الاختراق بحسب مزاجه ومصالحه”.

وقالت إن القانون لن يكون استبداديًا أو يمارس التضييق فقط على المرأة، إذ يستهدف الرجال أيضًا، ولكنه سيطبق على المرأة بشكل “أشد” وهذا من شأنه إرضاء شريحة أكبر من الرجال ما يمنحهم الشعور “بالسيطرة أكبر”.

مع توغل القانون في حال تطبيقه ستتطور الحالة “الخانقة”، ليشعر فيها جميع أبناء المنطقة، لتحديدها أمور كثيرة لا يمكن الاستغناء عنها، بحسب الباحثة حلا حاج علي، التي تشير إلى وجود أكثر من 1400 مخيم، في شمال غربي سوريا، ولا يمكن فصل الذكور عن الإناث لضيق المسافة وطبيعة الخيم المتلاصقة.

انتساب ضمن شروط

لم تعلن “الإنقاذ” مشروع القانون الرسمي، لكن وزارة الداخلية أعلنت سابقًا، عن فتح باب الانتساب للعمل ضمن شرطة الآداب العامة وفق شروط محددة، وبدأ التسجيل بتاريخ الثاني من كانون الثاني الحالي، واستمر لغاية سبعة من نفس الشهر.

واشترطت الوزارة أن يكون المتقدم خريجًا من كلية الشريعة أو معهد شرعي متوسط، وأن يكون بين  الـ30 والـ40 عامًا، سليم البنية الجسدية والصحية، حسن السيرة والسلوك، وغير محكوم بجناية أو جرم شائن، وأن يجتاز الدورة التي تقررها الوزارة.

ترى حلا حاج علي، أن فتح باب الانتساب والذي بدوره سيتحول إلى نوع من “التجنيد” لصالح هيئة “تحرير الشام”، حتى ولو كان من ضمن وزارة الداخلية بحكومة “الإنقاذ” ، له أبعاد اجتماعية وأمنية.

وأوضحت أن الانتساب سيخلق حالة من العداء بين المهجرين وأهل المدينة الأصليين من السكان، ففي حال تطوع مهجرون لن يتقبل أبناء المنطقة التدخلات من الغرباء، وفي حال العكس سيعتبر المهجرون أن هناك تميزًا واضطهادًا ضدهم على أساس خلفية المناطقية.

عكس الخطاب

شُكّلت حكومة “الإنقاذ” بدفع من “هيئة تحرير الشام” في 2 من تشرين الثاني 2017، من 11 حقيبة وزارية برئاسة محمد الشيخ حينها. وتسيطر “الإنقاذ” على مفاصل الحياة في محافظة إدلب وريف حماة الشمالي الخاضع لسيطرة المعارضة، وجزء من ريف حلب الغربي، خدميًا وإداريًا.

ويأتي مشروع قانون الآداب بعد خطوات ابتعدت فيها “الإنقاذ” و”الهيئة” عن الخطاب الديني المتشدد، واعتمادها خطابًا منفتحًا على الغرب، باستخدام لغة سياسية دبلوماسية محورها فكرة أن “الهيئة” غير “إرهابية” وغير معنية بشن هجمات خارجية واستهداف مصالح غربية. 

وخلال لقاء القائد العام لـ”تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، مع وزراء فيالإنقاذ” و”مجلس الشورى العام” ووجهاء في منطقة الشمال السوري، في 27 من نيسان 2023، قال إن سلطة التحريم هي عند الله فقط، والسلطة على الأرض لها حق المنع ولها إدارة الحلال والحرام، ولا يمكن اعتبار المحرم إلا بقطعية الدلائل والإثبات. 

وتضم مناطق شمال غربي سوريا 4.5 مليون إنسان، منهم 4.1 مليون بحاجة إلى مساعدة، و3.7 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 2.9 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان منهم يعيشون في المخيمات، وفق إحصائيات صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA).

اقرأ أيضًا: عنب بلدي تنشر تفاصيل من مشروع قانون الآداب العامة بإدلب

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة