جنوب إفريقيا تحرج العالم العربي
إبراهيم العلوش
تقدمت دولة جنوب إفريقيا خلال الأسبوع الماضي بدعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في غزة، وظهرت المؤسسات القانونية العربية كهياكل صامتة وعاجزة مثل السلطات العربية، فحتى السلطة الفلسطينية لم تتجرأ على المشاركة في هذه الدعوى.
مئات آلاف القانونيين العرب لم يحملوا أي دولة عربية على استباق دولة جنوب إفريقيا التي صارت محط أنظار العالم في 11 و12 من كانون الثاني الحالي، قانونيون ذوو ميول إسلامية أو اشتراكية أو قومية أو حياديون، يجلسون أمام شاشات التلفزيونات مثل عامة الناس، يشاهدون المحرقة في غزة تاركين كتبهم وأفكارهم تصارع الإهمال على الرفوف أو في أجهزة كمبيوتراتهم، وهم يفعلون ذلك مثل السياسيين المعارضين أو المؤيدين لأنظمة الحكم، ومثل كثير من المدمنين على الانتظار، مستهلكين الزمن الميت الذي يعيشون فيه.
لا شك بأن حقوق الإنسان عبارة غير محبذة في العالم العربي، وخاصة من قبل الحكام الذين يراكمون فترات حكمهم بالتحايل على الدساتير لتستوعب وجودهم الأبدي على رأس الحكم، فالحاكم العربي لا يترك في الغالب منصبه إلا إذا ذهب إلى القبر، وهذا ما لم تجد له السلطات الحاكمة دواء شافيًا إلا التوريث.
ورغم غياب دول الجوار، مثل إيران التي تدعي زعامتها لمحور المقاومة، وغياب تركيا عن الشكوى الرسمية، فإن انعقاد محكمة العدل الدولية لمحاكمة جرائم إسرائيل وثّق شرعية المتظاهرين المناصرين للحق الفلسطيني عبر العالم، وأعاد الأمل لأهل غزة بوجود هيئة أممية تناقش جرائم إسرائيل المستمرة فوقهم ليل نهار، ووجه إنذارًا شديد الأهمية لإسرائيل.
في نفس الوقت، بيّن الغياب العربي عدم قدرة البلدان العربية على تقرير مصيرها، حرصًا على استمرار حكامها الذين ترعاهم الولايات المتحدة أو أوروبا أو روسيا أو الصين أو إيران أو تركيا، أو بمزيج من الرعايات التي يضمن بها الحاكم استمراره في الحكم بعيدًا عن حق الشعب في الاختيار الحر والحقيقي.
عام 1956، حصلت حرب ضد المنطقة العربية صار اسمها العدوان الثلاثي، عندما هجمت على مصر سفن وقوات بريطانية وفرنسية وإسرائيلية حاولت احتلال قناة “السويس” وفصل سيناء والقناة عن مصر، وحاولت الاستيلاء على نظام الحكم الذي كان يترأسه حينها الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر.
لكن ذلك العدوان فشل في تحقيق أهدافه، بسبب وقوف الشعب المصري ضد احتلال قناة “السويس” وسيناء، والتفاف الشعوب العربية معه، وبسبب وجود الاتحاد السوفييتي آنذاك، الذي وجّه إنذارًا شديد اللهجة ضد القوى الغازية، بالإضافة إلى معارضة الولايات المتحدة للهجوم بسبب استراتيجيتها في إنهاء الشكل القديم للاستعمار الغربي.
فشل العدوان الثلاثي وانهارت الحكومتان في بريطانيا وفرنسا، وخرجت الولايات المتحدة بسمعة حسنة مع الاتحاد السوفييتي، فالبريطانيون والفرنسيون كانوا لا يزالون يعيشون في القرن الـ19، يحتلون أي بلد يشاؤون.
في تلك المرحلة، وبعد خروج السوفييت والأمريكيين منتصرين في الحرب العالمية الثانية، فإنهما استاءا من تجاهل بريطانيا وفرنسا لهما، بالإضافة إلى استراتيجية الولايات المتحدة المتمثلة باكتساب رضا شعوب العالم الثالث خوفًا من أن تنتشر الشيوعية فيها، ما يسبب خسارة لها في الحرب الباردة التي استمرت 40 عامًا مع المعسكر الشرقي.
اليوم، وبعد أكثر من 70 عامًا، تقوم إسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبدعم من ألمانيا بالعدوان على شعب غزة، والاستهانة بكرامة شعوب المنطقة وتسويق الأكاذيب المتعددة عن تبرير قتل الفلسطينيين والاستهتار بمطالبهم الوطنية.
التوازنات الدولية تغيّرت، واختفى الاتحاد السوفييتي، وصارت الدول الخمس الكبرى تتلاعب بمصير الشعوب، وتستعمل “الفيتو” بلا أي حساب لمعاناة الفلسطينيين أو السوريين أو أي شعب من شعوب العالم الفقيرة.
انعقاد محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى الإبادة الجماعية، يأتي ببارقة أمل للشعب الفلسطيني الذي يعاني من الخنق ومن محاولات ترحيله من أرضه بأشكال متنوعة.
وكانت دولة جنوب إفريقيا، التي عانت من نظام الفصل العنصري على يد مستعمريها السابقين، هي حاملة الأمل، وليس الصين أو روسيا اللتان لا تتمتعان بأي حساسية تجاه حقوق الإنسان، مثلهما مثل الحكام العرب الذين تأتي حقوق الإنسان في آخر اهتماماتهم، وطبعًا تتولى هذه الاهتمامات أجهزة المخابرات!
الغياب القانوني الرسمي للعالم العربي مفاجأة تستحق الاهتمام والدراسة المعمّقة من قبل المختصين، فنحن لسنا غائبين عن الابتكار التقني والفني فقط، بل عن مجالات كثيرة من أهمها حقنا في الدفاع عن وجودنا وعن كرامتنا المهدورة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :