حسام المحمود | خالد الجرعتلي
لا تعتبر معاناة الأردن جديدة مع عمليات تهريب المخدرات من سوريا إلى أراضيه، إذ تأخذ هذه العمليات صورة قرأت فيها عمان والدول العربية بالمجمل، والخليجية تحديدًا، تهديدًا مؤرقًا لسلم المنطقة واستقرارها، وهو ما دفع لإدراج الملف ضمن “المبادرة الأردنية” للحل في سوريا.
ما سبق “المبادرة” في هذا الإطار، لا يختلف جوهريًا عما تبعها، باستثناء زيادة في وتيرة محاولات التهريب، تمامًا ككل ملفات “المبادرة” التي سلكت مسارًا عكسيًا ومغايرًا لما يصبو إليه العرب من دمشق.
وحتى الزيادة في التهريب، أخذت قوالب وأشكالًا جديدة، زادت أكثر من حدة العمليات ووتيرتها، حتى باتت تتكرر ضمن الأسبوع الواحد، كما حولت، في الوقت نفسه، الشريط الحدودي بين البلدين إلى بؤرة توتر، ومسرح لاشتباكات بين عناصر من حرس الحدود الأردني ومجموعات المهربين.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف، مع خبراء ومتخصصين وباحثين، تصاعد حدة تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن، والجهات المسؤولة عنه، والخيارات المتاحة أو الممكنة أمام عمان لوقف “طوفان” المخدرات، إلى جانب الانعكاسات السياسية التي سببتها هذه العمليات.
تغيير قواعد الاشتباك
سياسة التكتم، والاكتفاء بانتظار دخول المهربين إلى الأراضي الأردنية تغيرت مع تغير نمط التهريب واتساعه، ففي 9 من كانون الثاني الحالي، استهدف الأردن جوًا مقار ومستودعات لتخزين المخدرات في الجنوب السوري، وداهمت قوة خاصة من الجيش الأردني والأجهزة الأمنية أوكار مهربين وتجار مخدرات بالقرب من المواقع الحدودية، ما أسفر عن إلقاء القبض على سبعة مطلوبين على علاقة مع عصابات التهريب وتجار المخدرات.
وذكر مدير الإعلام العسكري في القوات المسلحة الأردنية، العميد الركن مصطفى الحيارى، لقناة “المملكة” الأردنية أن عصابات “منظمة” تقف وراء التهريب من سوريا، مشيرًا إلى أن المهربين تلقوا تدريبات عسكرية بعمل منظم تقف وراءه أجندات خارجية.
وشهدت الحدود الأردنية- السورية، في 6 من كانون الثاني، اشتباكات بين قوات حرس الحدود الأردنية ومهربي مخدرات، استمرت منذ فجر اليوم نفسه وحتى المساء، وأسفرت عن مقتل خمسة أشخاص، وإلقاء القبض على 15 مهربًا، وإصابة آخر.
وجرى حينها ضبط 627 ألف حبة “كبتاجون” مخدر، و3439 كف حشيش، وسلاح من نوع “كلاشينكوف”، ضمن منطقة مسؤولية المنطقة العسكرية الشرقية (على الحدود الجنوبية لسوريا).
هذه الاشتباكات التي دخلت فيها القوات الأردنية إلى العمق السوري، جاءت بعد يوم واحد من غارتين، قالت وسائل إعلام أردنية، إن سلاح الجو الأردني نفذهما داخل الأراضي السورية، واستهدف بهما مهربي المخدرات، كما نقل موقع “royanews”، أن سلاح الجو الملكي الأردني قصف منزلًا لمشتبه به بكونه تاجر مخدرات “كبيرًا”، في السويداء، كما استهدفت غارة جوية أخرى للقوات المسلحة الملكية الأردنية مستودعات قرب الغارية، في السويداء أيضًا.
وفي 19 من كانون الأول 2023، نقلت قناة “المملكة” الأردنية عن القوات المسلحة، أن قوات حرس الحدود اشتبكت لـ14 ساعة مع “مجموعات مسلحة” حاولت اجتياز الحدود نحو الأردن بطريقة غير شرعية من الأراضي السورية، ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من المهربين، واعتقال تسعة منهم، وضبط كميات كبيرة من المخدرات والأسلحة الأتوماتيكية والصاروخية.
وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية، يوسف الحنيطي، حينها، إن جيش بلاده استخدم جميع الإمكانات والقدرات والموارد، لمنع عمليات التسلل والتهريب والتصدي لها بالقوة بعد اشتباكات استمرت 14 ساعة.
ونفذ الأردن أولى غاراته في سوريا، في أيار 2023، إذ قصفت طائراته أهدافًا في منطقة اللجاة بين محافظتي درعا والسويداء جنوبي سوريا، ما خلّف ثمانية قتلى هم عائلة مهرب المخدرات البارز مرعي الرمثان الذي قتل في الاستهداف نفسه.
الباحث في الشأن العسكري بمركز “عمران للدراسات” نوار شعبان، قال لعنب بلدي، إن التصعيد العسكري الأردني جنوبي سوريا لم يكن معدًا له مسبقًا، إنما هو حالة طارئة جاءت ردًا على تصعيد عمليات التهريب نحو أراضيه، وتغير نوعيتها من تهريب وفرار إلى الاشتباك مع حرس الحدود الأردني بغرض العبور.
النظام يتجاهل الأحداث
مع تصاعد عمليات التهريب، قال مدير الإعلام العسكري في القوات المسلحة الأردنية، مصطفى الحيارى، خلال مقابلة مع قناة “المملكة“، في 7 من كانون الثاني الحالي، إن من يقف خلف محاولات تهريب المخدرات على حدود الأردن الشمالية “عصابات”، مشيرًا أيضًا إلى مسؤولية تقع على عاتق “الدولة السورية”، وأن تواصلًا حصل أكثر من مرة بين عمان ودمشق بشأن تهريب المخدرات، لكنه لم يؤتِ ثماره.
واعتبر الحيارى أن زيادة موجة التهريب حاليًا ترتبط بالعوامل المناخية في الشتاء، لكنها تتخطى الزيادة الطبيعية أو الافتراضية في فصول الشتاء السابقة، فالأمر تعدى إدخال المخدرات إلى محاولات إدخال السلاح.
وقال، إن “الأردن هو الصف الأمامي في الدفاع ليس فقط عن الأردن، بل عن جميع دول المنطقة، وتحديدًا دول الخليج، ومن بعدها دول المنطقة”.
كما أوضح أن نتائج التحقيق كشفت عن رصد اتصالات المهربين والعصابات التي تديرهم، وجرى ذكر اسم السعودية وغيرها من الدول، فهم يريدون تجاوز هذه الساحة إلى ما بعدها.
التصريحات الأردنية لم يجرِ الرد عليها من دمشق، وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، علق حول مسألة عبور المخدرات من سوريا نحو الأردن، خلال مقابلة مصورة مع قناة “سكاي نيوز” الإماراتية، قائلًا إن “تجارة المخدرات كعبور وكاستيطان هي موجودة لم تتوقف دائمًا، هذه حقيقة، ولكن عندما تكون هناك حرب وضعف للدولة، فلا بد أن تزدهر هذه التجارة، هذا شيء طبيعي”.
وحمّل الأسد المسؤولية في التهريب خلال المقابلة التي تم بثها في 9 من آب 2023، لما أسماها “الدول التي أسهمت بخلق الفوضى في سوريا وليست الدولة السورية”.
عدم تعليق النظام على العمليات الأردنية الأخيرة، ومنها التوغل داخل الأراضي السورية، فسره الدكتور عامر السبايلة كـ”إقرار” بعدم قدرته على ضبط الحدود، و”إدراك” أن الأردن لا يستهدف “السيادة السورية” إنما يرد على تصاعد عمليات التهريب نحوه.
حرب مزمنة.. أكثر من خيار
التصريحات التي ألمحت إلى حاجة الأردن لدعم وتعاون الدول المتضررة في هذا الملف، سبقها طلب مساعدة أردني رسمي، طرحه الملك عبد الله على وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، خلال زيارة إلى عمان في 6 من آذار 2023.
وطلب الملك الأردني مساعدة أمريكية في خوض “حرب المخدرات” المتنامية، على حدود بلاده مع سوريا، محملًا الميليشيات المدعومة من إيران المسؤولية عن تهريب المخدرات عبر الحدود.
ونقلت حينها وكالة “رويترز” عن مصادر أردنية، أن عمان تريد مزيدًا من المساعدات الأمريكية لتعزيز الأمن على الحدود، إذ قدمت واشنطن منذ بدء الصراع في سوريا نحو مليار دولار لإنشاء مراكز حدودية بين سوريا والأردن.
الدكتور عمر باشا الرداد، الخبير الأردني في الأمن الاستراتيجي، أوضح لعنب بلدي أن الأردن يطلب فعلًا دعمًا سعوديًا على مستويين، الأول يتجلى برفع وتيرة التنسيق بخصوص مكافحة المخدرات على الصعيدين الاستخباراتي والأمني، وتبادل المعلومات حول الشبكات الموجودة في الأردن والسعودية ولبنان وسوريا، إذ ثبت أن هذه الشبكات عابرة للحدود، والأردن يواجه تعثرًا واضحًا في التنسيق مع النظام السوري.
كما أن لبنان يدار عبر “حزب الله” الذي يقدم غطاء، وهو مستفيد كأجهزة أمنية سورية من هذه العمليات، فالباحث يرى أن الأردن يمتلك معلومات عن هذه الشبكات المحلية منها والإقليمية، وهو بحاجة على طول الحدود لمساعدات تقنية وعسكرية ربما تكون متوفرة لدى السعودية، أو يمكنها توفيرها، لا سيما أنه ثبت بشكل قطعي أن ملايين الحبوب المخدرة كانت في طريقها إلى السعودية.
وفي 11 من كانون الثاني الحالي، أعلنت “هيئة الزكاة والضريبة والجمارك” السعودية إحباط محاولة تهريب أكثر من 841 ألف حبة “كبتاجون”، مخبأة في صناديق حديدية مصنعة خصيصًا لغرض التهريب في إحدى الشاحنات القادمة إلى المملكة.
“الأردن اتخذ قراره، وعلى الطاولة هناك خيارات منها المنطقة العازلة في الجنوب السوري، وهو خيار مستبعد حاليًا، لكن الأردن مضى باتجاه إدارة الأزمة عبر المواجهة العسكرية وتغيير قواعد الاشتباك، وضرب عناصر العصابات ومراكز التصنيع في الأماكن المقابلة للحدود، والمواجهة بعد دخول العصابات للحدود الأردنية”، أضاف الخبير الأردني.
وحول إمكانية تحالف دول أو قوى أخرى مع الأردن للجم عمليات التهريب هذه، بيّن الرداد أن الأردن يعمل وفق مبدأ تشكيل تحالف إقليمي من الدول المتضررة بتهريب المخدرات، مع استبعاد بقائه وحيدًا في هذه المواجهة.
من جانبه، أوضح الباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية اللواء السعودي المتقاعد عبد الله غانم القحطاني، أن حرب المخدرات مزمنة وطويلة ومؤلمة، والسعودية ذات خبرة في مواجهة وإحباط محاولات تهريب المخدرات عبر البر والبحر وحتى الجو، لكن من الملاحظ وجود تفاوت في الجهود، والدول العربية ليست على قلب رجل واحد في محاربة المخدرات.
واعتبر القحطاني خلال حديثه لعنب بلدي، أن المملكة تقود جهودًا لمواجهة المخدرات، وما يقوم به الأردنيون لمواجهة تهريب المخدرات له ارتباطات سياسية بما يجري في غزة والمنطقة، فالمحرك للمخدرات هو “محور المقاومة”، الذي يبتز الدول بهذه الطريقة كلما تعرض للتضييق، موضحًا أن هذه الشبكات تقف خلفها دول ومنظمات.
انعكاسات على الأرض
في 20 من كانون الأول 2023، ذكرت صحيفة “الشرق الأوسط” أن مضاعفات الحالة الأمنية على الحدود الأردنية- السورية، انعكست سياسيًا على مستوى الاتصالات بين الجانبين، التي باتت شبه مقطوعة.
وأوضحت الصحيفة أن عمان أبدت انزعاجها في أكثر من مناسبة من عدم إيفاء الجانب السوري بالتزاماته العسكرية والأمنية على الحدود “المحمية من جانب واحد”.
كما ترى مراكز قرار أمنية أردنية أن عدم جدية دمشق في وضع حد للميليشيات، هو الوجه الآخر لتصدير أزمات النظام باتجاه دول الجوار.
في الوقت الذي تتواصل به عمليات تهريب المخدرات من سوريا على نطاق إقليمي، نحو دول الجوار، وأولاها الأردن، ثم دول الخليج العربي، يتجه النظام السوري للترويج لمكافحة المخدرات عبر إعلانات متكررة من وزارة الداخلية في حكومته، حول إلقاء القبض على “متورطين” في الاتجار بالمخدرات وترويجها محليًا، لكن الواقع المرتبط بالملف لا يوحي باقتناع أردني أو عربي بهذا الترويج.
ولا يعتبر العمل العسكري الأردني لكبح جماح التهريب مفاجئًا، إذ لوّحت عمان منذ أيار 2023، بالذهاب نحو عملية عسكرية في سوريا للقضاء على التهريب، وتحدث وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في أيلول 2023، عن حجم المحاولات الناجحة لعمليات التهريب، مبينًا أن هناك عملية ناجحة من كل ثلاث عمليات مضبوطة على الحدود.
هذه التصريحات ترجمتها على الأرض إجراءات حذرة أكثر حيال ما يصل إلى الأردن من الأراضي السورية، وفي هذا الصدد، قال وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، إن بلاده تتعامل مع كل شاحنة تدخل معبر “جابر” (نصيب) من سوريا على أنها محملة بالمخدرات، مؤكدًا أن أحد الأسباب الرئيسة لازدياد المخدرات في الأردن هو الأوضاع في سوريا.
وفي بداية 2023، ناقش وزير الخارجية الأردني مع مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، ضرورة تثبيت الأمن والاستقرار في الجانب السوري، ومواجهة تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن، والإرهاب ووجود الميليشيات.
وخلال مشاركته في الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لمواجهة تهديد المخدرات الصناعية، في تموز 2023، اعتبر الصفدي أن عالمية خطر المخدرات الصناعية والموارد الهائلة المتوفرة لمصنعيها ومهربيها، تستوجب جهدًا دوليًا مشتركًا لمواجهة هذا الخطر، معربًا في الوقت نفسه عن استعداد الأردن للتعاون في مواجهة خطر المخدرات التي لا يمكن حسمها من دون تعاون دولي حقيقي، ما يعبر عن حالة التشكيك الأردنية بقدرة النظام السوري على ضبط المسألة، وهو ما عبّر عنه الملك الأردني في أيلول من العام نفسه، حين قال إنه غير متأكد مما إذا كان الأسد هو المسؤول الكامل عن البلاد في ضوء المشكلة الكبرى المتمثلة بتهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن.
وأضاف، “أعتقد أن بشار لا يريد أن يحدث ذلك، ولا يريد صراعًا مع الأردن، لا أعرف مدى سيطرته”.
جهود لم تثمر
انعقد، مطلع تشرين الثاني 2023، في العاصمة الأردنية، عمان، المؤتمر العربي الـ37 لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات، بتنظيم من الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب.
وثمّن حينها وزير الداخلية الأردني، الدور الذي تقوم به أجهزة مكافحة المخدرات في الدول العربية لمجابهة ومحاربة هذه الآفة، لمنع محاولات زراعة وإنتاج وتهريب المواد المخدرة في المنطقة العربية والإقليم والعالم، وفق ما نقلته مديرية الأمن العام في الأردن.
وفي حزيران من العام نفسه، عقدت “اللجنة الأردنية- السورية المشتركة” اجتماعها الأول للتعاون في مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية إلى الأردن، وفق ما ذكرته وزارة الخارجية الأردنية.
وترأس الاجتماع من جانب النظام وزير الدفاع، علي محمود عباس، ومدير المخابرات العامة، حسام لوقا، ومن الجانب الأردني رئيس هيئة الأركان المشتركة، يوسف الحنيطي، ومدير المخابرات العامة، أحمد حسني.
وجرى بحث التعاون المشترك في مواجهة “خطر المخدرات ومصادر إنتاجها وتهريبها، والجهات التي تنظم وتدير وتنفذ عمليات التهريب عبر الحدود نحو الأردن”.
هذه الخطوات بقيت دون مسار سياسي أو تفاوضي واضح يمنحها الجدّية المطلوبة، فـ”لجنة الاتصال العربية” (وزراء خارجية كل من مصر والعراق والسعودية والأردن ولبنان، والنظام السوري) لمتابعة مسار الحل في سوريا، وتطبيق “المبادرة الأردنية” (تتضمن حل مشكلة المخدرات)، عقدت اجتماعًا يتيمًا في آب 2023، قبل حديث وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، في 8 من تشرين الأول 2023، عن ضغوط غربية شديدة، حتى لا تعطي اللجنة أي شيء قبل النظام السوري، من منطلق “يكفي أنكم أعدتم الحكومة السورية إلى الجامعة العربية”.
لإرضاء عمان
الباحث الزميل في مركز “عمران للدراسات” نادر خليل، أوضح لعنب بلدي أن عمان تحاول استقطاب دعم خليجي لمكافحة المخدرات القادمة من سوريا، والمبادرة العربية تم تصميمها في جانب منها، للتجاوب مع المخاوف والمطالب الأردنية، أي أن دول الخليج، وتحديدًا السعودية والإمارات، كانت متفقة مع الأردن، سياسيًا، إلى حد ما، باستثناء الخلاف حول مستوى وسرعة “التطبيع” الرسمي مع النظام، بهدف إقناعه بلجم تجارة المخدرات.
وحول قدرة عمان على الحصول على دعم خليجي في مكافحة المخدرات القادمة من سوريا، يرى الباحث أن المعالجة الإماراتية– السعودية الراهنة للمخاطر والتحديات القادمة من إيران، تقوم على محاولة التفاهم مع إيران نفسها، بدلًا من الطريقة السابقة في مواجهة هذه المخاطر والتحديات بالطرق الخشنة، ما يعني أن الأردن قد يحصل على تمويل مالي لدعم جهوده في ضبط الحدود الأردنية– السورية.
“لا يملك الأردن كثيرًا من الخيارات أبعد مما يقوم به الآن، باستثناء إمكانية تصعيد الآلية التي بات يعتمدها، أي استهداف ميليشيات المخدرات والأسلحة في الجنوب السوري مباشرة، رغم أن هذه الآلية انعكست تصعيدًا من جانب الميليشيات أيضًا، وأي سيناريوهات أخرى ترتبط بمواقف لاعبين إقليميين ودوليين”.
نادر خليل
باحث زميل في مركز “عمران للدراسات”
وحول قدرة النظام على تنفيذ أي تجاوب يرضى عمان والخليج بهذا الملف، اعتبر الباحث نادر خليل أن هناك جانبًا كبيرًا من تركيبة النظام الأمنية والعسكرية، و”الزبائنية” الداخلية، مرتبطًا بهذه الصناعة والتجارة، ومن الصعب القيام بلجم نوعي لهذا النشاط، إضافة إلى التغلغل الإيراني في هذا الملف.
ووفق الباحث، فأي إجراء أكثر جدية على هذا الصعيد، قد يقوم به النظام فقط، إن وجد تهديدًا عسكريًا نوعيًا من قوى خارجية، بسبب هذا الملف، وهو أمر مستبعد في المدى المتوسط.
تغيير نمط التهريب
منذ نهاية 2023، شهدت عمليات التهريب من سوريا إلى الأردن ارتفاعًا من حيث الكثافة، وتغيرًا من حيث النوع، إذ نقلت وسائل إعلام أردنية منها “التلفزيون الأردني” و قناة “المملكة” عن مصدر عسكري مسؤول في “القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية” (لم تسمِّه) أن اشتباكات وقعت على الحدود مع سوريا لإحباط عملية تهريب “كميات كبيرة” من المخدرات والأسلحة الأوتوماتيكية والصاروخية.
واعتبر ذلك الاشتباك هو الخامس من نوعه على التوالي، إذ أعلنت السلطات الأردنية، في كل من 5 و12 و14 و15 من كانون الأول 2023، عن اشتباكات وقعت بين قواتها ومهربين مسلحين، أسفرت عن مقتل جندي أردني وعدد من المهربين لم يتم تحديده بالضبط.
عام 2018، مباشرة بعد استعادة النظام السيطرة على المنطقة الجنوبية من سوريا، نقلت قناة “المملكة” الأردنية عن مصدر أمني لم تسمِّه، أن “أزمة سوريا” تسببت بزيادة عدد الأسلحة في الأردن، وارتفعت منذ بدئها نسبة تهريب الأسلحة للمملكة إلى 400%، أو ما يعادل نحو 14 ألف قطعة سلاح مختلفة.
ويوجد في الأردن أكثر من مليون قطعة سلاح “غير مرخصة”، وفق إحصائيات غير رسمية نقلتها القناة الأردنية، تنوعت بين بنادق الصيد، ورشاشات “كلاشينكوف” الروسية، وحتى قنابل يدوية وأجهزة تفجير عن بعد، موضحة أن طول الشريط الحدودي (البالغ حوالي 380 كيلومترًا) أسهم في زيادة حجم عمليات التهريب “بشكل كبير”.
وبعد مرور نحو خمس سنوات على سيطرة النظام على المنطقة، صارت عمليات التهريب إعلانات روتينية شبه يومية، لكن المختلف بينها وبين سابقاتها أن الأردن لم يكن يوجه أصابع الاتهام لجهة بعينها، بينما صارت اليوم عمليات التهريب تنسب لمجموعات موالية لإيران في سوريا، وتهدف هذه العمليات إلى ولوج الأراضي السعودية عبر الأردن.
وفي تحليل موجز كتبه الباحثان المتخصصان في مكافحة الإرهاب بـ”معهد واشنطن” للأبحاث ماثيو ليفينت ولورين فون ثادن، في نيسان 2023، حول تهريب الأسلحة بالتحديد نحو الضفة الغربية بفلسطين عبر الأردن، أشار إلى أن مفترق الحدود بين الأردن وسوريا والعراق خضع جزء منه لسيطرة جماعات “جهادية” سابقًا، ما زاد من صعوبة تسيير الدوريات لضبطه، لكن الوضع لم يتحسن بعد أن أعادت قوات النظام السوري السيطرة على المناطق الحدودية.
رسائل عبر الحدود
حققت عمليات تهريب المخدرات نحو دول الخليج عبر الأردن انطلاقًا من الأراضي السورية مكاسب سياسية واقتصادية للنظام السوري، بحسب تصريحات تكررت على لسان مسؤولين أردنيين.
وفي مقابلة مع قناة “الجزيرة” القطرية، قال وزير الإعلام الأردني السابق، سميح المعايطة، إن “دولة تدعي أنها انتصرت في الحرب (في إشارة إلى النظام السوري)، وانتصرت على المعارضة، لا تستطيع أن تمنع (المخدرات)، هذا كلام غير منطقي”، واعتبر أن “الكبتاجون” يشكل اقتصادًا لـ”الدولة السورية” وللنظام السوري، ولعائلة رئيس النظام السوري المباشرة، ولميليشيات ومؤسسات في الجيش.
وفي الوقت الذي كان المهربون يعبرون بملايين الحبوب المخدرة نحو الأردن بشكل متكرر، طرحت عمان “المبادرة الأردنية”، وهدفت لإعادة النظام السوري إلى محيطه العربي، وظفر بمقعده في جامعة الدول العربية في أيار 2023، وفق مجموعة بنود كان التعامل مع عمليات التهريب أحدها.
الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن عامر السبايلة، قال لعنب بلدي، إن استهداف الأردن بعمليات التهريب القادمة من سوريا يمكن النظر إليه بأكثر من طريقة، إذ يعتبر الأردن بوابة لدول الخليج جغرافيًا، لكن تحالفه مع الغرب يشكل عاملًا سياسيًا أيضًا، وبالتالي يمكن استهدافه في حال الرغبة باستهداف الحلف الغربي.
وأضاف أن خلق “نقاط ساخنة” في الأردن يشكل من جهة أخرى جانبًا من الضغط على الغرب، وبالتالي تخفيف الضغط عن نقاط أو مناطق أخرى، أو تغيير الأولويات الأمريكية.
المكافحة غير مجدية
حالة القلق الأردني من تزايد عمليات التهريب، والاستنفار الأمني والعسكري على الحدود مع سوريا، لم تثمر بشكل كافٍ لتمنع وصول المخدرات نحو الأردن، إذ سبق وقال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إن من بين ثلاث عمليات تهريب من سوريا تنجح واحدة.
الباحث شعبان فسر طبيعة ما يجري بأن الجنوب السوري يستخدم لغرض التخزين، مشيرًا إلى أن عمليات تهريب المخدرات تخضع لمراحل عديدة توزع هذه المراحل على مناطق، إذ توجد منطقة لاستقبال المواد الأولية، وأخرى للإنتاج، إضافة إلى منطقة تخزين وتهريب.
ويرى الباحث أن الجنوب السوري يعتبر المسؤول عن المرحلة الأخيرة من هذه الدورة الإنتاجية، وتديره الجهة المسيطرة على المنطقة (النظام السوري والمجموعات المدعومة من إيران).
ورغم أن الأردن صعّد مقابل تصعيد عمليات التهريب، أشار شعبان إلى أن النشاط الأردني مقتصر على استهداف المرحلة الأخيرة من دورة الإنتاج، لكنه لم يتمكن من الإضرار بمنظومة العمل المسؤولة عن عمليات الإنتاج وما دام الإنتاج مستمرًا فالتهريب مستمر.
ويرى الباحث أن الأردن يستهدف من خلال استراتيجيته في المكافحة “أدوات التهريب”، وبالتالي لا يمكن أن تنتهي هذه العمليات من خلال استهداف الوسائل، الأمر الذي يتطلب معالجة جميع مراحل الإنتاج.
وأشار إلى أن النظام السوري غير قادر على ضبط المنطقة، رغم المحاولات السياسية العربية لتقديم أطروحات طالبت فيها النظام السوري بالعمل على التخفيف من عمليات التهريب نحو الأردن، كما أثبت أنه غير قادر في ظل النشاط الإيراني بالمنطقة، ونشاط ميليشيا “حزب الله” اللبناني.
أين الضامن؟
لطالما كان الجنوب السوري مثالًا حيًا على تحول كفة القوى في المنطقة، بعد التدخل الروسي لمصلحة النظام في سوريا، إذ سيطر الأخير على المحافظات الجنوبية، بينما تخلّت الولايات المتحدة عن فصائل المعارضة في الجنوب عام 2018، وانتهت المنطقة بسيطرة روسيا والنظام عليها بموجب اتفاق صار يعرف لاحقًا باسم “اتفاق التسوية“.
الاتفاق نفسه الذي كان الأردن طرفًا فيه، اشترط انسحاب الميليشيات الإيرانية من المنطقة، وقوات النظام السوري الموالية لها مثل “الفرقة الرابعة” التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ولعبت روسيا دورًا محوريًا كضامن لانسحاب هذه الميليشيات من المنطقة.
ومع انشغال روسيا بغزوها لجارتها أوكرانيا، بدأ وجودها في الجنوب بالتقلص، ما فتح الباب أمام تمدد إيراني، شغل الحدود الأردنية بالتهريب، والإسرائيلية بالصواريخ المتواترة.
الصحفي والخبير في الشأن الروسي رائد جبر، قال لعنب بلدي، إن الموقف الروسي تبدل على خلفية الحرب في أوكرانيا، وطبيعة الوضع بالمنطقة اليوم على خلفية الحرب في غزة.
ومنذ سنوات، بدأت روسيا بإبداء حماسة وحساسية أقل تجاه علاقتها بإيران من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، خصوصًا فيما يتعلق بالتوازنات التي أقامتها سابقًا في المنطقة.
وعلى خلفية الشرخ الذي أصاب التوازن إثر الحرب الأوكرانية، يرى جبر أن روسيا بدأت تغض النظر عن التحركات الإيرانية وأنشطة طهران في سوريا.
ومع أن روسيا لم تبدِ حماسة للاستمرار بدورها كضامن لحدود جيران سوريا من الجنوب، فإن عدم رغبة موسكو بإشعال جبهة من الجنوب السوري باتجاه الجولان السوري المحتل دفع بها لتثبيت نقاط عسكرية جديدة في مرتفعات الجولان قبل أيام.
ومن خلال التحركات الروسية الحديثة في الجنوب السوري، يظهر أن موسكو تخلّت عن دورها السابق في إبعاد الميليشيات الإيرانية من الجنوب السوري، بحسب جبر، إذ تظهر هذه التحركات على أنها تحافظ على آلية جديدة فيما يتعلق بانتشار الميليشيات الإيرانية.
ولا يبدو أن موسكو قد تتخذ أي خطوة في المستقبل القريب للعودة إلى ضبط الوجود الإيراني في سوريا، أو للجلوس على طاولة مفاوضات في هذا الشأن، بحسب جبر.