مع مرور ثلاثة أيام على غارات نفذها سلاح الجو الأردني جنوبي سوريا، في 5 من كانون الثاني الحالي، لم يعلن الأردن رسميًا عن ضربات داخل الأراضي السورية، واكتفت مصادر عسكرية أردنية بالتصريح لوسائل إعلام محلية عن أن عمان هي المسؤولة عن القصف، دون تأكيد رسمي.
الغارات التي قالت المصادر العسكرية إنها استهدفت مهربي مخدرات، وأضرت بممتلكات المدنيين في الجنوب السوري، سبقها بمدة تصاعد وتيرة عمليات التهريب من سوريا الأردن، ترافقت مع عمليات تهريب للأسلحة، واشتباكات متقطعة بين مهربين والجيش الأردني.
ونقلت قناة “المملكة” الأردنية، عن مصدر مطلع لم تسمِه، أن الأردن نفذ غارتين جويتين على مواقع داخل الأراضي السورية، في إطار ملاحقة مهربي المخدرات على الحدود بين البلدين.
وسائل إعلام أردنية، منها وكالة “عمون“، نقلت نص الخبر عن “المملكة” بحرفيته، كما نقلته أيضًا قناة “رؤيا” الأردنية.
وعقب ساعات من تنفيذ الغارات جنوبي سوريا، نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر “استخباراتية متطابقة”، أن الأردن شنّ ضربة جوية داخل الأراضي السورية، ضد ما يشتبه أنها “مستودعات ومخابئ لتجار مخدرات”، وأضافت أن القصف شمل كذلك منزلًا يشتبه بأنه لتاجر مخدرات في المنطقة، قرب الحدود مع الأردن.
الأردن ضاق ذرعًا
الغارة التي استهدفت الجنوب السوري هي الثالثة من نوعها خلال السنوات التي تبعت اتفاق “التسوية”، الذي شكل آخر ملامح سيطرة النظام على المنطقة، على حساب فصائل المعارضة السورية، وكان الأردن أحد أطرافه.
اليوم ومع مرور أكثر من خمس سنوات على سيطرة النظام على المنطقة، لم تتوقف عمليات التهريب، ويبدو أن الأردن ضاق ذرعًا بعمليات التهريب التي لم تتوقف رغم محاولاته التقارب مع النظام والوصول لاتفاق معه يقضي بإنهاء عمليات التهريب.
وبدا التململ الأردني واضحًا في تصريحات مسؤولين أردنيين، أبرزها عندما أعرب الملك الأردني، عبد الله الثاني، عن شكوكه في كون رئيس النظام السوري، بشار الأسد، يسيطر على “بلاده”.
وقال الملك الأردني خلال قمة الشرق الأوسط العالمية، في أيلول 2023، إنه غير متأكد مما إذا كان الأسد هو المسؤول الكامل عن البلاد في ضوء المشكلة الكبرى المتمثلة بتهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن.
وأضاف، “أعتقد أن بشار لا يريد أن يحدث ذلك، ولا يريد صراعًا مع الأردن، لا أعرف مدى سيطرته”.
سبق حديث الملك الأدرني، في الشهر نفسه، تصريحات على لسان وزير الإعلام الأردني السابق، سميح المعايطة، اتهم فيها النظام السوري بالتورط المباشر في مسألة تهريب المخدرات.
محاولات ضبط التهريب من جانب الأردن كانت دائمًا تتجلى بمحاولات عمان التواصل مع النظام السوري للوصول إلى حل يوقف تدفق المخدرات نحو أراضيها، لكنها لم تصل إلى نتيجة مع مرور السنوات، وتحولت محاولاتها لاحقًا إلى استهدافات ينفذها سلاح الجو جنوبي سوريا، تطال مهربين.
هل تغيرت ردود الفعل الأردنية
في 19 من كانون الأول 2023، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية، اللواء الركن يوسف الحنيطي، إن جيش بلاده استخدم جميع الإمكانات والقدرات والموارد، لمنع عمليات التسلل والتهريب والتصدي لها بالقوة.
وقالت قناة “المملكة” الأردنية نقلًا عن القوات المسلحة، إن قوات حرس الحدود وبالتنسيق مع إدارة مكافحة المخدرات والأجهزة الأمنية العسكرية، اشتبكت مع “مجموعات مسلحة” حاولت اجتياز الحدود نحو الأردن بطريقة غير شرعية من الأراضي السورية.
وأضافت أن الاشتباك انتهى بعد 14 ساعة، وأسفر عن مقتل واصابة عدد من المهربين واعتقال تسعة منهم، وضبط “كميات كبيرة” من المخدرات، والأسلحة الأوتوماتيكية والصاروخية.
بدت عملية التهريب هذه تحولًا واضحًا بعمليات التهريب، إذ حاول المهربون عبور الحدود الفاصلة بين البلدين بالقوة، كما أنه كان الهجوم الخامس من نوعه خلال عشرة أيام، إذ أعلنت السلطات الأردنية في كل من 5 و12 و14 و15 من نفس الشهر عن اشتباكات وقعت بين قواتها ومهربين مسلحين، أسفرت عن مقتل جندي أردني وعدد من المهربين لم يتم تحديدهم بالضبط.
في 6 من كانون الثاني الحالي أيضًا، قال التلفزيون الرسمي الأردني إن اشتباكات مع “مجموعات مسلّحة” قادمة من سوريا استمرت لساعات، وانتهت بطرد “المجموعات المسلحة من المهربين” إلى الداخل السوري.
الباحث في الشؤون العسكرية بمركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، قال لعنب بلدي، إن مجموعة من العوامل أسهمت بتغيير ردود فعل الأردن تجاه عمليات التهريب، أهمها أن الأردن كان رأس حربة في مسألة التطبيع العربي مع النظام السوري، وقدم ما سمي آنذاك بـ”اللاورقة” التي هدفت لمعالجة مسألة التهريب.
وتبع هذه التحركات انفتاح عربي على النظام أسهم بحضوره قمّة الرياض التي تطرقت لمسألة تهريب المخدرات وما تشكله من تهديدات أمنية واجتماعية على الأردن ودول الخليج التي تهتبر وجهتها النهائية.
وبناء على محاولات الإقناع الأردنية للنظام السوري بضبط الحدود، التي لم تلقَ طريقًا لمسامعه، تحولت ردود فعل الأردن لاستهدافات مباشرة جنوبي سوريا.
حوراني أضاف أن الأردن يتطلع لتوسيع عملياته العسكرية جنوبي سوريا مع مرور الوقت وبشكل تراكمي، لكن بالتنسيق مع بقية الأطراف المعنية، خاصة أن الجنوب السوري يتمتع بأهمية جيوسياسية للعديد من الأطراف، أبرزها إسرائيل المحاذية لها، وروسيا الضامنة لاتفاق “التسوية”، وأمريكا التي تملك قاعدة عسكرية هناك، وإيران التي تطمح للتغلغل في المنطقة.
الباحث اعتبر أن قدرة الجيش الأردني على تطبيق قواعد اشتباك تتناسب مع المخاطر المهددة لأمنه ثبتت خلال السنوات الماضية، إذ يقيّم الجانب الأردني هذه المخاطر ويريد البناء عليها قدمًا، في وقت يتلاعب النظام السوري بالمبادرات المطروحة نحوه عربيًا.
ثلاث غارات قد تتكرر
في 8 من أيار 2023، أغارت طائرات حربية لا تزال مجهولة الهوية على أهداف في منطقة اللجاة بين محافظتي درعا والسويداء جنوبي سوريا، ما خلّف ثمانية قتلى من عائلة كاملة بينهم ستة أطفال.
وأفاد مراسل عنب بلدي في درعا أن طيرانًا مجهولًا جاب مناطق الجنوب السوري على علوّ منخفض، تبعته أصوات انفجارات قادمة من منطقة اللجاة شرقي محافظة درعا، على مقربة من الحدود الأردنية.
وكالة “رويترز” قالت نقلًا عن مصادر استخباراتية، لم تسمِّها، إن الغارة نفذها طيران أردني بعد أن “نفد صبر” الأردن من عدم الوفاء بالوعود للحد من عمليات تهريب المخدرات نحو أراضيه، بينما لم تعلن المملكة الأردنية مسؤوليتها عن القصف حتى اليوم.
موقع “اللجاة برس” المحلي قال من جانبه، إن الطيران الأردني استهدف بغارة جوية منزل مهرب وتاجر المخدرات السوري مرعي رويشد الرمثان، في قرية الشعّاب بمنطقة اللجاة شرقي محافظة السويداء، ما أسفر عن مقتل ستة أطفال وشخصين بالغين.
وفي 19 من كانون الأول 2023، شنت طائرات حربية يُعتقد أنها أردنية غارات جوية جنوبي سوريا، استهدفت “مخابئ” لمهربي مخدرات ردًا على عملية تهريب “كبيرة” كانت قادمة من سوريا، بحسب ما نقلته “رويترز” عن مصدرين في مخابرات إقليمية، وآخر دبلوماسي غربي يتابع الوضع، لم تسمّهم.
وفي 5 من كانون الثاني الحالي، عادت الضربات الجوية التي يعتقد أنها أردنية لتطال أهدافًا جنوبي سوريا، دون أن تتبنى أي دولة القصف بشكل رسمي، وسط استمرار عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود من سوريا نحو الأردن.
الباحث رشيد حوراني يرى أن الاستهدافات من الممكن أن تتوسع خلال الفترة المقبلة بناء على عدة أسباب، أهمها القدرة الأمنية والعسكرية للجانب الأردني ورصده لتحركات مجموعات التهريب.
وأضاف أن عدم وجود غطاء يحمي المهربين جنوبي سوريا، يسمح للأردن بالتحرك ضدهم بحرية، إذ ينظر إليهم اليوم على أنهم عناصر مستفيدون ماديًا من عائدات تجارة وتهريب المخدرات ولهذا يضحي النظام بهم.
حوراني اعتبر أن العلاقات الدولية التي يقوم بها الأردن لوضع حد لعمليات التهريب نحوه تلعب دورًا أساسيًا في احتمالية توسع هذه الاستهدافات، وخاصة تلك المقامة مع أمريكا وروسيا.
وفي منتصف 2022، صرح الجيش الأردني في معرض الحديث عن أوضاع الحدود السورية- الأردنية، أن القوات المسلحة الأردنية تواجه “تنظيمات إيرانية تأتمر بأجندات خارجية”، وتستهدف الأمن الوطني الأردني.
وفي مقابلة تلفزيونية لمدير الإعلام العسكري، مصطفى الحياري، لقناة “المملكة” الحكومية، أعلن أن القوات الأردنية تواجه “حرب مخدرات” على الحدود الشمالية الشرقية للأردن، مشيرًا إلى أن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت زيادة مضاعفة لعمليات التهريب والتسلل.
–