تأنيث مهنة الصحافة
علي عيد
لم يكن من الممكن قبل نحو 20 عامًا أن ترى حصة عادلة للنساء في مهنة الإعلام بالعالم العربي على العموم، وإن كانت المرأة حققت وجودًا على الشاشة في بعض البلدان مثل لبنان وسوريا، فإن الأمر يتعلق بالمحتوى المنوع أكثر، كبرامج الفن والترفيه، والبرامج المتخصصة بالأطفال والمرأة.
ولم يكن ملحوظًا حضور المرأة في غرف الأخبار وبمراكز صنع القرار، إذ يقال إن أول رئيسة تحرير عربية كانت الصحفية المصرية أمينة السعيد، رئيسة تحرير مجلة “حواء” عام 1954.
وفي المجال السياسي، شغلت الصحفية الكويتية بيبي المرزوقي مهمة رئيس تحرير صحيفة “الأنباء” بين عامي 1995 و2009.
الصحفية الأردنية رنا صباغ عملت رئيسة تحرير لصحيفة “جوردان تايمز” بين عامي 1999 و2001.
وتأخر الأمر حتى عام 2014 في السعودية ليتم تعيين الصحفية سمية جبرتي رئيسة لتحرير “Saudi Gazzette”، الصادرة عن مؤسسة “عكاظ للصحافة والنشر”.
جميع هؤلاء النساء شغلن مناصب في مؤسسات حكومية أو تتبع لرأس المال الخاص، ونلاحظ أن تجربة المرأة في الإعلام المستقل تكاد تكون نادرة لندرة المؤسسات المستقلة، لكن التجربة السورية جاءت بنساء إلى منصب الإدارة مثل راديو “روزنة” الذي تشغل فيه سيدتان اليوم منصبي المدير التنفيذي ورئيس التحرير، وهما لينا الشواف ولجين الحاج يوسف.
وجود عدد من النساء على رأس مؤسسات إعلامية عربية لا يعبر عن حضور المرأة الفعلي في غرف التحرير والأخبار حتى وقت متأخر، وقد ينطبق الأمر على الصحافة الغربية، ويرجع الأمر إلى صورة نمطية تتعلق بشخصية المرأة.
وتشير دراسة لتأثير المرأة على الصحافة البريطانية (1997)، للمحاضرة في جامعة “سيتي” ليندا كريسماس (Linda Christmas) إلى أن الكتابة السياسية هي واحدة من “حصون الذكور”، والحصن الآخر هو قيادة التحرير، لأن النساء لا يُنظر إليهن ولا يرين أنفسهن مناسبات لهذا الشكل من الصحافة.
وتنقل دورية “Nieman Reports”، التي تغطي موضوعات قيادة الفكر في الصحافة، عن كريسماس إشارتها إلى أن هناك فرضية نمطية تتعلق بأدمغة النساء، إذ يُعتقد أن الرجال أكثر تقاربًا وأكثر نزاهة وتحليلًا من النساء، وأن النساء أفضل في كتابة القصص المتعاطفة والموجهة نحو الناس.
في الإعلام السوري المستقل، تُظهر تجربة فريدة لحضور المرأة في غرفة الأخبار والتحرير، وتغطية الموضوعات السياسية مع مجموعات من الصحفيات والصحفيين الشباب، وهي تجربة عنب بلدي، التي تعمل على تطوير مهارات الراغبين للعمل في حقل الصحافة عبر برنامج “مارِس” التدريبي، أن كثيرًا من الفتيات والنساء نجحن في غرفة الأخبار، وأنجزن تقارير مهمة تتعلق بالتطورات السياسية والاقتصادية في سوريا ما بعد 2011، كما يمكن ملاحظة أن الفتيات والنساء شكّلن ما نسبته 70% من كادر غرفة التحرير بعنب بلدي في بعض الأحيان، ومع انخفاض النسبة بين فترة وأخرى بالنظر إلى طبيعة التجربة، فإن نسبتهن كانت دائمًا أكثر من الذكور خلال السنوات التي أعقبت تأسيس برنامج “مارِس”.
مشكلة انخراط المرأة في العمل الصحفي السياسي والاقتصادي وقيادتها لفريق العمل، بقيت من القضايا الحساسة في تكوين الكوادر الصحفية على مستوى العالم، والدليل هو الاحتفال بوجود المرأة في هذا القطاع لا بإنجازاتها، وهذا ينعكس في حجم الدراسات الغربية المتعلقة بقضايا تأنيث وسائل الإعلام (Media Profession Feminization)، ولا نتحدث هنا عن تأنيث المحتوى (Media Content Feminization)، وهو مسألة مختلفة رغم ارتباط المسألتين عضويًا.
قد تنظر إدارات المؤسسات الإعلامية، ومنها الخاصة بشكل أكبر، في الشرق الأوسط عمومًا، والعالم العربي خصوصًا، إلى مخاطر إعطاء المرأة حصة أكبر في غرف الأخبار، لأسباب تتعلق بالخصوصية والإنجاب والزواج، وأثر ذلك اقتصاديًا على المؤسسة، على اعتبار أن الاستثمار في الكوادر هو مسألة مكلفة.
ترى المؤسسات الخاصة أن التسرب لأسباب تتعلق بخصوصية المرأة يشكّل عبئًا في تعويض مكانها أو تكاليف هذا التعويض، إلا أن هذا التوجه يتسبب في خلل كبير ببنية المحتوى الإعلامي لا في هيكليات المؤسسات فحسب، وهو ما يمكن فهمه بتحليل مستوى المتابعة والجمهور.
وفي المؤسسات الحكومية بالعالم العربي، لا تحظى المرأة بحضور مقنع، وتلعب السياسات والتوجهات دورها في تعيين نساء على رأس المؤسسات الصحفية أو ضمن كوادرها الفاعلة.
لم تستطع وسائل الإعلام حتى اليوم رفع نسبة متابعة النساء للمحتوى السياسي والاقتصادي لأكثر من الربع في غالبية المؤسسات العامة والخاصة والمستقلة، ربما باستثناء المجلات والبرامج الخاصة بحياة المرأة كقضايا الجمال و”الموديلات” و”الإكسسوار” والعطورات، وهذا بحد ذاته خسارة اقتصادية إذا اعتبرنا أن الجمهور هو رأس المال الأهم لوسائل الإعلام.
ويعود سبب انخفاض نسبة جمهور النساء، رغم ضعف وقلة الدراسات المتخصصة بهذا الشأن، إلى خلل في فهم اهتماماتهن وتوجهاتهن، وهذا يحتاج إلى إصلاح بينة الكوادر وتحقيق توازن جندري فيها، إضافة إلى الغوص أعمق في قضايا المرأة، وهو ما تجيده هي نفسها بالتعاون مع الصحفيين الذكور.. وللحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :