عنب بلدي – براءة خطاب
مر أسبوعان على انتهاء عمل سفير حكومة النظام السوري في الإمارات، غسان عباس، دون الحديث عن أي بديل، وهو ما يطرح تساؤلات عن العلاقة بين الطرفين.
وأقامت السفارة السورية في أبو ظبي لقاء وداعيًا بحضور أشخاص من الجالية السورية، في 26 من كانون الأول 2023، بمناسبة انتهاء مهام السفير السوري غسان عباس كرئيس لبعثة سوريا بالإمارات، بحسب ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية.
ولم يحضر أي مسؤول رسمي من الجانب الإماراتي حفل التوديع، بينما لم يعلن عن تعيين سفير جديد من قبل دمشق حتى لحظة تحرير هذه المادة.
وبالرغم من العلاقة القوية التي أظهرتها الإمارات مع النظام السوري، إذ تعد أول بلد عربي يزوره رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بعد 2011، لم تكن ضمن لائحة التهنئة بمناسبة رأس السنة التي تلقاها الأسد.
وفي آذار 2022 زار رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الإمارات، في أول زيارة لدولة عربية منذ عام 2011.
وذكرت وكالة أنباء الإمارات (وام)، أن الجانبين ناقشا خلال اللقاء عددًا من القضايا “محل الاهتمام المشترك، وأكّدا الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وانسحاب القوات الأجنبية، إضافة إلى دعم سوريا وشعبها الشقيق سياسيًا وإنسانيًا للوصول إلى حل سلمي لجميع التحديات التي يواجهها”.
احتمالان
الباحث في مركز “الحوار السوري” الدكتور أحمد القربي، قال لعنب بلدي، إنه لا يمكن الحكم بالضبط على الأمر كونه لم يمر سوى نحو أسبوعين على انتهاء عمل السفير السوري لدى الإمارات.
ورجح القربي انتهاء تعيين السفير، غسان عباس، إما لضغط على النظام، وإما أنها إجراءات اعتيادية.
وقال لعنب بلدي، إن إنهاء مهام السفير قد يكون إجراء روتينيًا، “وبالتالي إعادة تعيين سفير جديد يمكن أن يأخذ فترة وهو أمر اعتيادي”.
وأوضح القربي، لعنب بلدي، أن الاحتمال الثاني المتوقع هو ضغط إماراتي على النظام السوري خاصة أنه لم يعلن عن استقبال أو توجيه تهنئة بمناسبة رأس السنة لدولة الإمارات.
وبأخذ هذه المؤشرات بعين الاعتبار يمكن القول إن هناك محاولة ضغط إماراتية على النظام من أجل التعاطي الإيجابي مع بعض الخطوات المرتبطة بالحد من تجارة “الكبتاجون” تحديدًا باتجاه دول الخليج العربي والأردن، بحسب ما قاله القربي لعنب بلدي.
الأردن، الذي يقع على طريق التهريب إلى دول الخليج، يستضيف حوالي 1.6 مليون لاجئ سوري منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011، قام بالعديد من الإجراءات الأمنية عند حدوده مع سوريا، وأوقف عشرات تجار المخدرات.
ومن الملفات التي برزت أكثر بعد التحركات العربية تجاه النظام، ملف تهريب المخدرات من سوريا نحو دول الخليج، فترافق كثير من الاجتماعات واللقاءات العربية مع النظام بإحباط محاولات تهريب، إلى جانب زيادة في الوتيرة.
ويرى القربي أن الموقف الإماراتي من التطبيع مع النظام هو موقف استراتيجي باعتبار أن الإمارات هي أول من فتح الباب أمام النظام والتطبيع معه وضمه إلى جامعة الدول العربية، والضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لتخفيف العقوبات، “كل هذه التحركات تشير إلى أن الإمارات لها موقف استراتيجي من فكرة الربيع العربي وبالتالي تريد إنهاء هذا الملف”.
وأضاف أن أهم خطوة في هذا الملف حاليًا بعد فشل الربيع العربي في بعض الدول مثل مصر وتونس وغيرهما، هي محاولة إغلاق ملف سوريا من خلال التطبيع مع النظام وتعويمه ليس فقط عربيًا بل حتى عالميًا.
واستضافت الإمارات الدورة الـ28 لمؤتمر “القمة العالمية للعمل المناخي”، بينما سبق انطلاق المؤتمر مطالبات من منظمات وجهات حقوقية بإلغاء دعوة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، للمؤتمر، ومطالبات بتسليم الأسد خلال حضوره قمة المناخ بعد أن أصدر قضاة التحقيق الجنائي الفرنسيون، في 15 من تشرين الثاني 2023، مذكرات توقيف بحق بشار الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيماوية المحظورة دوليًا.
وترأس وفد سوريا المشارك بالمؤتمر رئيس حكومة النظام، حسين عرنوس، دون تصريح رسمي سوري عن سبب تغيب الأسد عن الحضور رغم تلقيه دعوة إماراتية.
محاولات ضغط
القربي قال لعنب بلدي، إن وجود بعض الضغوط من الإمارات على النظام يفترض فهمه ليس على أنه إيقاف هذا المسار الاستراتيجي بالتطبيع مع النظام بقدر ما هو محاولة للضغط عليه من أجل المضي والتعاطي بشكل إيجابي مع بعض الملفات التي طُلبت منه خاصة فيما يتعلق بإيقاف تهريب “الكبتاجون” إلى الدول العربية.
ولا يتوقع القربي أن يُطلب من النظام السوري الحد من نفوذ الميليشيات الإيرانية، لأن الدول العربية على علم أن النظام ليس قادرًا على ذلك.
وتعتبر الإمارات العربية المتحدة من أوائل الدول الداعية لعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، وبادرت منذ عام 2018 لاستئناف علاقاتها مع النظام وافتتحت سفارتها في دمشق، ما تبعه تنامٍ في الدعم الإماراتي ضمن مناطق سيطرة النظام، شمل مشاريع حيوية تتعلق بالمنظومة المائية وإقامة محطة طاقة كهروضوئية.
وفي 9 من تشرين الأول 2021، استقبل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، برفقة وفد رفيع المستوى في العاصمة السورية دمشق، في أول زيارة من نوعها منذ بدء الثورة في سوريا عام 2011.
زيارة ابن زايد التي فتحت الباب أمام خطوات جريئة تجاه النظام السوري ليست الموقف الإماراتي الأول من هذا النوع، إذ سبقتها، في آذار 2021، تصريحات لابن زايد خلال مؤتمر صحفي جمعه بنظيره الروسي، سيرغي لافروف، في العاصمة الإماراتية، أبو ظبي، أكد خلالها أن مشوار عودة سوريا إلى محيطها الإقليمي بدأ، وهو أمر لا مفر منه، وفق تعبيره.
كما لفت ابن زايد خلال اللقاء نفسه إلى نية بلاده مناقشة قانون “قيصر” الذي تفرضه واشنطن على النظام السوري، مع الولايات المتحدة، معتبرًا القانون “التحدي الأكبر” أمام التنسيق والعمل المشترك مع سوريا.
وسجّلت الإمارات منذ حدوث الزلزال بسوريا في شباط 2023، حضورًا واضحًا في الملف الإغاثي بمناطق سيطرة النظام، وتحديدًا في محافظة اللاذقية، رغم تشارك ثلاث محافظات يسيطر عليها النظام ألم الكارثة.
ولم تتوقف العلاقات بين الطرفين طيلة الفترة الماضية، وتجددت زيارة الأسد إلى الإمارات في آذار 2023، ورافق الأسد، زوجته أسماء الأسد، في زيارة تعتبر الأولى لها منذ 2011، استقبلتها زوجة الرئيس الإماراتي الراحل زايد بن سلطان، فاطمة بنت مبارك.
وذكرت صفحة “رئاسة الجمهورية السورية” على “فيس بوك” أن المحادثات تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين وكيفية تعزيزها و”التطورات الإيجابية” الحاصلة في المنطقة، وأهمية البناء عليها لتحقيق الاستقرار، كما تطرقت للتعاون الاقتصادي بين الجانبين.
ورغم تقديم حكومة أبو ظبي الدعم لبعض الفصائل السورية المسلحة المعارضة، خاصة في المنطقة الجنوبية، إلى جانب دعمها غرفة “موك” التي أُقيمت في الأردن بإشراف التحالف الدولي، اتجهت لمنح علاقتها بالنظام تقاربًا أكبر، من خلال اتصال ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، بالأسد، في آذار 2020، لبحث تداعيات انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، الأمر الذي اعتبره ابن زايد تضامنًا إنسانيًا في أوقات المحن.
واستبقت أبو ظبي تلك الجهود التي تصب في مصلحة النظام، بإعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق، في 27 من كانون الأول 2018، بعدما أغلقتها عام 2012 مع الدول الخليجية الأخرى، بسبب استخدام النظام القوة المفرطة بحق المتظاهرين والتسبب بإراقة الدماء.
وبررت أبو ظبي إعادة فتح سفارتها من منطلق التأكيد على “حرص الإمارات على إعادة العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مسارها الطبيعي، بما يعزز ويفعّل الدور العربي في دعم استقلال وسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها”، بحسب ما ورد في بيان للخارجية الإماراتية حينها.
في المقابل، عيّن النظام السوري عدة سفراء في بعض الدول العربية، آخرهم تعيين نائب وزير الخارجية، أيمن سوسان، سفيرًا لدى السعودية.