“الائتلاف المعارض”.. زواج بالإكراه

  • 2024/01/07
  • 12:44 م
غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

تشبه كثيرًا حالة “الائتلاف الوطني المعارض” وعلاقته بالسوريين، حالة زواج بالإكراه، أُجبر فيه السوريون من قبل الدول الراعية والداعمة على الرضوخ والامتثال لقرارها بتعميد “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” زوجًا وقائدًا وولي أمر عليهم، يعيشون أو يتعايشون معه على السراء والضراء ويسلمون أمرهم وقيادتهم له امتثالًا لمفهوم الطاعة وإلا فهم نواشز، وعلى الرعاة والولاة إعادتهم إلى بيت الطاعة راضخين مسلّمين لقضاء لا رادّ له!

في قوانين الأحوال الشخصية، تملك الزوجة حق طلب الطلاق إن توفرت أسباب محددة أو واحد منها على الأقل، كالشقاق بين الزوجين، أو إذا كان الزوج عنّينًا على سبيل المثال لا الحصر، بينما من الواضح أن الزواج الذي عقده “الائتلاف” على السوريين أراده زواجًا كاثوليكيًا لا فكاك منه ولا طلاق، ولا انحلال له ولا تحلل منه إلا بالموت، الذي كما هو واضح لن يكون من نصيب هذا الزوج العابث واللامبالي.

السوريون اليوم في حالة شقاق مستحكم مع “الائتلاف”، وهم يرونه عنّينًا عاجزًا عن استيلاد وصناعة مستقبل لهم، يتوفر فيه حد أدنى من مطالبهم وآمالهم التي سعوا إليها وهتفوا بها وسفحوا دمًا لأجلها، ويرون أنه آن الأوان لوقوع الطلاق البائن بينهما، وأنه فات الأوان كثيرًا على إصلاح ذات البين، ومع ذلك يصرّ الرعاة والداعمون على إبقاء حالة التساكن، لا حرصًا على سلامة بنيان العائلة المفترضة، وإنما لأن هذا الزوج القوّاد يلبي لهم رغائبهم ويستجيب لمطالبهم، ويدخل كل الزناة إلى غرفة نومه، غير آبه بما قد يفعلونه بسوريته!

أزمة المعارضة السورية المستحكمة وأدواتها أنها لا تملك أجنده وطنية، لا لخوض الصراع وأداء استحقاقاته، ولا لحله ضمن سياق يلبي حدًا أدنى من مطالب السوريين، بدليل المآل الخطير الذي وصلت الأحوال فيه إلى الحضيض في المناطق التي يفترض أنها تخضع لها خارج سيطرة النظام، والتي كان من المؤمل أن تكون نموذجًا يحتذى به، لكن الواقع أثبت أنها عنوان للفشل الذريع والمبكر، أسهم الى حد بعيد في سقوط حلب عام 2016، وانكماش مساحات السيطرة بدءًا من عام 2018، لأنه ما كان ممكنًا الحفاظ عليها والقائمون على إدارتها مجرد ميليشيات تحمل أجندات متطرفة ومغرقة في إسلامويتها وقاتلة لفكرة المواطنة التي هي أساس الثورة وهدفها، أو ميليشيات مجرمة ومشرذمة ومتناحرة امتهنت القتل والخطف والسطو والاتجار بالبشر، وجعلت بندقيتها تحت الطلب وجاهزة لأداء ما يوكل إليها من مهام عابرة للحدود، دون أن يكون لتلك المهام أي دور أو وظيفة في صراعنا مع النظام يمكن أن تساعد السوريين على تجاوز محنتهم والإسهام في صناعة حل لها.

أزمة المعارضة السورية المستحكمة، والتي ربما لا يراد لها أن تنتهي، أنها لم تكن منذ نشأتها بعيد انطلاق الثورة السورية معبّرًا حقيقيًا عن تطلعات السوريين، وكانت نظرتها قاصرة ومتسرّعة وانخرطت في سياق لم يكن ليحقق الهدف المأمول، فأنشأت ميليشياتها العسكرية وأدخلت المجتمع حلبة صراع لم تكن لتنتصر فيه أبدًا، ما جعلها رهينة للقوى الداعمة والممولة لهذا النمط من الصراعات ولأدوات خوضه.

أزمة المعارضة السورية أنها وصولية ومرتهنة، استمرأت الحرام ورفاه العيش، وتجاوزت كل الخطوط في ما يمكن التساهل بتقديم تنازلات بشأنه، وما لا يمكن المس به مهما عظمت الضغوط، فتحول “الائتلاف” إلى شكل هلامي يسهل إعادة تشكيله دائمًا وفق شكل وطراز الوعاء الذي يوضع فيه.

أزمة المعارضة السورية الحقيقية، وقد صارت مجرد صفر على شمال أي رقم في معادلة الصراع وأدركت إفلاسها وعجزها، أنها أخذت تستثمر في هذا الصراع ككل قوى الأمر الواقع التي لم يعد إيجاد حل للصراع يناسب أو يلبي مصالحها.

القضية السورية وحق السوريين بالتحول الديمقراطي وبناء دولة قانون ومواطنة، التي بذل لأجلها دم وتدمير وتهجير لم يحصل شبيه له في حروب داخلية على مر التاريخ، تحتاج إلى معارضة قادرة على قول كلمة “لا” في مواجهة ذلك التآكل الهائل والمريع لأهدافها ومسعاها، وقادرة على أن تكون صلبة عندما يقتضي الأمر ذلك، ولينة عندما تقتضي المعطيات والظروف شيئًا من اللين والتكيف بما لا يمس الهدف الرئيس.

ما نحتاج إليه حاليًا كسوريين أن نستعيد ونتمثل المشهد والخطاب الذي يعبر عنه السويدائيون اليوم، الذين على الرغم من قوة وأهمية ثورتهم وإيجابية خطابهم، فإنهم لن يستطيعوا وحدهم أن يكونوا حاملًا ورافعة جديدة لروحية الثورة، ولا بد من ملاقاتهم والارتقاء لمستوى ومحتوى خطابهم حتى نستعيد، ربما، بعضًا مما خسرناه وأهدرناه، علّنا نحقق معًا ما يتعين علينا تحقيقه ولو بحدوده الدنيا، بعد أن فوّتنا على أنفسنا أثمن فرصة للتغيير، غالبًا لن تتكرر قبل عقود. وفي جميع الأحوال، لا بد من الطلاق البائن مع “الائتلاف”، الذي استنفد كل فرصه، وأن تكون للمرحلة الحالية قيادة جديدة تكون طوع مطالب السوريين في المقام الأول وحقهم بالحرية والشراكة الوطنية.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي