تعا تفرج
شجار بالرشاشات والكلاشينكوفات
خطيب بدلة
أتصلُ، في بعض الأحيان، بصديقي “أبو عبود” المقيم في مدينة إدلب، لأطمئن على أحواله، فيفاجئني، في كل اتصال، بفكرة، أو نظرية جديدة. قال لي، أمس: هل تذكر كيف كنا نطلع مشاوير، بشكل يومي، وفي أثناء عودتنا، نخطط للمشوار الذي سنقوم به في اليوم التالي؟
قلت: نعم. قال: اليوم ينصح الناس بعضهم بعضًا بالبقاء في المنزل، ويتداولون مثلًا شعبيًا مستحدثًا، هو: اللي يطلع من دارو يقل مقدارو. أنا، مثلًا، أعاهد نفسي، بعد كل طلعة، أن تكون الأخيرة، ولكنني أضطر للخروج لتأمين حاجيات الأسرة. هل تذكر كيف كنتَ، في أثناء عبورك أي شارع بإدلب، ترد سلامات أصدقائك ومعارفك على الجانبين؟ اليوم، أنت تلتقي بعشرة رجال، تعرف منهم واحدًا في الحد الأقصى، تسلم عليه من بعيد، وتتابع طريقك.
كنا، في الطفولة، ننتظر العيد، بفارغ الصبر، كي نذهب إلى البازار، ونتفرج على الضبعة والضبعة. إنني أستغرب، الآن، كيف كنا نخاف من الضبعين المحبوسين في القفص، ونقرف من رائحتهما النتنة، ومع ذلك نعاود الدخول، والفرجة، وأعلل ذلك بأننا كنا نشمت بالضبعين لأنهما غير قادرين على افتراسنا، بسبب وجودهما في القفص. البارحة تعرضنا لموقف له علاقة بالفرجة على منظر، آخ يا صديقي، آخ، كم تمنيت لو أنني مت قبل أن أراه.
سألته باستغراب: ماذا جرى؟
قال: اشتريت ما يلزمني من السوق، وكنت على وشك أن أستأجر سيارة تقلني مع أغراضي إلى البيت، وإذا بشبان ملتحين يشكلون حولنا ما يشبه الطوق، ويطلبون منا التوجه إلى ساحة البازار بسرعة. سألناهم: ما الخبر؟ فأخبرونا بأن هناك رجلين ستقوم اللجنة الشرعية بجلدهما، ويجب أن تكون عملية الجلد مشهودة، لكي يتعظ الجميع. وسبب الجلد، كما أعلن أحد المشايخ قبل التنفيذ، أن امرأة طُلقت من زوجها، وتزوجت بآخر، قبل انتهاء العدة، لذا قرروا جلد الزوج ووالد المرأة!
المهم، يا “أبو مرداس”، لم أطلع من داري بعد يوم الجلد، أبدًا، ولكن ابن عمي “أبو مطيع”، أنت تعرفه، لم يتركني بحالي، كل يوم يأتي لزيارتي، يجلس عندي ساعتين وهو يحكي لي عما يحصل في البلد. يسألني: هل تعرف فلانة؟ نعم، أعرفها. ما بها؟ قتلوها بتهمة الزنا، دون أن يتحققوا من الشروط، اعتمدوا على تقارير و”إخباريات”، مثل جماعة النظام. ويضحك “أبو مطيع” حتى يستلقي على قفاه، ويقول: ومع أن عَلّانة رفيقتها، وزميلتها (في الشغل)، لم يقتربوا منها. لماذا؟ لأنها من العائلة الفلانية، وهذه العائلة لا تشتري المرأة بفرنك سوري، ولكن المشكلة مع الفضيحة، لو ذكروا اسمها لوقفت البلدة على ساق واحدة، وأنت تعلم، هذه العائلة فيها خمسمئة “ضراب عصاية”، سابقًا، وأما الآن فما عاد أحد يتشاجر مع أحد بالعصاية والموس الكباس وبوكس الحديد، أقل واحد فيهم معه كلاشينكوف أخمص طي، عدا عن حاملي الرشاشات “بي كي سي”، وسمعت مؤخرًا أن كبيرهم “أبو عاجوقة” صارت عنده دبابة!
المهم، أخي “أبو مرداس”، يظل “أبو مطيع” يحكي لي من هذه القصص حتى أزجره، وأقول له: كرمى لله اسكت. فيسكت.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :