“الهول” إلى الواجهة مجددًا.. هل تتعمد “قسد” إبقاء تنظيم “الدولة” حيًّا
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
جاءت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بدعم من التحالف الدولي على شمال شرقي سوريا على حساب تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي سيطر على المنطقة قادمًا من العراق، وتوسع فيها وصولًا إلى وسط سوريا.
وتحت ضربات التحالف الدولي (مكون من 86 دولة) و”قسد” شرق الفرات، وحلف روسيا وإيران والنظام السوري غرب النهر، وتركيا و”الجيش الوطني” شمالي وشرقي محافظة حلب، انحسر نفوذ التنظيم، ولم يتبقَّ منه سوى سجناء من عناصره السابقين موزعين على سجون تديرها “قسد”، ومخيمات تقطنها عائلات مقاتلي التنظيم أبرزها “الهول” و”روج”.
عاد الحديث عن الوضع الأمني في مخيم “الهول” الذي يضم عائلات مقاتلين من تنظيم “الدولة الإسلامية” شرقي محافظة الحسكة، في تصريح لمديرة المخيم، جيهان حنان، نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، قالت فيه إن ضبط المخيم أمنيًا مسألة “شائكة وصعبة” لأسباب تتعلق بمساحته الكبيرة التي تبلغ نحو 3000 دونم.
حنان أضافت أن دور قوات الأمن “يقتصر على حماية ومراقبة بوابات المخيم الرئيسة، وأنها تسيّر دوريات راجلة داخل المخيم، من دون وجود مراكز أو مقار أمنية ثابتة داخل أقسامه”.
وبحسب مديرة المخيم، فإن “الإدارة الذاتية” تعمل على “حماية قاطني المخيم بإمكانات ومعدات أمنية بسيطة”، ولفتت إلى أن قوات الأمن لا تملك أجهزة حديثة ومتطورة، كما لا تتوفر إمكانات لزيادة عدد عناصر الأمن.
وعلى الرغم من الحملات الأمنية التي أطلقتها القوات العسكرية، لا يزال المخيم يشهد حوادث أمنية وخروقات متكررة، بحسب حنان.
وكانت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) أعلنت، في 27 من كانون الأول 2023، عن أن قواتها تمكنت بدعم من التحالف الدولي من تنفيذ عملية أمنية دقيقة مشتركة ضد من وصفته “أحد أخطر عناصر تنظيم (داعش) الإرهابي”.
وأضافت أن العملية نفذتها في مخيم “الهول” شرقي الحسكة، داخل إحدى الخيام فيه، وتمكنت من القبض على “أبو عبيدة العراقي”، وهو المسؤول عن المخيم في تنظيم “الدولة”.
أخذ مخيم “الهول”، شرقي الحسكة، شكله الحالي، بعد تدفق أعداد كبيرة من النازحين من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم “الدولة” خلال شن “قسد” هجومًا ضد معاقله الأخيرة، وتمكنها من السيطرة عليها معلنة عن إنهاء التنظيم في 23 من آذار 2019.
وأُنشئ المخيم في التسعينيات لاستيعاب خمسة آلاف لاجئ عراقي، ويضم اليوم 35 ألفًا من السوريين، ومثلهم تقريبًا من العراقيين، وحوالي عشرة آلاف من 30 إلى 40 دولة أخرى.
حملات أمنية متكررة
على مدار السنوات الماضية، تكررت الحملات الأمنية التي أطلقتها “قسد” في مخيم “الهول” شرقي الحسكة، بحثًا عن عناصر من تنظيم “الدولة”، إذ دائمًا ما يشهد المخيم قلاقل أمنية على خلفية عمليات تنفذها خلايا للتنظيم داخله.
أبز هذه العمليات وأطولها من حيث المدة الزمنية أطلقتها “قسد“ داخل المخيم في آب 2022، وفتشت خلالها كامل قطاعات المخيم الذي يضم أكثر من 50 ألف شخص من سوريين وأجانب، وقالت وكالة “هاوار” الكردية حينها، إن “قسد” عثرت على خندق وغرف مبنية بالحجارة، وأزالت عددًا من الخيام التي يستخدمها عناصر تنظيم “الدولة” وخلاياه للتدريب.
خلال 2022، شهد مخيم “الهول” مقتل 44 شخصًا بينهم 14 امرأة وطفلان، واستهدفت هذه العمليات قاطني المخيم، ومتطوعي المنظمات الإنسانية، وأفرادًا من “أسايش”، وكذلك محاولات الفرار المتكررة، وخطط الهجوم على المخيم من الخارج.
وكان المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، عمران رضا، أعرب عن قلقه من تزايد مستويات العنف بين قاطني مخيم “الهول”، بعد زيارة أجراها إلى المنطقة منتصف 2022.
وأعلنت إدارة المخيم، قبيل انطلاق الحملة الأمنية نفسها وقوع 28 جريمة قتل، منها 12 لأشخاص من الجنسية السورية، و14 من اللاجئين العراقيين، واثنان مجهولا الهوية، إضافة إلى 15 محاولة قتل باءت بالفشل، بينما قالت الأمم المتحدة، إن أكثر من 100 جريمة قتل حصلت خلال عام ونصف في مخيم “الهول”.
وفي 2021، أطلقت “قسد” عملية أمنية مشابهة شملت قطاعات من المخيم، ونفذها نحو 6000 مقاتل من “قسد”، بحسب ما أعلنت عنه حينها، وأفضت إلى اعتقال العشرات من عناصر التنظيم، بحسب إحصائياتها الرسمية.
“قسد” بين القدرة والرغبة
منتصف كانون الأول 2023، وافق “الكونجرس” الأمريكي على موازنة وزارة الدفاع الأمريكية لعام 2024، بقيمة 842 مليار دولار، خُصصت منها 156 مليون دولار لقتال تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا.
وحُدد في الموازنة مبلغ 398 مليون دولار لصندوق التدريب والتجهيز لسوريا والعراق، لتعزيز قدرات القوات الشريكة لوزارة الدفاع في مكافحة تنظيم “الدولة”، وتوفير احتجاز “آمن وإنساني” لمقاتلي التنظيم، بحسب وزارة الدفاع الأمريكية.
التمويل المخصص لهذا الغرض، الذي يشمل دعمًا لـ”قسد” شمال شرقي سوريا، انخفض بنحو 9 ملايين دولار مقارنة بالعام الماضي.
القرار الأمريكي نفسه هو المسبب الرئيس لشكوى “قسد” من القضايا الأمنية بمخيم “الهول”، بحسب ما يراه الباحث في شؤون الجماعات الجهادية عبد الرحمن الحاج.
الحاج قال لعنب بلدي، إن قدرة أو رغبة “قسد” بإنهاء وجود تنظيم “الدولة” في المخيم يبدو أنها غير موجودة، ومن العسير تجنب التفكير بأن “قسد” مستفيدة من هذا الوضع، كون بقاء التنظيم حيًا ولكن دون تأثير كبير يمنحها ورقة ضغط على دول التحالف لاستمرار تقديم الدعم لها.
وبالطبع، تريد “قسد” صرف دعم التحالف الدولي والولايات المتحدة لها على الصعيد السياسي، خصوصًا أن التهديد بإطلاق معتقلي التنظيم جرى أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة، خصوصًا في مراحل التصعيد التركي ضدها.
الباحث يرى أن من الصعب الاعتقاد بأن الوضع في مخيم “الهول” ليس جزءًا متعمدًا من سياسات “قسد”.
خطة لم تكتمل لتخفيف الضغط
شكلت مسألة الإفراج عن عائلات من المحافظات الشرقية، تقيم في مخيمي “الهول” و”روج” أو في السجون المخصصة للتنظيم، مطلبًا رئيسًا لأبناء ووجهاء من هذه المحافظات على مدار السنوات الماضية.
وفي 23 من تشرين الثاني 2023، قدمت “الإدارة الذاتية” جملة من الوعود للتخفيف من حدة العداء بينها وبين عشائر دير الزور، تضمنت إخراج العوائل الموجودة في مخيم “الهول” التي تنحدر من دير الزور بشكل مُنظم ودوري.
وتحتجز “قسد” آلاف العائلات بمخيم “الهول” بتهمة انتماء أفراد منها لتنظيم “الدولة الإسلامية” الذي كان يسيطر على المنطقة قبل عام 2019.
وسبق أن صرحت الرئيسة السابقة للهيئة التنفيذية في “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، إلهام أحمد، عام 2020، أن “مسد” عقد اتفاقًا مع “الإدارة الذاتية” يتضمن إخراج جميع السوريين من مخيم “الهول”، وهو ما لم يطبّق حتى اليوم، ويسير بوتيرة بطيئة.
الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، قال لعنب بلدي، إن شكوى “الإدارة الذاتية” من مخيم “الهول” ليست الأولى التي تظهر استخدام “قسد” للمخيم ومرافق اعتقال عناصر تنظيم “الدولة” كأوراق ضغط وابتزاز حتى على المجتمع الدولي.
وأضاف أن هناك الكثير من الإجراءات بمتناول “الإدارة الذاتية” للتخفيف من الضغط داخل المخيمات، كقضية المحتجزين في المخيمات من الجنسية السورية الذين يفرج عنهم على دفعات متفرقة غير منتظمة بكفالات عشائرية.
وتساءل الباحث المتخصص بشؤون شمال شرقي سوريا أنه إذا كان مصير السوريين في “الهول” الخروج منه، لماذا يجري ذلك على دفعات، وبأعداد محدودة جدًا ولا تتجاوز 100 شخص أحيانًا من أصل نحو 20 ألفًا موجودين داخل المخيم.
وأضاف أن من المتوقع أن تعاني “الإدارة الذاتية” خلال العام الحالي أزمة في التمويل، وتأمين الموارد المالية مع الضربات التي استهدفت مصادر تمويلها الرئيسة من حقول النفط والغاز، خاصة أن هذا النوع من الأهداف أصبح ضمن الاستراتيجية التركية الجديدة في مواجهة مخاطر وتهديدات حزب “العمال الكردستاني” الذي يستفيد من هذه الموارد.
ويقبع آلاف الأسرى من مقاتلي التنظيم “الدولة” في سجون ومخيمات “قسد” منذ أن سيطرت على مساحات من شرق الفرات، حيث كان التنظيم ينتشر قبل عام 2019.
وخصصت “الإدارة الذاتية” منذ ذلك الحين مخيمات لعوائل الأسرى أصحاب الجنسيات المختلفة، وسجونًا لعناصر التنظيم السابقين.
ومع تكرار الحديث عن ملف سجناء التنظيم في سوريا، لم يتشكّل لدى الدول التي ينحدر منها بعض هؤلاء المقاتلين أي دافع لإعادة مواطنيها من سوريا، ومحاكمتهم على أراضيها، أو بموجب قوانينها المحلية، باستثناء إجراءات خجولة نفذتها بعض الدول خلال السنوات الماضية.
اقرأ أيضًا: محاكمة سجناء التنظيم دون دولة وقوانين
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :