شبح النزوح يعود إلى أذهان السكان شمال غربي سوريا
“نختبئ تحت صخور أرضنا، إلى أن تنتهي موجة القصف، فهي درعنا وبها نحتمي”، عبارة كفيلة بوصف حال علي دروبية وهو أحد سكان بلدة احسم في منطقة جبل الزاوية جنوبي إدلب، المشابهة لحالة سكان مناطق خطوط التماس شمال غربي سوريا.
في أحدث موجة قصف، أرسل علي زوجته وأولاده إلى مكان آمن، وبقي يحرس أرضه متمسكًا بها، وقال لعنب بلدي إن حالة القصف والتصعيد العسكري من قبل قوات النظام وحلفائها لم تهدأ على جبل الزاوية مذ خرج أبناؤه في الثورة السورية عام 2011.
وذكر أن جبل الزاوية، بعد خروجه من سيطرة النظام عام 2012، كان عرضة للقصف المستمر من قبل قوات النظام وميليشياته وروسيا، وفقد كثيرًا من أبنائه، فلا يمر أسبوع إلا ويقتل ضحايا بفعل القصف، رغم توقف قوات النظام على أعتابه بعد عملية عسكرية واسعة النطاق شنتها في أواخر 2019.
ومع تصاعد وتيرة القصف على مناطق شمال غربي سوريا، تتزايد مخاوف وهواجس سكان مناطق قرب خطوط التماس، من تكرار سيناريو النزوح في مطلع 2020، والذي تسبب بتهجير نحو مليون شخص من أرياف إدلب وحلب وحماة.
“ما زلنا في حالة حرب”
“اكتسبنا الصلابة والتمسك بالأرض من صخور جبل الزاوية، وهذا الحال أصبح شبه اعتيادي لسكان الجبل”، أضاف علي لكنه أردف أن “مخاوف النزوح تبقى حاضرة مع كل قذيفة صاروخية أو مدفعية تضرب المنطقة، إضافة لتحليق طيران الاستطلاع الذي لا يتوقف، ليعطيك مؤشرات بأننا ما زلنا في حالة حرب”.
وبمجرد أن تدخل منطقة جبل الزاوية قادمًا من الشمال، تشعر بأنك في حالة حرب، ويجب أن تضع بالحسبان أنك معرّض للموت بأي لحظة بفعل قذيفة غادرة أو غارة جوية من طائرة حربية أو مسيّرة انتحارية.
وبات لدى أغلب سكان الجبل أماكن سكن بديلة سواء عند أحد الأقارب أو خيمة في أحد المخيمات بعيدًا عن خطوط التماس مع قوات النظام، أو قرب الحدود السورية- التركية.
وجهز معظم سكان منطقة جبل الزاوية، خاصة القريبون من خطوط التماس، ملاجئ بسيطة لحمايتهم من قذائف قوات النظام وصواريخه، إذ يعد جبل الزاوية خط الدفاع الأول عن منطقة شمال غربي سوريا.
ولجبل الزاوية موقع استراتيجي جعله ذا أهمية كبيرة للنظام والمعارضة على حد سواء، فهو صمام الأمان لإدلب وشمالي حلب، ويشرف على الطريق الدولي (M4) الذي يربط محافظة حلب بمناطق الساحل غربي سوريا.
سرمين والنيرب.. الحمم لا تتوقف
حال سرمين والنيرب وآفس ومعارة النعسان لا يختلف عن جبل الزاوية وربما أصعب، فطبيعة الجبل الوعرة قد تكون عاملًا مساعدًا لحماية الناس، على عكس القرى والبلدات المذكورة، التي تتعرض لقصف شبه يومي، ما أسهم بتراجع الحياة المدنية فيها.
في 6 من كانون الثاني الحالي، أُصيب أربعة مدنيين واندلع حريق في سيارة مدنية، جراء قصف صاروخي لقوات النظام استهدف السوق الشعبي ومنازل المدنيين وبالقرب من مدرسة ثانوية في سرمين.
وبحسب عدد من أهالي سرمين، فإن المدينة تعيش أوضاعًا إنسانية صعبة، فقد تعرضت مؤخرًا لقصف مكثف بعد تصعيد عنيف في تشرين الأول الماضي، والذي أدى إلى دمار عدد من المدارس والمراكز الصحية والمرافق العامة، وأدى لنزوح قسم كبير من الأهالي خارج المدينة.
واضطر الأهالي للعودة إلى مدينتهم بسبب عدم قدرتهم على تحمل أعباء الانتقال واستئجار منزل بمبلغ كبير، فضلًا عن عدم تأقلمهم مع السكن في مراكز الإيواء الجماعي أو المخيمات، بسبب اعتماد القسم الأكبر من الأهالي على أراضيهم الزراعية كمصدر دخل أساسي لهم، وعلى محالهم التجارية التي توفر لهم مصروفهم اليومي، ما أجبرهم على العودة تحت القصف.
وتقع مدينة سرمين على بعد لا يتجاوز ثمانية كيلومترات عن مناطق سيطرة النظام في مدينة سراقب، إذ تعد منطقة متاخمة لجبهات القتال.
ولم يتوقف القصف المكثف طيلة الأشهر الثلاثة الماضية عن بلدة النيرب المجاورة لسرمين، خاصة بعد تفجير استهدف حفل تخريج ضباط في الكلية الحربية بمدينة حمص، سيما أنها كانت عرضة للقصف المتقطع طيلة السنوات الماضية، وفق ما قاله عبد القادر الدج رئيس المجلس المحلي في البلدة.
وأضاف في حديثه لعنب بلدي، أن القصف أدى إلى شلل الحركة المدنية في البلدة، فقد علقت مديرية التربية بإدلب منذ أيام الدوام في المدارس في كل من النيرب وسرمين وآفس وتفتناز ومعارة النعسان شرقي إدلب، حفاظًا على سلامة الطلاب والكوادر الإدارية والتعليمية.
وأشار الدج إلى أن المنطقة شهدت في الفترة الماضية نزوحًا كبيرًا بعد التصعيد، لكن ما لبث أن عاد الناس لمنازلهم وسط ظروف معيشية صعبة، فهذه المناطق بالأساس قريبة من خطوط التماس وتعاني من ضعف في المساعدات الإنسانية، كما أن بنيتها التحتية هشة، فقد كانت خط الاشتباك الأول وتوقفت على أعتابها الحملة العسكرية الواسعة التي أطلقتها قوات النظام مطلع عام 2020.
قربْ النيرب وسرمين من مناطق سيطرة قوات النظام في مدينة سراقب، أبقاهما عرضة للقصف الذي يهدد حياة السكان فيها، ويبقى هاجس النزوح يراودهم باستمرار، ورغم ذلك آثر بعض السكان البقاء فيهما.
وبحسب عدد من سكان بلدة النيرب، فإن أهالي البلدة متمسكون بأرضهم رغم تردي الواقع المعيشي والدمار الكبير الذي لحق بالبلدة، فأغلب السكان عند اشتداد القصف يخرجون إلى مناطق أكثر أمنًا، ومن ثم يعودون لمنازلهم وأرضهم عند هدوء القصف.
وذكر “الدفاع المدني السوري” في تقرير له أن مدينة سرمين أكثر مدينة تعرضت للقصف في 2023، ونسبة دمارها كبيرة، فقد كانت مسرحًا للعمليات العسكرية.
دارة عزة.. ليست بحال أفضل
نتيجة القصف المكثف الذي تعرضت له مدينة دارة عزة بريف حلب الغربي، نزحت عائلات إلى مخيمات وقرى مجاورة، وسط مخاوف من تصاعد وتيرة القصف، ما يهدد حياة السكان وممتلكاتهم.
وارتفعت حصيلة ضحايا قصف قوات النظام على مدينة دارة عزة وقريتي برج حيدر وكباشين في ريف حلب الغربي إلى ستة قتلى مدنيين، و11 مصابًا، في 1 من كانون الثاني الحالي.
وقال الإعلامي في دارة عزة أحمد رشيد لعنب بلدي، إن القصف مؤخرًا على المدينة أعاد شبح النزوح وعدم الاستقرار لأذهان الأهالي في المدينة، سيما النازحين منهم.
وأضاف أن دارة عزة فيها نصف عدد السكان قبل العمليات العسكرية في 2020، وبسبب كثرة القصف نزحت عائلات كثيرة عنها، رغم أهمية موقعها الجغرافي، فهي تصل بين ريفي إدلب الشمالي وحلب الشمالي.
وأشار إلى أن الأهالي يعيشون حالة خوف دائم من النزوح، فلا يكاد يمر يوم إلا وتتعرض المدينة أو محيطها لقصف صاروخي ومدفعي من مواقع قوات النظام المتمركزة في ريف حلب الغربي، بينما يلجأ الأهالي إلى الملاجئ التي حفروها بين الصخور عندما يشتد القصف.
ومن بقي في المدينة فضّل البقاء والتعايش مع القصف، فالحياة مستمرة، وأغلب الناس ليست لديهم إمكانيات مادية لاستئجار منازل جديدة والتكلّف بعناء نقل أثاث المنزل ومستلزماته، في ظل غلاء في الأسعار تعيشه المنطقة، وفق ما قاله أحمد رشيد.
وتسبب القصف خلال الأيام الماضية بشلل في العملية التعليمية، خاصة مع مخاوف الأهالي من إرسال أبنائهم إلى المدارس، حيث استُهدفت مدرسة “عائشة الكبرى” في المدينة، كما أن القصف يهدد القطاع الصحي نظرًا لاستهداف قوات النظام للمرافق الحيوية.
ولا يختلف حال دارة عزة عن بقية مدن وبلدات الشمال السوري القريبة من خطوط التماس مع قوات النظام، وخاصة تقاد والأبزمو والأتارب بريف حلب الغربي، ومعارة النعسان وآفس وتفتناز وسرمين والنيرب بريف إدلب الشرقي، إضافة لمنطقة جبل الزاوية جنوبي إدلب.
وأحصى “الدفاع المدني السوري” في تقرير له أواخر عام 2023، مقتل 162 شخصًا، وإصابة 684 آخرين بسبب هجمات قوات النظام وحليفتها روسيا، خلال عام 2023.
واستجابت فرق “الدفاع المدني” منذ بداية 2023 وحتى تاريخ 24 كانون الأول من العام نفسه لأكثر من 1276 هجومًا من قوات النظام وروسيا والميليشيات الموالية لهم، قُتل على إثرها 160 شخصًا، وأُصيب 688 شخصًا.
اقرأ أيضًا: قوات النظام تواصل قصف إدلب.. رسائل لتركيا وسكان الشمال
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :