عنب بلدي – يامن مغربي
رجل عجوز ينظر بحدة وتركيز إلى كرة بلورية وسط أجواء غريبة، وأمامه ضيف ينتظر معرفة المستقبل الغائب، صورة نمطية لمشعوذ أو منجم يمنح زواره ما يشبع فضولهم، لكن الصورة تغيرت، ولم يعد التنجيم أو ادعاء معرفة المستقبل المجهول محصورًا بهذه الصورة فقط.
تعلن المحطات الفضائية العربية عن نجوم معرفة المستقبل، المتنبئين الذين سيخبرون الناس عما ينتظرهم في العام المقبل، قبل أسبوع من احتفالات رأس السنة.
إعلان مغرٍ يستخدم أعلى حد ممكن من التشويق، وموسيقا ومؤثرات تُستخدم في أثناء حديث المنجم، واستعراض تنبؤاته التي أصابت خلال السنة السابقة، وسط قطع الحلقة عدة مرات لعرض الإعلانات التجارية التي توفر الربح المادي للقناة العارضة.
طيلة سنوات، درجت هذه القنوات على استضافة المنجمين، الذين يتحدثون عن أبرز الأحداث السياسية والاقتصادية والكوارث البيئية، بكلام عام يمكن فهمه بعدة أوجه، دون الإفصاح عن مصادرهم أو الإشارة إلى الاعتماد على تحليل سياسي بناء على المعطيات الموجودة.
إلى جانب الحلقات التلفزيونية، توجد عشرات الكتب المختصة بالأبراج والمسار اليومي لها، وتنتشر مطلع كل عام.
الإيحاء وعلم النفس
تلعب الأجواء التي تعتمدها القنوات التلفزيونية خلال ليلة رأس السنة دورًا كبيرًا في منح الضيف المتنبئ التأثير المطلوب، بالإضافة إلى حضوره الشخصي وطريقة إلقائه للمعلومات وتعامل المذيع معه، ويأتي كل هذا لصنع الإيحاء الذي يدفع المشاهد للاقتناع أو التفاعل معه.
بدأ التنجيم ما قبل الميلاد، في العهد البابلي، عندما وضع البابليون تقويمًا نجميًا ونظامًا يتنبأ بحركة الكواكب والنجوم.
المختص النفسي عامر الغضبان، قال لعنب بلدي، إن وجود شخص ما على الشاشة، يعطي إيحاء ما للمتلقي بأن لديه ما ليس لدى الآخرين، على الأقل أنه خبير يعرف شيئًا ما، وأحيانًا يقدم هذا النموذج الإعلامي أو النجم على أنه أكثر من خبير، ولديه عناصر قوة وسيطرة ليست لدى الآخرين، وقدرة على التعامل مع مواقف مختلفة، ويعرض على المشاهد بنفس طريقة ألعاب الخفة.
وبالتالي، وفق الغضبان، تؤدي هذه العوامل إلى التأثير النفسي المطلوب على المشاهدين، وجذبهم لمعرفة ما لديه أو ما يعرفه، ويحصل تأثير “الإيحاء”.
وبمجرد أن يشعر الإنسان أن الطرف المقابل له قوي ومسيطر، يتأثر بهذا الإيحاء، حتى من لا يعتقد أن التنجيم أو العرافة من وسائل المعرفة.
يضاف إلى ذلك المحتوى المترابط والمتماسك والمعرفة العالية أو بشكل غامض، لكنه يظهر وكأنه يعي ما يقوله، وهذه صفات وسمات تؤثر وتجذب الجمهور، وفق الغضبان.
وأشار إلى أن وجود العرافين ورغبة الناس بالحصول على معلومات منهم ظاهرة قديمة، وبدأت تتحول في العالم العربي إلى تقليد سنوي، بأن يكون العراف نجمًا في وسائل الإعلام، وأن يصبح من تقاليد بعض القنوات التلفزيونية، ويجيب عن الأسئلة المتعلقة بالمستقبل السياسي والاقتصادي، ويقدم إجابات تحتاج إلى مراكز أبحاث ضخمة.
لما يلجأ الناس إلى سماع المتنبئين
عاشت المنطقة العربية خلال العقد الأخير اضطرابات أمنية وأزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية، وحروبًا وحركة نزوح وهجرة، جعلت عدم الاستقرار عاملًا حاضرًا ودائمًا، ما أدى بشكل مباشر إلى انتشار القلق من المستقبل في ظل إطالة أمد الأزمات وغياب أي حلول توحي بإمكانية عودة الاستقرار وبناء ما تهدم على كل المستويات.
هذا القلق والخوف وغياب الخطط من العوامل التي تدفع الناس للبحث عن الطمأنينة وإن كانت زائفة، لدى جهات أخرى غير السياسيين والاقتصاديين.
ويُضاف إلى ما سبق، حبّ الاستطلاع والفضول الموجود بشكل طبيعي لدى الإنسان.
وفق الغضبان، فإن حب الاستطلاع ومعرفة ما الذي سيقوله العرافون يشكل دافعًا جذابًا لدى الإنسان، لكن هناك أسبابًا أخرى.
وهناك نسبة من الناس تبني قراراتها على كلام هؤلاء، وفي بعض الأحيان تتكون لديهم بعض الميول أو سلوك أو موقف ما، نتيجة تأثير العرافين، وقد تتشكل لديهم بنية معرفية أو نوع من أنواع الثقة، كما أن القلق في بعض الأحيان يدفع الناس للفرجة، خاصة أن القلق هو مجموعة من المشاعر باتجاه المستقبل والمجهول غير الواضح.
ويحمل هذا التأثير الواصل من العرافين وغير القائم على أسس علمية آثارًا سلبية على الفرد، إذ يؤدي إلى نوع من الطمأنينة الزائفة، وفق الغضبان.
ومع التكرار قد تتحول العملية إلى سلوك دائم، ويصبح الإنسان يبحث باستمرار عن العرافين ليبني قراراته، ويخضع لشيء من التبعية والقابلية لتلقي الإيحاء.
التقلبات السياسية التي أثرت على المجتمعات حوّلت شرائح من الناس للشعور بمزيد من الضعف، ورغم ما توفره التحليلات السياسية لمراكز الأبحاث والصحف ووسائل الإعلام لشرح الواقع الحالي للمجتمع، والآثار المترتبة عليه، فإنه ليس بالضرورة أن يلجأ إليها الناس بشكل دائم، ومن الممكن أن يبحثوا عن بدائل.
ويرى الغضبان أن التحليلات السياسية في بعض الأحيان تحمل لغة صعبة، أو تكون واقعية لمرحلة قد لا تبشر بالخير، لذا يحاول الإنسان البحث عن طرق أخرى للمعرفة، ومنها اللجوء للعرافين.
الفرق بين علم الفلك والتنجيم
يكمن الفارق الأساسي بين علم الفلك والتنجيم بأن الأول هو علم قائم بحد ذاته، يرصد حركة الكواكب في الفضاء وتأثيراتها الفيزيائية على كوكب الأرض.
ووفق الجمعية الفلكية الأمريكية، يدرس علم الفلك كل ما هو خارج الغلاف الجوي للأرض، كالكواكب والنجوم والكويكبات والمجرات، وعلاقتها بالأجرام السماوية، ويعتمد بشكل أساسي على البحث والمراقبة.
في حين يرى التنجيم أن مواقع النجوم والكواكب تؤثر على مجرى الأحداث على كوكب الأرض.
وأحد أبواب التنجيم، الأبراج المكونة من 12 برجًا، وتقسّم ضمن “دائرة البروج” المرتبطة بمسار الشمس، يمر فيها الشمس والقمر والكواكب الثمانية المكونة للمجموعة الشمسية.
ماذا تقول الأديان؟
تتفق كل من الديانتين الإسلامية والمسيحية على تحريم التنجيم.
وفق “دار الإفتاء المصرية“، فإن علم التنجيم هو “حدس وتخمين ومن قبيل العرافة والتنجيم والكهانة”، ومضر بالخلق ويقع في النفس أن الكواكب هي المؤثرة والآلهة المدبرة والحكم بها حكم جهل، ولا فائدة فيه.
ووفق الشيخ ابن باز، يحرم الدين الإسلامي الكهانة والطيرة وسائر ما يتعطاه مدعو الغيب “من الكذب والزور والحيل”.
وجاء في القرآن، “قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله”. (النمل: 65).
و”عنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو”. (الأنعام: 59).
وكما الديانة الإسلامية، فإن الديانة المسيحية ترى في التنجيم “عبادة وثن”، وجاء في الإنجيل، “لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار، ولا من يعرف عرافة، ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر، ولا من يرقي رقية، ولا من يسأل جانًا أو تابعة، ولا من يستشير الموتى، لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب”. (تث 18: 10)