عادات تتحكم بالحمل وموانع تهدد الصحة

سيدات في إدلب لا يملكن قرار تنظيم الإنجاب

يعد منع المرأة اتخاذ قرار الإنجاب أو عدمه انتهاكًًا لحقوقها (تعبيرية /عنب بلدي)

camera iconيعد منع المرأة اتخاذ قرار الإنجاب أو عدمه انتهاكًًا لحقوقها (تعبيرية /عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسن إبراهيم

عانت السيدة “هناء المحمد” (اسم مستعار لأسباب اجتماعية) خلال الأشهر الماضية تأثيرات جانبية سلبية لموانع حمل عدة اختبرتها، ورغم عدم تقبل طبيعة جسدها لها، فإنها جربتها نزولًا عند رغبة زوجها.

وقالت “هناء” (27 عامًا)، إنها خضعت لعملية تركيب “اللولب الرحمي” في أحد المراكز الصحية المجانية بإدلب، نظرًا إلى ارتفاع تكلفته في العيادات الخاصة، إلا أنها اضطرت لإزالته بعد عشرة أيام من تركيبه بسبب شدة الألم، ونزيف قوي عانت منه بعد تحرك اللولب من مكانه.

“اللولب الرحمي” هو أداة بلاستيكية صغيرة ومرنة على شكل حرف “T” يجري إدخالها في الرحم، تساعد في منع حدوث الحمل وتنظيم النسل.

“اللولب كان غائصًا، ولو تُرك لفترة أطول لاحتاج إلى عملية كورتاج”، قالت طبيبة النسائية لـ”هناء”.

بعدها، بدأت السيدة بتناول حبوب منع الحمل، التي تسببت لها بحالة رجفان وارتفاع كبير بضغط الدم، وتوقفت عن تناولها بحسب تعليمات الطبيبة، التي أخبرتها بأنها كان من الممكن أن تعرض حياتها للخطر، لأن الحبوب لا تناسب طبيعة جسدها.

نصائح الطبيبة كانت واضحة بأن موانع الحمل لا تناسب السيدة “هناء” أولًا لصغر عمرها، وعدم انتظام هرمونات جسدها بعد حملها المتكرر دون فترة راحة جيدة خلال السنوات السابقة، لذلك كان الواقي الذكري هو الحل المناسب لحالتها كما أخبرتها الطبيبة، إلا أن زوجها يرفضه “لأنه يؤثر على المتعة الجنسية”، وفق ما نقلته عنه.

تتعرض المرأة في إدلب لضغوط من المجتمع في حال فكرت بعدم الإنجاب، ولا يكون هذا الضغط مفروضًا من الذكور فقط، إنما من نظيرة المرأة، السيدات أنفسهن أيضًا.

ترى بعضهن أن أنوثة المرأة تكتمل في إنجاب الأطفال، دون أن يحددن شكل الأسرة وعدد أفرادها، بينما تعاني السيدات أعراضًا سلبية لحملهن المتكرر وصعوبة تربية أطفالهن في ظل وضع معيشي متدنٍّ.

تبحث بعض السيدات عن طرق تضمن سلامتهن لإيقاف أو تأجيل الإنجاب، إلا أن هذه الوسائل أيضًا غير متاح لهن اختيارها بحرية، كما أن استخدامها بشكل عشوائي يلحق أضرارًا بصحتهن.

تبعات جسدية

من جانبها، قالت حنان، إنها لم تعد قادرة على الحمل والإنجاب بجسدها المنهك، إذ تعرضت خلال حملها السابق لضغط حمل وانزلاق غضروفي بالظهر (ديسك)، ونصحتها الطبيبة بفترة راحة طويلة.

وداد، تقيم في مدينة إدلب شمالي سوريا، وهي والدة زوج حنان، ترفض أن تستخدم زوجة ابنها أي موانع حمل متذرعة بقولها “الولد بيجي وبتجي رزقتو معو”.

وقالت وداد لعنب بلدي، إنها لم تستخدم في حياتها أي موانع للحمل، كما أنها لم تنجب سوى سبعة أولاد، وهو ما تراه أمرًا طبيعيًا ومناسبًا، وتتمنى أن يرزق ابنها بعدد أولاد أكبر.

الطبيبة النسائية منى الصادق قالت لعنب بلدي، إن الطبيبة المتابعة لحالة السيدة هي من يحدد وسيلة الحمل المناسبة، وذلك بالنظر إلى حالتها الصحية والاجتماعية والمادية، كما لا يصح استخدام بعض موانع الحمل كالحقن والحبوب دون وصفة الطبيب، تجنبًا لأي اختلاطات ربما تؤثر على صحة السيدات.

وأوضحت الصادق أنه لا توجد وسيلة مثالية لمنع الحمل، وأن لكل منها إيجابيات وسلبيات.

وأشارت الطبيبة إلى ضرورة استخدام وسائل منع الحمل، لأن التقارب بين الولادات يؤدي إلى نقص الفيتامينات والحديد في جسد الأم، إضافة إلى تغيّرات نفسية وجسدية تؤثر على نمو الجنين، علاوة على ازدياد نسبة النزيف الذي قد تتعرض له الأم بسبب إرهاق الرحم.

وذكرت الصادق أنه لا يوجد أي خطر لتناول موانع الحمل، إلا أن كل امرأة يجب أن تستخدم ما يناسب وضعها، ناصحة النساء بتنظيم الحمل لإعطاء فرصة كافية للجسم والتفرغ للمولود، ويجب أن تفصل بين كل ولادة سنتان على أقل تقدير.

صحة إنجابية

تعمل منظمات طبية عدة على تقديم خدمات الصحة الإنجابية عبر عياداتها المنتشرة في محافظة إدلب، وتشرف “الجمعية الطبية السورية الأمريكية” (سامز) على عدد من المستشفيات الخاصة بالتوليد والأمراض النسائية، إذ توجد عيادة صحة إنجابية تقدم وسائل ونصائح لمنع الحمل بشكل مجاني، وفق إلهام نصف رطل، مشرفة الصحة الإنجابية في “سامز”.

وقالت إلهام لعنب بلدي، إن العاملات في المنظمة الطبية يعملن على تثقيف الأمهات حول أهمية المباعدة بين الولادات “أقل فترة هي سنتان” للحفاظ على صحة الأم والطفل، وضرورة وجود هذه الفترة تضمن تعافي الأم جسديًا وعاطفيًا، ودعم المولود بالإرضاع الطبيعي.

وتقدم العيادة، بحسب المشرفة، وسائل الحمل المتوفرة لديها، والتي تتناسب مع وضع السيدة، إلا أن الاستجابة تكون متفاوتة بين النساء، ومرد ذلك لاختلاف الوضع الاجتماعي، والوعي والثقافة التي تؤثر على طريقة تعاطي السيدات مع هذه المسألة.

وأوضحت إلهام أن العادات والتقاليد تفرض على السيدات اختيار الوسيلة بغض النظر عن آثارها السلبية، أو أنهن يرفضن استخدام وسائل الحمل بشكل كامل.

منع الحمل يمنع مخاطر صحية

صندوق الأمم المتحدة للسكان حذر من وجود نحو 257 مليون امرأة حول العالم لا يستخدمن وسائل منع الحمل الآمنة، رغم رغبتهن بتجنب الحمل، وفق تقرير له في آذار 2022.

وأرجع الصندوق ذلك لأسباب مختلفة، أبرزها الخرافات والمعتقدات الخاطئة في المجتمع، والخوف من الآثار الجانبية، إلى جانب عجزهن عن تأمين ثمن الأدوات الآمنة لمنع الحمل.

ووفق الإحصائيات في البلدان التي تتوفر فيها المعلومات حول العالم، فإن 57% من النساء قادرات على اتخاذ قراراتهن بشأن صحتهن وحقوقهن الجنسية والإنجابية، بينما لا تستطيع 23% من النساء قول “لا للجنس”.

وتعتبر منظمة الصحة العالمية (WHO) أن استخدام وسائل منع الحمل يمنع المخاطر الصحية المرتبطة بالحمل بالنسبة للنساء، وخاصة بالنسبة للفتيات المراهقات، وأن الأطفال الذين يولدون قبل عامين من ولادة شقيق أكبر، لديهم خطر متزايد للوفاة بنسبة 60%.

وعن أولئك الذين يولدون في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام فلديهم خطر متزايد بنسبة 10%، مقارنة مع أولئك الذين ولدوا بعد فاصل زمني قدره ثلاثة أعوام أو أكثر.

وقد ارتفع عدد النساء الراغبات في استخدام وسائل تنظيم الأسرة بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين، من 900 مليون في عام 2000 إلى ما يقرب من 1.1 مليار في عام 2021، وفق منظمة الصحة.

وفي الفترة بين عامي 2000 و2020، ارتفع عدد النساء اللواتي يستخدمن وسائل منع الحمل الحديثة من 663 مليونًا إلى 851 مليونًا، ومن المتوقع إضافة 70 مليون امرأة بحلول عام 2030.

وفي عام 2022، قُدّر معدل انتشار وسائل منع الحمل بأي طريقة على مستوى العالم بنسبة 65%، وللطرق الحديثة بنسبة 58.7% للنساء المتزوجات أو المرتبطات.

ماذا يقول القانون السوري؟

في تقرير سابق أعدته عنب بلدي، قال محامون إنه لا يوجد في القانون السوري ما يمنع “تنظيم الأسرة”، خاصة موضوع الإنجاب واستخدام موانع الحمل.

ولا يحق للرجل، قانونيًا، إجبار زوجته على الحمل في حال عدم رغبتها بذلك، ويستطيع أن يرفع دعوى طلاق، أو أن يطلّقها مباشرة.

ويعتبر الإنجاب اتفاقًا بين الزوج والزوجة، وعند اعتراض أحدهما على قرار الآخر، يبقى الطلاق هو الخيار القانوني في هذه الحالة.

ويعد منع المرأة من اتخاذ قرار الإنجاب أو عدمه انتهاكًا لحقوقها، حسب المنصوص عليه في “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”، المتفق عليها منذ عام 1979 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وتنص المادة الـ16 من الاتفاقية على أن للمرأة الحق في أن تقرر الفترة الإنجابية بين الطفل والآخر، والحصول على كل الوسائل التي تتيح ذلك، إلى جانب الحصول على التوعية الكافية فيما يخص هذا الأمر.


شارك في إعداد التقرير مراسل عنب بلدي في إدلب شمس الدين مطعون

 




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة