درعا.. أطفال يتسربون من المدارس نحو سوق العمل
درعا – حليم محمد
لم يعد الطفل باسل يحمل حقيبته كل صباح متجهًا إلى مدرسته حيث يجب لطفل بمثل سنه أن يكون، وبات يرتدي بدلة زرقاء تمهيدًا للخروج نحو ورشة ميكانيك السيارات التي يعمل بها في مدينة طفس غربي درعا.
باسل ترك الدراسة تحت ضغط ظروف العائلة الاقتصادية، واتجه لسوق العمل وهو الذي لم يتجاوز 13 عامًا من العمر.
وتشهد محافظة درعا تزايدًا في أعداد المتسربين من المدارس ممن يعملون في مهن صناعية بسبب الأوضاع الاقتصادية لعائلاتهم، وفشل العملية التربوية، وانتشار البطالة، وفقدان قيمة رواتب الوظائف العامة في سوريا.
دوافع اقتصادية
علاء، والد الطفل باسل، قال لعنب بلدي، إنه أجبر ولده على ترك الدراسة كي يتسنى له تعلم مهنة الميكانيك خلال السنوات المقبلة، كون الدراسة لم تعد ذات جدوى في الظروف الراهنة.
وأضاف أن ابنه، خلال السنوات الخمس المقبلة، سيتقن المهنة ويمكنه فتح محل خاص به.
ويعتقد علاء أن تعلّم “مصلحة” (مهنة) أفضل من التحصيل الدراسي، خاصة أن راتب الموظف لا يتجاوز 200 ألف ليرة سورية، في الوقت الذي صار فيه كثير من خريجي الجامعات يعملون في المياومة.
وبلغ الحد الأدنى للأجور في مناطق سيطرة النظام السوري 185 ألف ليرة سورية (نحو 12 دولارًا).
الطفل باسل قال لعنب بلدي، إنه كان يرغب إكمال دراسته ولكن رغبة والده كانت اكتساب خبرة في مهنته، وهو ما فضّله في نهاية المطاف، علمًا أنه بدأ يشعر بتعب جسدي منذ الأيام الأولى لبدئه العمل.
ترك محمد بركات ذو الـ15 عامًا أيضًا مقعده في المدرسة بعد عجز أسرته عن تأمين مصاريف دراسته، إذ يحتاج يوميًا إلى ما يقارب 4000 ليرة أجورًا للتنقل نحو المدرسة البعيدة عن مكان سكنه.
والتحق محمد بأعمال المياومة الزراعية قبل مدة، يحصل من خلالها على أجرة يومية تصل إلى 25 ألف ليرة سورية.
ومن الأسباب التي دفعت محمد لترك دراسته أنه يتيم الأب، ويعيش لدى جدته البالغة من العمر 70 عامًا.
جدة محمد قالت لعنب بلدي، إنها كانت تطمح أن يكمل محمد دراسته ويدخل الجامعة، لكنها لم تتمكن من تأمين مصروفه اليومي، ما دفعها لتشجيعه على العمل للمساعدة في تأمين مصاريف المنزل.
الباحث الاجتماعي طلال المصطفى قال لعنب بلدي، إن خروج الطفل للعمل في سن مبكرة يعد مشكلة اجتماعية تعانيها كثير من المجتمعات.
وأضاف أن لعمالة الأطفال السوريين خصوصية مرتبطة بالأحداث التي شهدتها سوريا خلال السنوات الماضية، سواء نتيجة التهجير القسري أو حالة الفقر التي يعيش في دوامتها الشعب السوري.
ومن الطبيعي، بحسب المصطفى، أن يكون المكان الطبيعي للطفل هو مدرسته بعيدًا عن فوضى سوق العمل.
الباحث أضاف أن واقع الأطفال السوريين اليوم “مأساوي”، فكثير منهم انتهكت طفولتهم ويجري استغلالهم في كثير من مجالات العمل المختلفة.
ويرى الباحث أن الأطفال يدفعون ضريبة قساوة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الأسر خلال السنوات الماضية، وانخفاض معدلات دخل السوريين.
فشل العملية التربوية
يبلغ برهان السليم 45 عامًا، وهو من سكان ريف درعا الغربي، قال لعنب بلدي، إنه دفع أبناءه الثلاثة لتعلم مهن حرفية بعيدًا عن الدراسة، محتجًا على سوء واقع التعليم في محافظة درعا.
وأضاف أنه لا توجد في درعا خبرات تدريسية ولا مراقبة تربوية، وبالتالي دفع أبناءه لتعلم حرفة ليقينه أن لا جدوى من تدريسهم في ظل هذا الواقع التدريسي.
عمار أحد أبناء برهان، يبلغ 14 عامًا، قال لعنب بلدي، إنه لم يتجاوز الصف الرابع الابتدائي، والتحق في عمل الميكانيك بدعم من والده الذي يرى أن ابنه لن يصبح “بروفيسورًا”.
وائل هو طفل آخر يبلغ من العمر 15 عامًا، ترك الدراسة بعد رسوبه في الصف السابع الإعدادي، واتجه بعيدًا ليشق طريقه في أسواق درعا، بحسب ما قاله والده لعنب بلدي، الذي علّق فشل ابنه في الدراسة على سوء الكوادر التدريسية وفشل العملية التعليمية.
الباحث طلال المصطفى يرى أن من أهم الأسباب التي تدفع الطفل لترك المدرسة والالتحاق بسوق العمل، هو التصور لدى أسرة الطفل بفشل العملية التربوية.
وأضاف أن عدم توفر فرص للمتعلمين الحاصلين على شهادات تجعل من الطفل غير راغب بالدراسة، حتى لا يكون مستقبله كمستقبل من سبقوه من أسرته.
وفي كانون الثاني 2021، نشرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) تقريرًا قالت فيه إن أكثر من مليونين و400 ألف طفل غير ملتحقين بالمدارس، 40% منهم فتيات.
وخلص التقرير إلى أن من بين كل ثلاث مدارس في سوريا تعرضت واحدة للدمار.
وأضاف التقرير أن الأطفال القادرين على الالتحاق بالمدارس يدرسون في صفوف مكتظة بالتلاميذ، في ظل افتقار المدارس لمياه نظيفة ومرافق صحية، وإنارة وتدفئة وتهوية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :